العودة الكبرى لكل فلسطين

05:04 صباحا
قراءة 4 دقائق
إلياس سحاب

تتلاطم الأحداث السياسية المتدافعة والمتسارعة في بحار السياسة العميقة في منطقتنا العربية، التي يصر المجتمع الدولي على أن يطلق عليها اسم منطقة الشرق الأوسط.
فهذه الرقعة الجغرافية التي تدور عليها أحداث الأزمة السورية المندفعة منذ العام 2011 وحتى يومنا هذا بوتيرة لم تعرف الهدوء يوماً، قد صعد فيها المؤشر السياسي إلى ذروتين متلاحقتين في مدى أيام معدودات:
1- حسم الموقع الاستراتيجي المهم الذي كان يهدد أمن عاصمة الدولة السورية دمشق من غوطتها الشرقية، لصالح الدولة السورية بتطور دراماتيكي متسارع، أدى إلى تسليم عشرات آلاف المسلحين الذين كانوا يحيطون العاصمة منذ سنوات بموقع لا يهدد فقط السلامة الأمنية لسكان العاصمة السورية، بل الدور الاستراتيجي لهذه العاصمة.
2- فور انتهاء هذا الحسم الاستراتيجي اندلعت حول سوريا أزمة ذات أبعاد دولية، على اثر اتهام الولايات المتحدة للنظام السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية في معركة الحسم هذه، وإشعال أزمة دولية بتوجيه ضربة عسكرية غربية إلى الدولة السورية، قادتها الولايات المتحدة، بمشاركة بريطانيا وفرنسا، وابتعاد دول عن هذه الأزمة مثل ألمانيا وكندا.
ومع أن العالم بأسره، بكل دوله وقواه حبس أنفاسه وهو يتابع مجريات وتداعيات الضربة الصاروخية التي استهدفت مناطق سورية بذريعة استخدام أسلحة كيماوية في منطقة الغوطة، فإن هذه الأزمة، على سخونتها، لم تستطع أن تحجب في العمق أهمية الحدث الآخر الذي يجري على أرض فلسطين المحتلة منذ الثلاثين من شهر آذار /‏مارس، بإعلان شعب فلسطين تحويل يوم الأرض لهذه السنة، إلى مناسبة لإطلاق «مسيرة العودة الكبرى» إلى أرض فلسطين التاريخية، من كل مواقع وجود وتجمع شتات هذا الشعب الفلسطيني، الذي تبلغ عمر قضيته في منتصف شهر أيار/‏ مايو من هذه السنة، السنة السبعين.
قد تبدو المقارنة بين هذين الحدثين في غير محلها، نظراً لعالمية الأزمة المحيطة بالقطر العربي السوري، وللمحدودية التي تبدو عليها أحداث «مسيرة العودة الكبرى» المنطلقة بشكلها الأنشط من قطاع غزة، لكن من يراقب اهتمام الأوساط «الإسرائيلية» الاستراتيجية ينتبه إلى أن دولة الاحتلال تحمل هموم الأزمتين، بدليل النشاط الاحتلالي العنيف الذي أثارته مسيرة العودة الكبرى، خاصة من حدود قطاع غزة، حيث تصر قوات الاحتلال «الإسرائيلية»، ومنذ اندلاع أحداث المسيرة في نهاية الشهر المنصرم بملاحقة المسيرات السلمية لآلاف الفلسطينيين المدنيين المنخرطين في مسيرة العودة الكبرى بصدور عارية ومن غير إشهار أي قطعة سلاح، بقواتها المدججة التي أوقعت حتى كتابة هذه السطور، ما يزيد على العشرين شهيداً فلسطينياً.
إن التدقيق بمسيرة العودة الكبرى كتحول طارئ على مسيرة الشعب الفلسطيني، لا يلبث أن يكتشف مسار تحول بالغ الجدية والعمق في تطور النضال الذي يعلن عن خوضه شعب فلسطين في الذكرى السبعين لطرده من أرض فلسطين التاريخية، وإنشاء دويلة «إسرائيل»، بقوة السلاح وعلى إبعاد وطرد ما أمكن من سكانها الأصليين منها.
إن النقطة الأساسية والجذرية في هذا التحول، تظهر أن شعب فلسطين قد أعلن تعبه التاريخي من التسكع على أرصفة المنظمات الدولية، لمجلس الأمن، والجمعية العامة، وسائر منظمات الأمم المتحدة القانونية والثقافية، والتي رغم أنها أخذت مجموعة من القرارات على مدى السنوات السبعين، الظالمة في ميزان الحقوق الفلسطينية الأساسية لشعب فلسطين في أرض وطنه (وأهمها قرار التقسيم الذي منح فيه من لا يملك أرض فلسطين إلى من لا يستحق)، فحتى هذه القرارات الظالمة بحق شعب فلسطين، لم ينفذ منها طوال هذه السنوات السبعين قرار واحد.
كذلك، يبدو أن شعب فلسطين قد تعب تاريخياً من إلقاء أعباء قضيته التاريخية على عاتق أمته العربية، وسائر أحرار العالم، الذين لم يحققوا طوال هذه السنوات سوى المزيد من التراجع وراء التراجع في الحقوق الأ ساسية لشعب فلسطين.
ومع تقدم القرن الجديد في سنوات عمره، يبدو أن الجريمة التي ارتكبت في العام 1948 على أرض فلسطين، ليست هي وحدها الجريمة المرشحة للطمس النهائي، والتصفية النهائية، لصالح دويلة «إسرائيل»، بل حتى الجريمة التي ارتكبت في العام 1967، هي الأخرى سائرة في طريق التصفية، بصفقة القرن التي أعلن عنها رئيس الولايات المتحدة الجديد، ومن علاماتها الأساسية الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، والإعداد لتصفية أوضاع منظمة الأمانة الدولية (اونروا)، بصفتها شاهداً أخيراً على وجود مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، المشردين منذ سبعين سنة طمساً للجريمة الأصلية.
مسيرة العودة الكبرى، هي الجواب الذي اهتدت إليه جماهير شعب فلسطين كرد على كل هذا التراجع الذي يكاد يطمس الجريمة الأصلية، والجرائم الفرعية، طمساً نهائياً، والى الأبد.
ويبدو أن شعب فلسطين قد قرر أن يأخذ بيديه مسؤولية تنفيذ خطة العودة الكبرى لكامل أرض فلسطين، دون أن ينتظر أي سند أو مساعدة. هذا هو التحول الكبير والأساسي الذي يتم في الذكرى السبعين لجريمة اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها العربي منذ سبعين عاماً، في الخامس عشر من أيار/‏مايو 1948، بعيداً حتى عن مسيرة السلطة الفلسطينية نفسها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"