موضوع التقييم المناخي في اجتماعات بون

21:54 مساء
قراءة 4 دقائق

*د. محمد الصياد
في اجتماعات بون الأخيرة، التي عقدت خلال الفترة من 3 إلى 13 يونيو 2024، وحضرها نحو 8000 مشارك من بلدان العالم الأطراف في اتفاقيات المناخ، وهي اجتماعات تحضيرية سنوية تسبق مؤتمرات الأطراف، تحولت الدول النامية من الدفاع إلى الهجوم. وقد تكون هذه السابقة، إشارة مرور ضوئية غير سارة للنسخة التاسعة والعشرين من مؤتمر الأطراف القادم في العاصمة الأذرية باكو. فبينما أذعنت الدول المتقدمة وحاولت الظهور بمظهر الدبلوماسي المتوازن، باقتراحها أن يتم الوضع في الاعتبار كافة عناصر التقييم العالمي «Global stocktake»، بما في ذلك جهود التخفيف، فقد ردت مجموعة الدول النامية ذات التفكير المتماثل «like-minded countries»، بأن التركيز يجب أن ينصب حصراً على موضوع التمويل ووسائل التنفيذ «Means of Implementation».

علماً بأن مجموعة الدول النامية ذات التفكير المتماثل هي مجموعة من الدول النامية تنظم نفسها ككتلة من المفاوضين في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، وهي تمثل أكثر من 50% من سكان العالم. ووفقاً لتصريح كان قد أدلى به الدبلوماسي الصيني شا زوكانغ في عام 2005، فإن الدول الأعضاء في مجموعة التفكير المتماثل هي الجزائر، وبنجلاديش، وبيلاروسيا، وبوتان، والصين، وكوبا، ومصر، والهند، وإندونيسيا، وإيران، وماليزيا، وميانمار، ونيبال، وباكستان، والفلبين، وسريلانكا، والسودان، وسوريا، وفيتنام، وزيمبابوي. وتم نقل تجربة المجموعة لفضاء المفاوضات الجارية في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (UNFCCC)، وأعضاؤها هم الجزائر، وبنجلاديش، وبوليفيا، والصين، وكوبا، والإكوادور، ومصر، والسلفادور، والهند، وإندونيسيا، وإيران، والعراق، والأردن، والكويت، وماليزيا، ومالي، ونيكاراغوا، وباكستان، والمملكة العربية السعودية، وسريلانكا، والسودان، وسوريا، وفنزويلا، وفيتنام.

تحديداً في الجزئية المتعلقة بالتقييم العالمي، ووسائل التنفيذ، التي تشمل توفير التمويل ونقل التكنولوجيا ودعم بناء القدرات للحد من مخاطر الكوارث، وتمكين المجتمعات المحلية، ورفع مستوى الوعي حول مخاطر الكوارث، فإن بلداننا العربية، بحاجة ماسة للحصول على الدعم الفني لاعتماد أدوات متقدمة مثل نظم المعلومات الجغرافية (GIS) وتقنيات الاستشعار عن بعد، وتطوير خرائط المخاطر ونظام الإنذار المبكر، والحصول على الدعم الدولي والإقليمي فيما خص تعبئة الموارد اللازمة لذلك، وتعزيز الوعي العام حول مخاطر الكوارث وطرق الحد منها. وهذه يجب أن تكون في صلب اهتمامات وأجندات عمل مجموعة التفاوض العربية في مفاوضات المناخ التي تؤدي بشكل رائع.

معلومٌ أن مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين الذي استضافته دبي خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 13 ديسمبر 2023، خرج باتفاق حول ما يسمى هدف «التقييم العالمي»، المتعلق بتنفيذ هدف ما ورد في نص المادة 14 من اتفاق باريس للمناخ، وهو فحص درجة الحرارة كل خمس سنوات، بما يعني مراقبة وتقييم ومراجعة التقدم الجماعي بشكل دوري نحو تحقيق الهدف الطويل المدى بشأن درجة الحرارة الوارد في المادة الثانية من اتفاق باريس. وقد كانت النقطة الجوهرية في الاتفاق هي الإشارة للمرة الأولى إلى الانتقال لمنظومة طاقة خالية من مصادر الوقود التقليدي الذي لا يتم تخفيف انبعاثاته، لتمكين العالم من السير على طريق تحويل الطاقة العالمي، بما يشمل ذلك، ولأول مرة، التحول بعيداً عن كل أنواع الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، وليس الفحم فقط (وإنما يشمل النفط والغاز هذه المرة)، لتحقيق الحياد المناخي (صافي صفر انبعاثات) بحلول عام 2050، ورفع قدرة الطاقة المتجددة عالمياً إلى ثلاثة أمثالها ومضاعفة المعدل السنوي العالمي لتحسين كفاءة استخدام الطاقة بحلول 2030. لكن في بون، عاد المفاوضون لنفس الموضوع مرة أخرى من زاوية ما إذا كان ينبغي السماح بالأنشطة التي تهدف إلى «تجنب» (Avoid) بدلاً من «تقليل» (Reduce) الانبعاثات في سوق الكربون الجديدة للأمم المتحدة بموجب المادة 6.4 من اتفاق باريس للمناخ. ومع أن الموضوع لم يجر حسمه، بسبب تشديد المفاوضين الأوروبيين على أن إعطاء الضوء الأخضر لإدراج تجنب الانبعاثات يمكن أن يخلق بعض الحوافز الضارة، مثل وعد شركات الوقود الأحفوري بترك بعض حقول النفط أو الغاز غير مستكشفة، ثم قياس الانبعاثات التي تم تجنبها وبيعها كتعويضات للكربون. ولا ننسى أيضاً أن إدراج الوقود الأحفوري في وثائق المفاوضات، لا يعني شيئاً على الإطلاق، فلسوف يتم ربطه دوماً على طاولة المفاوضات في كافة مستوياتها، بتحقيق مستلزمات إجراءات التخفيف والتكيف والتمويل المناخي ونقل التكنولوجيا من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية، وذلك تحقيقاً لما يسمى «العدالة المناخية».

الملاحظ أن سيمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أو المفوض المناخي للأمم المتحدة، أقر في كلمة رئيسية له أمام مركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن، قبل أيام فقط من انعقاد اجتماعات بون، بأن «من الصعب على أي حكومة أن تستثمر في مصادر الطاقة المتجددة أو أن تحوز القدرة على التكيف مع تغير المناخ عندما تكون خزائن الخزانة خاوية، وتكاليف خدمة الديون تتجاوز الإنفاق على الصحة، ويكون الاقتراض الجديد مستحيلاً بالنسبة لها، وذئاب الفقر على أبوابها». وأذهلتني صراحته حين زاد في اعترافه بالقول «إنه بدون تمويل المناخ، لن تقدم الدول الفقيرة خططاً جريئة جديدة للمناخ، وهذا يعني أن جميع الاقتصادات، بما في ذلك اقتصادات مجموعة السبع، ستكون قريباً في صراع خطر ودائم».

* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ehkyhwn

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"