أنباء طيبة عن مكافحة الفقر في أوقات عصيبة

05:31 صباحا
قراءة 4 دقائق

بات من المهم في وقت أصبحت فيه العناوين الرئيسية لا تتحدث إلا عن الأزمة المالية وأعمال العنف، أن نعترف بإبداع العديد من الحكومات في مكافحة الفقر والمرض والجوع. والغاية هنا لا تتلخص في رغبتنا في الشعور ببعض التحسن والرضا عن النفس فحسب، بل إن الأمر يتعلق بمواجهة واحد من أعظم المخاطر التي تتهدد العالم: ألا وهو التشاؤم الشائع بين الناس والذي يدفعهم إلى تصور مفاده أن مشكلات اليوم ضخمة إلى حد يستعصي على الحل. إن دراسة النجاحات تتيح لنا ما يلزمنا من الدراية والثقة لتكثيف جهودنا المشتركة في التصدي للتحديات العظمى التي تواجه العالم اليوم.

يتعين علينا أولاً أن نرفع قبعاتنا تقديراً للمكسيك لريادتها لفكرة التحويلات النقدية المشروطة للأسر الفقيرة. وهذه التحويلات تمكن هذه الأسر وتشجعها على الاستثمار في صحة أبنائها وتغذيتهم وتعليمهم. والآن أصبح برنامج الفرص المكسيكي الذي يتولى قيادته الرئيس فيليبي كالديرون مثالاً يحتذى على نطاق واسع في مختلف أنحاء أمريكا اللاتينية. أخيراً، وبناءً على طلب من المغنيين شاكيرا وأليخاندرو سانز، والحركة الاجتماعية التي يمثلانها ويتوليان قيادتها، أعلن جميع زعماء أمريكا اللاتينية التزامهم بتكثيف البرامج التي تتبناها المنطقة لتنمية الطفولة المبكرة، وذلك استناداً إلى النجاحات التي حققتها تلك البرامج حتى الآن.

وتحرص النرويج أيضاً، تحت زعامة رئيس الوزراء ينس شتولتنبرج، على صيانة تقاليدها في الإبداع الاجتماعي والزعامة البيئية. وعملت الحكومة النرويجية على تشكيل تحالف عالمي لمنع وفيات الأمهات أثناء الوضع، والاستثمار في كل من الولادة الآمنة والحفاظ على حياة المواليد الجدد. وفي الوقت نفسه، أطلقت النرويج بالتعاون مع البرازيل برنامجاً إبداعياً لحض المجتمعات الفقيرة في الأمازون على إنهاء عمليات إزالة الغابات المتفشية في المنطقة. ولا تسلم النرويج الأموال إلى البرازيل إلا بعد إثبات نجاحها في تجنب إزالة الغابات (استناداً إلى خط أساسي متفق عليه).

كما قَدمَت إسبانيا تحت زعامة رئيس الوزراء خوسيه لويس رودريغيس ثاباتيرو حافزاً رئيسياً في مساعدة أفقر بلدان العالم على تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. وأنشأت إسبانيا صندوقاً جديداً للأهداف الإنمائية للألفية تحت رعاية الأمم المتحدة لتعزيز التعاون اللازم في إطار الأمم المتحدة للتصدي لمختلف التحديات التي تعترض سبيل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. وأشارت الحكومة الإسبانية عن حق إلى أن الحلول الحقيقية للفقر تتطلب استثمارات متزامنة في الصحة والتعليم والزراعة والبنية الأساسية، ثم خصص الأسبان الأرصدة اللازمة للمساعدة على تحويل هذه الرؤية المتكاملة إلى واقع عملي. ومن المقرر أن تستضيف إسبانيا اجتماعاً في يناير/كانون الثاني لشن حملة كفاح جديدة ضد الجوع في العالم. ومرة أخرى، تقترح إسبانيا سبلاً عملية ومبتكرة للانتقال من الكلام إلى العمل، وعلى وجه التحديد لمساعدة المزارعين الفقراء في الحصول على الأدوات والبذور والأسمدة التي يحتاجون إليها من أجل زيادة إنتاجية زراعاتهم ودخولهم وأمنهم الغذائي.

وعلى نحو مماثل تقدم رئيس الوزراء الأسترالي كيفين رود إلى صدارة الجهود الرامية إلى حل المشكلات العالمية، فطرح خطة عمل جريئة لعلاج مشكلة تغير المناخ واقترح سبلاً جديدة وعملية لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. وتخصص أستراليا أرصدة مالية ضخمة لزيادة إنتاج الغذاء، بما يتفق مع الخطوط التي اقترحتها إسبانيا. كما تتولى أستراليا قيادة برنامج عمل متنامٍ لمساعدة اقتصاد الجزر الفقيرة والمهددة في منطقة الباسيفيكي.

تسير هذه الجهود جنباً إلى جنب مع خطط العمل في البلدان الفقيرة. نجحت ملاوي، الدولة الفقيرة غير الساحلية، تحت زعامة الرئيس بينجو وا موثاريكا، في مضاعفة إنتاجها السنوي من الغذاء منذ العام ،2005 بفضل الجهود الرائدة في مساعدة أفقر مزارعيها. وكان البرنامج ناجحاً إلى الحد الذي شجع العديد من بلدان أفريقيا على محاكاته.

وشكلت حكومة دولة مالي أخيراً تحت زعامة الرئيس أمادو توماني توريه تحدياً جريئاً للمجتمع الدولي. إذ إن مالي تتطلع بلهفة إلى تكثيف الاستثمارات في الزراعة والصحة والتعليم والبنية الأساسية في تجمعاتها السكانية الفقيرة المائة والستة والستين. والخطط التي وضعتها حكومة مالي تفصيلية ومدروسة وجديرة بالثقة، وتستند إلى النجاحات الثابتة التي حققتها الحكومة بالفعل. ووعدت بلدان العالم الغني بمساعدة مالي، والآن أصبحت مالي تتقدم الطريق بفضل إبداعها.

هناك عدد كبير من الحالات الأخرى التي نستطيع أن نذكرها هنا. إذ أطلق الاتحاد الأوروبي برنامجاً تبلغ قيمته مليار يورو لمساعدة المزارعين. كما نجحت مؤسسة غيتس واليونيسيف ومنظمة الروتاري الدولية والعديد من الحكومات في تقليص عدد الوفيات الناجمة عن مرض شلل الأطفال إلى واحد من الألف من مستوياتها التي كانت عليها منذ جيل واحد، فأصبح هذا المرض على وشك الزوال من العالم. وتدور الآن جهود مشابهة على العديد من الجبهات الأخرى السيطرة على الإصابة بعدوى الديدان والجذام.

إن مشاريع البيان العملي صغيرة النطاق هذه تبين لنا كيف يمكن تحقيق النجاح؛ والتحدي إذن يتمثل في توسيع نطاق هذه الحلول حتى تشمل المستويات الوطنية أو حتى البرامج الدولية في مختلف أنحاء العالم. ولا شك أن الأمر يحتاج إلى الزعامة المخلصة، سواء على مستوى البلدان المحتاجة أو الدول الغنية القادرة على المساعدة على إطلاق وتمويل الحلول. وأخيراً، يتعين علينا أن ندرك أن مبالغ متواضعة من المال قادرة على إحداث فارق تاريخي جذري إذا ما تم توجيهها نحو الحلول العملية للمشكلات العالمية.

الحقيقة أن الأنباء السيئة قادرة على مزاحمة الأنباء الطيبة، خصوصاً في أوقات الأزمات المالية الخطيرة والاضطرابات السياسية. بيد أن الأنباء الطيبة تبين لنا أننا لن نخسر المعركة ضد الفقر والبؤس إلا إذا استسلمنا وتقاعسنا عن رعاية الأفكار الذكية والنوايا الحسنة التي يمكن تعبئتها والاستفادة منها اليوم. وفي العام المقبل، ربما تنضم الولايات المتحدة من جديد إلى الجهود العالمية بقوة متجددة ملموسة، تحت زعامة الرئيس الشاب الذي قال للشعب الأمريكي عن حق: وأجل، نستطيع أن نفعل ذلك.

* أستاذ علوم الاقتصاد ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا، والمقال ينشر بالتعاون بروجيكت سنديكيت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"