السنغال والحرب الأمريكية على الإرهاب في إفريقيا

03:29 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أميرة محمد عبد الحليم
أثار التواجد العسكري الأمريكي في السنغال خلال الشهور الأخيرة الكثير من الجدل حول طبيعة التعاون العسكري بين الدولتين، ومآلات هذا التعاون حتى إن البعض ذهب للقول إن هذا التواجد يمهد لانتقال القيادة الأمريكية لإفريقيا (أفريكوم) إلى السنغال بعد أن رفضت دول إفريقية عديدة وجود هذه القيادة على أراضيها، كما ربط البعض الآخر بين وجود هذه القوات على أراضي السنغال وبداية جولة جديدة من التدخلات العسكرية الأمريكية في القارة.
صدق البرلمان السنغالي في 25 يونيو/حزيران الماضي على اتفاقية عسكرية تم إبرامها بين السنغال والولايات المتحدة في مايو/أيار الماضي، تعمل على تفعيل التعاون بين الجانبين في مجالات التدريب بوجود دائم لعسكريين أمريكيين والتسليح لمكافحة الإرهاب في غرب إفريقيا، كما تتعلق الاتفاقية بوضع القوات الأمريكية على الأراضي السنغالية وشروط استخدامها للمنشآت المحلية. ومنذ توقيع الاتفاقية، يتمركز نحو 40 من العاملين في وزارة الدفاع الأمريكية في السنغال، ويقوم هؤلاء بالتنسيق مع القيادة الأمريكية لإفريقيا (أفريكوم).
وفي إطار هذه الاتفاقية تبرز مجموعة من المعطيات التي توضح خلفيات التواجد العسكري الأمريكي في السنغال، وأهداف هذا التواجد، فمن ناحية، وعلى الرغم من تمتع السنغال الذي يشكل المسلمون 92% من سكانها باستقرار نسبي وسط منطقة مضطربة، فلم تشهد أي هجمات كبيرة كنظيرتها في غرب إفريقيا رغم اشتراكها في الحدود مع مالي، وكذلك موريتانيا حيث ينشط منذ سنوات تنظيم «القاعدة».
إلا أن موجة الإرهاب التي تشهدها دول الساحل الإفريقي خلال السنوات الأخيرة، وخاصة خلال عام 2015، حيث تعرضت العديد من دول الإقليم لهجمات إرهابية (مالي وبوركينافاسو وساحل العاج والنيجر) وكذلك تشاد، حملت تحذيرات للدولة السنغالية من إمكانية تحولها إلى الهدف التالي للجماعات الإرهابية، وخاصة في ظل علاقاتها القوية مع فرنسا، التي تشارك ب 3500 جندي مع جيوش إقليمية لمحاربة الإرهاب في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي، مما يثير حفيظة تنظيم القاعدة. مع تأكيد السلطات السنغالية انشغالها بما تمثله جماعة «بوكو حرام» من تهديدات ومحاولاتها تجاوز عملياتها الإرهابية للحدود النيجيرية والوصول إلى دول إفريقية أخرى، خاصة بعد أن اعتقل الأمن السنغالي 5 مشتبهين ووجهت لهم تهمة الارتباط بجماعة «بوكو حرام» وتشكيل خلية داخل البلاد. وكذلك مع ورود تقارير تفيد بوجود ما لا يقل عن 30 سنغالياً بين صفوف تنظيم «داعش» في ليبيا، وظهورهم على شبكات التواصل الاجتماعي وإعلانهم عداءهم لدولتهم وأن لهم مناصرين داخل السنغال.
ومع بداية عام 2016 كثفت الحكومة السنغالية عمليات المراقبة، وخاصة في المناطق السياحية والفنادق والاعتقال للمشتبه فيهم، كما نشرت أسماء السنغاليين المنخرطين في تنظيم «داعش»، لمواجهة أي تهديدات إرهابية محتملة في ظل سهولة اختراق الحدود وتدفق الأسلحة، وضعف المؤسسات، كما أنشأت الحكومة خلية قطاعية مشتركة لمحاربة الإرهاب، تشمل وزارة الداخلية والدفاع والصحة بالإضافة إلى رئاسة الجمهورية، كما حظرت الحكومة ارتداء النساء للنقاب كإجراء وقائي.
ومن ناحية ثانية، منذ بداية «الحرب على الإرهاب»، بالعمليات الأمريكية على أفغانستان وانخراط إقليم الشمال الإفريقي ومنطقة الساحل ضمن هذه الحرب منذ عام 2003، وتشكيل مبادرة مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي، أصبحت السنغال شريكاً ثابتاً في هذه الجهود.
ومن ناحية ثالثة لم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن محاربة الإرهاب في غرب إفريقيا، فعلى الرغم من اتجاه واشنطن لعدم الانخراط المباشر في مناطق مكافحة الإرهاب وإعلانها انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان والعراق، إلا أن موافقتها على قيام فرنسا بقيادة تحالف دولي لمواجهة الجماعات الإرهابية في مالي في أوائل عام 2013، قد تبعه مجموعة من الاستراتيجيات لحماية المصالح الأمريكية في القارة كان في مقدمتها إنشاء مهابط للطائرات في بوركينا فاسو والنيجر.
هذا إلى جانب سعي واشنطن لتتحول السنغال إلى قاعدة من القواعد العسكرية التي أطلق عليها البنتاجون مصطلح الدولة الوسادة «lily-pad» أو زنبق الماء، وهو نوع من القواعد العسكرية الصغيرة والتي تكون جاهزة للتدخل السريع ويتطلع الأمريكيون إلى وجود مرونة لا حدود لها في استخدام هذه القواعد. وإضافة إلى الأهداف العسكرية تحقق هذه القواعد أهدافاً سياسية واقتصادية، حيث تلعب جيبوتي على الجانب الآخر من القارة، دوراً مشابهاً وتساعد القاعدة العسكرية لديها في مكافحة تنظيم القاعدة في اليمن وحركة الشباب. لكن الدول الزنبق أو الوسادة تكون صغيرة، ولا تعاني تهديدات إرهابية داخلية حادة.
والسنغال الآن، منضمة للعمليات متعددة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة لمكافحة القرصنة والاتجار بالبشر. كما تضغط المخابرات الأمريكية على السنغال للتحكم في سياستها الخارجية، على سبيل المثال علاقتها بحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره الولايات المتحدة منظمة إرهابية، وكذلك الجاليات المهاجرة اللبنانية والفيتنامية والصينية والتي تقوم بدور بارز في التجارة، وكذلك الشركات الصينية التي تؤسس البنية التحتية للاتصالات في غرب إفريقيا. كل هذه الموضوعات هي هدف للمخابرات الأمريكية، كما تقدم المخابرات الأمريكية بعض الدعم للمخابرات السنغالية.
ومن ناحية رابعة، جاء توقيع الاتفاقية العسكرية بين السنغال والولايات المتحدة، عقب تفشي وباء إيبولا الأكثر فتكاً في التاريخ، والذي أدى إلى قتل 11300 شخص على الأقل معظمهم في سيراليون وليبيريا وغينيا منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2013، وقد سمحت السنغال للطائرات العسكرية الأمريكية بنقل القوات والعاملين الصحيين والمعدات إلى ليبيريا خلال الأزمة، حيث تعبر هذه الاتفاقية عن تعاون الدولتين لحماية المصالح المشتركة. وتنبع الاتفاقية رسمياً من تسهيل استخدام قاعدتين في السنغال كمركز لوجستي لاستجابة الجيش الأمريكي لتفشي الإيبولا في غرب إفريقيا في عام 2014، حيث استغلت الولايات المتحدة هذه الأزمة في الوصول إلى صيغة قانونية ورسمية للتواجد العسكري داخل السنغال، ولم تجد الأخيرة مفراً من قبول هذا العرض في ظل التهديدات المتنوعة التي تحيط بها. فالغرض من الاتفاقية أن تكون السنغال مقراً للقواعد العسكرية والاستخباراتية الأمريكية دون تهديد هذه القواعد.
ومن ناحية خامسة، استغلت الولايات المتحدة بعض الظروف السياسية الداخلية في السنغال للتأكيد على ضروريات التعاون العسكري بين الجانبين، فلأكثر من ثلاثة عقود، تواجه الحكومة السنغالية مجموعة انفصالية مسلحة، هي حركة القوى الديمقراطية لكازامانس أو (MFDC)، التي تقاتل من أجل تحقيق الحكم ذاتي في منطقة جنوب غرب السنغال. وقد أعلنت حركة القوى الديمقراطية وقف إطلاق النار قبل عامين، ولكن المخابرات الأمريكية تراقب قيادة الحركة.
ووفقاً للوثائق التي استعرضتها مؤخراً استخبارات مشاة البحرية الأمريكية، بصورة سرية وحددت خلالها قوة حركة القوى الديمقراطية، حيث يتراوح عدد مقاتليها بين 3500 و5000 مقاتل. ولكن الأكثر أهمية للولايات المتحدة هو حقيقة أن الاستخبارات الأمريكية خلصت إلى أن إيران مستمرة في توفير الأسلحة والدعم لحركة القوى الديمقراطية.
وأخيراً، يمكن القول إن التواجد العسكري الأمريكي في السنغال تحدده الولايات المتحدة وليس السنغال التي تعيش في أجواء التهديدات الإرهابية، وتتطلع إلى استمرار الاستقرار الداخلي لمواطنيها الذين يعيش ما يقرب من نصفهم تحت مستوى الفقر.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"