الحقائق الاقتصادية وأسعار الفائدة

22:28 مساء
قراءة 3 دقائق

بيل دادلي*

كنت لفترة طويلة ضمن معسكر «رفع الفائدة لفترة أطول»، وأصررت على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لابد أن يبقي أسعار الفائدة القصيرة الأجل عند المستوى الحالي، أو أعلى، حتى يتمكن من السيطرة على التضخم.

لقد تغيّرت الحقائق، لذلك غيّرت رأيي. وينبغي على بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يخفض أسعار الفائدة، ويفضل أن يكون ذلك في اجتماع الأسبوع المقبل.

ولسنوات عدة، أشارت القوة المستمرة للاقتصاد الأمريكي إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لم يفعل ما يكفي لإبطاء التضخم. وسمح سخاء الحكومة في عصر الجائحة للناس والشركات بإنفاق الكثير من الأموال.

وقد أدت الاستثمارات الضخمة لإدارة بايدن في البنية التحتية، وأشباه الموصلات، والتحول الأخضر، إلى رفع الطلب. وكان تخفيف السياسات المالية، بخاصة مع ارتفاع الأسواق المالية، سبباً في زيادة ميل الأسر الأكثر ثراء إلى الاستهلاك.

وبدا أن احتواء التضخم الناتج عن ذلك سوف يتطلب تشديد السياسة النقدية بشكل مستدام من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي.

والآن، بدأت الجهود التي يبذلها بنك الاحتياطي الفيدرالي لتهدئة الاقتصاد تحقق تأثيراً واضحاً. ولا شك في أن الأسر الثرية لا تزال تستهلك، بفضل أسعار الأصول المزدهرة وإعادة تمويل الرهون العقارية بأسعار فائدة طويلة الأجل منخفضة تاريخياً. لكن البقية استنفدوا بشكل عام، ما تمكنوا من توفيره من التحويلات المالية الحكومية الضخمة، ويشعرون بتأثير أسعار الفائدة المرتفعة في بطاقاتهم الائتمانية، وقروض السيارات الخاصة بهم. وتعثر قطاع بناء المساكن، حيث أدت تكاليف الاقتراض المرتفعة إلى تقويض اقتصادات بناء مجمعات سكنية جديدة. ويبدو أن الزخم الذي ولّدته مبادرات بايدن الاستثمارية آخذ في التلاشي.

ويعني تباطؤ النمو بدوره عدداً أقل من الوظائف، إذ يظهر مسح التوظيف الأسري إضافة 195 ألف وظيفة فقط، خلال ال 12 شهراً الماضية.

والأمر الأكثر إثارة للقلق والانزعاج هو أن متوسط معدل البطالة لثلاثة أشهر ارتفع بنحو 0.43 نقطة مئوية، عن أدنى نقطة سجّلها في الأشهر الاثني عشر السابقة، وهو مستوى قريب جداً من عتبة 0.5 نقطة مئوية، والتي كانت تشير دائماً إلى الركود في الولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه، تراجعت الضغوط التضخمية بشكل ملحوظ بعد سلسلة من المفاجآت الصعودية، في وقت سابق من هذا العام، حيث ارتفع مؤشر أسعار المستهلك، بنسبة 2.6% في مايو/ أيار مقارنة بالعام السابق، وهو ما لا يزيد كثيراً عن هدف البنك المركزي البالغ 2%.

ومن المرجح أن تعزز قراءة يونيو/ حزيران، التي ستصدر الأسبوع المقبل، هذا الاتجاه، انطلاقاً من البيانات التي تم الإبلاغ عنها بالفعل، والتي تغذي حساب نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية. وعلى صعيد الأجور، ارتفع متوسط الأجر في الساعة بنسبة 3.9% في يونيو/ حزيران، مقارنة بالعام السابق، مقارنة بذروة بلغت نحو 6% في مارس/ آذار 2022.

لماذا إذن، يلمّح مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي، بقوة، إلى أنه لن يكون هناك خفض لأسعار الفائدة في اجتماع الأسبوع المقبل؟

أرى ثلاثة أسباب لذلك، أولها هو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يريد أن يُخدع مرة أخرى. ففي أواخر العام الماضي، تبين أن الاعتدال في التضخم كان مؤقتاً.

وهذه المرة، سيكون من الصعب تحقيق المزيد من التقدم في خفض التضخم على أساس سنوي، بسبب القراءات المنخفضة، في النصف الثاني من العام الماضي.

ثانياً، ربما ينتظر جيروم باول، من أجل حشد أوسع توافق ممكن في الآراء، وبما أن الأسواق تتوقع بالفعل خفضاً كاملاً في سبتمبر/ أيلول، فيمكنه أن يقنع معسكر الحمائم بأن التأخير لن يكون له عواقب تذكر، في حين يبني المزيد من الدعم بين الصقور لتخفيضات سبتمبر/ أيلول.

وثالثا، لا يبدو أن مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي منزعجون بشكل خاص، من خطر تجاوز معدل البطالة عتبة قاعدة سام (مؤشر الركود وفق قاعدة سام). والمنطق هنا هو أن قوة نمو العمال، وليس ارتفاع معدلات تسريح العمال، هو الذي يدفع الزيادة في معدل البطالة. وهذا ليس مقنعاً: فقد تنبأت قاعدة سام بدقة، بحدوث الركود في السبعينيات، عندما كانت القوى العاملة تنمو بسرعة أيضاً.

وعندما يصعب العثور على وظائف، تقلص الأسر إنفاقها، ويضعف الاقتصاد، وتقلص الشركات استثماراتها، ما يؤدي إلى تسريح العمال وتقليل الإنفاق. ولهذا السبب، كانت معدلات البطالة، التي تجاوزت عتبة 0.5 نقطة مئوية، ترتفع دائما بشكل أكبر كثيراً. ورغم أن الوقت قد فات بالفعل لدرء الركود من خلال خفض أسعار الفائدة، فإن التباطؤ الآن يزيد من المخاطر بلا داع.

* رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك من 2009 إلى 2018 (بلومبيرغ)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mry2ytmt

عن الكاتب

رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك من 2009 إلى 2018

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"