تضارب الأجندات باجتماعات بون

21:54 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد*
تضاد الأجندات المناخية الحاصل بين مختلف فرق التفاوض المناخي، وتحديداً بين أهم وأقوى كتلتين اقتصاديتين تفاوضيتين، هما الكتلة الغربية التي تضم أمريكا وبلدان الاتحاد الأوروبي التي تفاوض كمجموعة باسم الاتحاد الأوروبي (أضحت 27 دولة بعد انسحاب بريطانيا رسمياً اعتباراً من 31 يناير 2020)، وكتلة مجموعة ال «77+ الصين» التي تضم 134 دولة نامية، ظهر جلياً في اجتماعات بون الأخيرة، التي عقدت خلال الفترة من 3 إلى 13 يونيو 2024، وحضرها نحو 8000 مشارك من بلدان العالم الأطراف في اتفاقيات المناخ، وهي اجتماعات تحضيرية سنوية تسبق مؤتمرات الأطراف.

أسبوعان من مفاوضات بون التمهيدية لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP-29) الذي سيعقد في باكو عاصمة أذربيجان خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر 2024، لم تسعف كتلتي المفاوضات المناخية الرئيسيتين، في إحراز أي تقدم بأي من المواضيع الرئيسية التي تصدرت جدول أعمال المفاوضات، لا سيما ملف التمويل وملف التخفيف “Mitigation”. فكان أن وجّه الطرفان أصابع الاتهام إلى بعضهما بعضاً عن فشل المفاوضات. هذه انعطافة غير عادية في مفاوضات المناخ، من حيث طرح كتلة الدول النامية ورقة التمويل بقوة غير مسبوقة لتتقدم على ورقة التخفيف الأثيرة على قلوب وفود المفاوضات الغربية (الاتحاد الأوروبي تحديداً).

فقد انصب ضغط المفاوضين في بون على التوصل لخيارات ملموسة للهدف المالي لما بعد عام 2025، الذي أُطلق عليه «الهدف الجماعي الكمي الجديد» (New Collective Quantified Goal – NCQG). فتقاذف المتفاوضون المقترحات، بما فيها مقترحات الاتحاد الأوروبي. لكن مجموعة التفاوض العربية، قدمت، بدعم من أكبر مجموعة تفاوضية، مجموعة ال77+ الصين، مقترحات غير مألوفة وصادمة للأوروبيين؛ إذ تقضي بأن تقوم الدول الغربية الغنية بتحصيل ما يصل إلى 1.1 تريليون مليار سنوياً للعمل المناخي؛ اعتباراً من عام 2025 إلى عام 2029، عن طريق فرض ضرائب على شركات إنتاج الأسلحة وشركات التكنولوجيا وشركات الموضة والأزياء، فضلاً عن المعاملات المالية. ومن هذا المبلغ، ينبغي أن يكون 441 مليار دولار منحاً عامة، والباقي أموال يتم تعبئتها من مصادر أخرى، بما في ذلك القروض المقدمة بأسعار أرخص من السوق. بل إن المجموعة العربية، بدعم من مجموعة ال77 والصين، اقترحت كيف يمكن للبلدان المتقدمة جمع هذا المبلغ، وذلك من خلال فرض ضريبة مبيعات بنسبة 5% على شركات إنتاج الأسلحة المسؤولة، بحسب مجموعة التفاوض العربية، عن 5% من إجمالي الانبعاثات العالمية، وشركات التكنولوجيا وشركات الموضة والأزياء، إضافة إلى ضريبة المعاملات المالية. والهدف من ذلك هو ملاحقة القطاعات المربحة ذات الانبعاثات العالية؛ مثل القطاع العسكري أو تلك التي تغذي «أنماط الاستهلاك الفاخرة»، بدلاً من استهداف القطاعات التي تعد أساسية لأمن الغذاء والطاقة في الجنوب العالمي.

لكن الدول الغربية رفضت هذه المقترحات بشدة، وأكدت أنها لن تلتزم بأكثر مما تم الاتفاق عليه بخصوص توفير التمويل اللازم لمكافحة ظواهر الاحتباس الحراري، في مؤتمر الأطراف الخامس عشر في عام 2009 في كوبنهاغن، وهو مبلغ 100 مليار دولار سنوياً فقط؛ اعتباراً من سنة 2020. وحتى هذا الهدف لم يتحقق إلا بشق الأنفس وبعد فوات المدة المحددة لتحصيله.

فكان أن سيطرت خيبة الأمل على وجوه ممثلي الدول النامية من رفض الدول الغربية تحديد أرقام لمبالغ مرصودة لمشاريع التخفيف والتكيف ووضع هدف التمويل لما بعد عام 2025 المقرر مناقشته في مؤتمر الأطراف القادم في أذربيجان أواخر هذا العام. لذلك كانت الدول النامية واضحة في بون، بأنها ليست مستعدة لتحمل حصة أكبر من خفض الانبعاثات دون التمويل وغيره من أشكال الدعم التي تحتاج إليها للقيام بذلك، خاصة مع خروج الدول الغنية عن المسار الصحيح لالتزاماتها.

ولم تسعف لا اجتماعات مجموعة السبع، ولا إصدار كل من مجتمع الطاقة المتجددة REN21 (شبكة فرنسية ألمانية تُعنى بسياسات الطاقة المتجددة)، ومعهد الطاقة البريطاني، تقريرين جديدين حول مزيج الطاقة العالمي، بالتزامن مع انعقاد اجتماعات بون، لم تُسعف لوبيات المناخ الأوروبية. حيث لم يجد قادة الدول السبع الذين اجتمعوا في إيطاليا (من 13-15 يونيو 2024)، أي مباشرة بعد انتهاء اجتماعات بون، لا رفاهية الوقت ولا الموارد ولا القفز على الأولويات، للاستجابة لمناشدات المناخيين الأوروبيين ومجموعة البرلمانيين الخمسين الذين اجتمعوا في إيطاليا قبل يوم واحد من اجتماع قمة مجموعة السبع. إلى ذلك، فقد أشار تقريرا الهيئتين المذكورتين، إلى أنه على الرغم من أن الطاقة المتجددة، وتحديداً طاقة الرياح والطاقة الشمسية، تنمو بسرعة، فإن الوقود الأحفوري استمر في الاستحواذ على حصة تقارب 82% من الطاقة الأولية في العالم في العام الماضي 2023، وهو نفس المستوى الذي كان عليه في عام 2022، مع استمرار استهلاك الفحم واستمرار الطلب على النفط في الارتفاع.

*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9kjyf5

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"