تأمين مستقبل التقاعد

22:27 مساء
قراءة 4 دقائق

سمير عطية الله*

يُمثل التقاعد للأثرياء من أصحاب الأصول فرصة هائلة لتحقيق الحرية والطموحات الشخصية، حيث كشفت دراسة حديثة أجرتها شركة زيورخ للتأمين، أن 30% من المشاركين في الاستطلاع في الشرق الأوسط يطمحون إلى السفر حول العالم، و22% يسعون إلى متابعة شغف ما خلال التقاعد.

ومع ذلك، نعيش في عصرٍ مملوء بالتحديات، حيث يواجه العالم تقلبات اقتصادية ملحوظة، تتمثل في استمرار ارتفاع معدلات التضخم وزيادة التكاليف، فضلاً عن تزايد عدم الاستقرار الجيوسياسي، وتأثيرات التغيّر المناخي والتكنولوجيا الثورية، مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، في الشركات، والاقتصادات، والمحافظ الاستثمارية حول العالم.

لذلك، تصبح إدارة الثروة بحكمة، وبطريقة مدروسة، ضرورة قصوى لضمان استدامتها وحمايتها من أجل تقاعدٍ آمنٍ، ومستقر.

ونظراً لزيادة متوسط العمر المتوقع، قد يمتدّ التقاعد لثلاثين عاماً، أو أكثر، ما يتطلب تخطيطاً دقيقاً للحفاظ على ثروتك، وقدرتك الشرائية على المدى الطويل.

ويُعدّ تحديد المبلغ الصحيح الذي يجب سحبه كدخل من رأسمالك، أحد العناصر الرئيسية لتحقيق ذلك. وتأتي «قاعدة الأربعة في المئة» بمثابة مبدأ توجيهي مستخدمٍ على نطاق واسع منذ نشر المستشار المالي، بيل بينجن، نتائج أبحاثه حول هذا الموضوع قبل 30 عاماً.

تنصّ هذه القاعدة على أنه يمكن للمتقاعدين سحب 4% من محفظتهم الاستثمارية في السنة الأولى من التقاعد، ثم تعديل هذا المبلغ سنوياً وفقاً للتضخم على مدار 30 عاماً، على الأقل.

قد يسعى المستثمرون المتقاعدون إلى سحب دخلٍ من الأرباح فقط، مع الحفاظ على رأسمالهم كما هو. ولكن، يُمكن اتباع نهج «العائد الكلي» الذي يجمع بين إيرادات توزيعات الأرباح، وأرباح رأس المال. وبسبب الكفاءة العالية للعديد من الأنظمة الضريبية المتعلقة بأرباح رأس المال، أصبح نهج العائد الكلي شائعاً كطريقة لتعظيم الدخل في التقاعد.

ولضمان استدامة دخلك، من المهم أن توفر ثروتك عائداً إيجابياً يحافظ على قيمته الحقيقية بعد احتساب التضخم والضرائب والرسوم. ويتمتع الأفراد ذوي الملاءة المالية العالية بإمكانية الوصول إلى مجموعة كاملة من الاستثمارات التي لا يمكن للآخرين الوصول إليها بسبب المتطلبات الاستثمارية العالية. وتشمل هذه الاستثمارات الأصول الحقيقية، مثل البنية التحتية، والعقارات، ومجالات مثل الأسهم الخاصة، والائتمان الخاص، والتي حققت تاريخياً عائدات أعلى من المتوسط.

تقليدياً، كانت النظرية المالية تنصح بتقليل مخاطر الاستثمار مع اقترابك من التقاعد. وغالباً ما كان يرادف ذلك وضع الأموال في السندات التي يُنظر إليها على أنها أقل تقلباً، ولكنها تحقق عوائد أقل. ومع ذلك، ومع امتداد عمر المستثمرين لفترة أطول من أي وقت مضى، أصبحت آفاق الاستثمار أطول. وهذا يفتح المجال لإدراج بعض الأسهم ذات النمو المرتفع ضمن محفظة ثروتك، والتي توفر إمكانات مغرية للموازنة بين المخاطر والعائد. والشرق الأوسط على وجه الخصوص، منطقة غنية بفرص الاستثمار ذات النمو المرتفع، والتي يمكن للمتقاعدين الأثرياء استكشافها.

وفي حن أن التنويع ممارسة شائعة على مستوى فئات الأصول، فإن توزيع الأصول عالمياً لتقليل تأثير المخاطر الجيوسياسية أمر ضروري. قد يكون معظم الناس الذين يعيشون في منطقة معيّنة معرّضين بشكل كبير لتلك المنطقة من خلال منازلهم، وأصولهم، لذلك من المهم توزيع ثروتك، والبحث عن استثمارات الملاذ الآمن في مناطق جغرافية أخرى مثل سندات الخزانة الأمريكية أو العقارات الأوروبية. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أنّ اتجاه بعض الدول لفرض ضرائب متزايدة على مالكي العقارات غير المقيمين قد يُعيق الاستفادة من هذه الاستثمارات، بشكل كامل.

يُعرف الشرق الأوسط بكونه منطقة ذات ضرائب منخفضة، ما يجعله وجهة مثالية للمتقاعدين. ولكن بالنسبة للمغتربين العائدين إلى بلدانهم الأصلية للتقاعد، يُصبح الاستعانة بخبراء ضرائب مؤهلين ومرخصين ضرورة أساسية لضمان استفادة كاملة من ثروتهم، حيث يمكن لهؤلاء الخبراء مساعدة المتقاعدين على تحسين تخطيطهم الضريبي من خلال استخدام تخطيط ضريبي متعدد الاختصاصات، والاستفادة من الإعفاءات الضريبية، والاستفادة من أنظمة الضريبة المزدوجة وقواعد الإقامة والتوطّن.

تُصبح تكاليف الرعاية الصحية عاملاً مهما للغاية في مرحلة التقاعد، لا سيّما مع ازدياد الحاجة إلى الخدمات الطبية مع التقدم بالعمر. وتتمتع بعض دول الشرق الأوسط بأنظمة رعاية صحية متطورة، لكنها قد تكون مكلفة للغاية. لذلك، يُصبح الاستثمار في خطة تأمين صحي شامل، أو حساب توفير صحي خطوة ذكية لضمان تغطية النفقات الطبية المستقبلية، والحفاظ على ثروة المتقاعد.

وعند التفكير في الجيل القادم، يُعدّ تخطيط التركات عنصراً أساسياً لضمان انتقال الثروة بسلاسة إلى المستفيدين. ويتضمن ذلك خطوات، مثل كتابة وصية، وإنشاء صناديق ائتمانية، وتخطيط خلافة الأعمال العائلية، والتفكير في قوانين الميراث في بلد الإقامة، أو التوطّن. فالتوريث المنظّم للأصول هو أمر أساسي للحفاظ على ثروة المتقاعد، وضمان استفادة الجيل القادم منها.

ويتطلب الحفاظ على ثروة المتقاعد على المدى الطويل، فهماً عميقاً للتفاعل المعقد بين الأهداف الشخصية، والعوامل الخارجية، وعدم اليقين الاقتصادي العالمي. ويمكن لمصرفي خاص يتمتع بالخبرة التقنية المناسبة، إضافة إلى المعرفة الإقليمية، أن يلعب دوراً مهماً في مساعدة المتقاعد على تحقيق أهدافه. فمن خلال مراقبة استثمارات المتقاعد، وتعديل محفظته الاستثمارية استجابة لتقلبات السوق، يعيش المتقاعد تقاعداً هنيئاً، ويحقّق أهدافه، وينقل ثروته إلى المستفيدين الأغلى على قلبه.

* الرئيس التنفيذي ل«ميرابو» الشرق الأوسط

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/dnecu8vc

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي لـ«ميرابو» الشرق الأوسط

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"