الخاسرون في موجة ارتفاع أسعار الغذاء العالمية ... محمد الصياد

01:33 صباحا
قراءة 4 دقائق

تبرر الولايات المتحدة الأمريكية اندفاعها نحو الاستخدام الواسع للايثانول في إنتاج بعض أنواع الطاقة في وسائل النقل، بالأسعار المرتفعة للغاية للنفط، ومع ان هذا الدفع صحيح الى حد ما، إلا انه يتغافل عن دور الدعم الضخم الذي تخصصه الحكومة للمزارعين والذي لو تم تقليصه، كما تطالب بذلك الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، لكان أسهم في الحد من الطلب المحفز للأسعار .

كما يتم التغاضي عن عدم جدية الإدارة الاقتصادية والسياسية الامريكية في الدفاع عن سعر صرف العملة الوطنية (الدولار) بتركها نهباً للمضاربات المؤسسة على تعمق شرخ مواطن الضعف في الاقتصاد الامريكي، حيث أسهم انهيار العملة الامريكية بقسطه في موجة ارتفاع الأسعار العالمية الحالية .

على أي حال، ان المسألة لا تتعلق فقط بجانب الطلب (ارتفاع الطلب) على الغذاء وإنما تتعلق ايضا بجانب العرض، فالمساحات التي يمكن التوسع في زراعتها موجودة في مناطق نائية في البرازيل وروسيا وكازاخستان والكونجو والسودان وفقا للمعهد الدولي لأبحاث السياسات الغذائية، وهي تحتاج الى استثمارات ضخمة تشتمل على إنشاء الطرقات، ومرافق البنية الأساسية الأخرى، وهو أمر يستغرق عقودا، وهناك التغيرات المناخية التي يمكن -بحسب بعض القياسات المستقبلية- ان تقلص المحصول الزراعي العالمي بمقدار السدس بحلول العام 2010 . لهذا كله يتنبأ المعهد الدولي لأبحاث السياسات الغذائية بأن أسعار الحبوب او المنتجات الغذائية الأخرى سوف ترتفع بما يتراوح بين 10 - 20% بحلول العام ،2015 إلا أن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) تتوقع نسباً أعلى لارتفاع الغذاء، أي أن عنصر الغذاء الرخيص الذي ظل ساريا طوال ثلاثين عاما منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، قد ذهب الى غير رجعة، وان على الدول النامية الفقيرة منها خصوصا، توقع الأسوأ فيما يتعلق بتحدي الإفقار والمجاعة .

أما هذا الوضع وجدت بعض الدول نفسه مدفوعة لاتخاذ إجراءات معينة للحد من آثار ارتفاع الأسعار، فقامت كل من الأرجنتين والمغرب ومصر والمكسيك والصين بفرض رقابة مشددة على الأسعار وبوضع ضوابط يمكن أن توفر حماية لمواطنيها من هذا الارتفاع . وهناك مجموعة من الدول الأخرى من بينها الصين وفيتنامم وصربيا وأوكرانيا، قامت بفرض ضرائب على الصادرات أو الحد من التصدير بهدف زيادة المعروض السلعي الغذائي في اسواقها المحلية وتخفيف الضغط الواقع على معروضه . بل ان الارجنتين وروسيا اخذتا بالإجراءين معاً، الرقابة والتحكم في الأسعار الى جانب فرض ضرائب على التصدير وتحديده .

والغريب انه على الرغم من ان حوالي نصف سكان العالم أي ثلاثة مليارات نسمة يعيشون في المناطق الريفية عبر العالم، بحسب البنك الدولي، منهم 2،5 مليار نسمة يشتغلون في الزراعة، فإن المستفيد من موجة ارتفاع أسعار الغذاء ليس هؤلاء الفقراء، الذين يعيشون في ظروف تضعهم ضمن أفقر فقراء العالم، وقليلة هي الدول النامية التي تضم تلك الشريحة من المزارعين الفقراء، التي تجني من وراء ارتفاع اسعار المنتجات الغذائية، وباستثناء الهند وجنوب افريقيا كدولتين مصدرتين للغذاء بارزتين وعدد محدود من الدول النامية في آسيا وأمريكا اللاتينية، بحسب بيانات البنك الدولي، فإن المستفيد الأبرز من هذا الارتفاع هي الولايات المتحدة التي تعتبر أكبر مصدر للغذاء في العالم، إذا جنت في العام 2007 حوالي 87 مليار دولار من صادراتها الزراعية، وهو ما يزيد 50% عن متوسط ايراداتها في السنوات العشر الأخيرة، وسويسرا والدول الغربية الرئيسية المصدرة للمنتجات الغذائية .

حتى الدول النامية في افريقيا، مثل ملاوي وزيمبابوي اللتين كانتا من الدول المصدرة للمنتجات الغذائية، لم تعد تستفيد من قطاعها الزراعي بعد تراجع صادراتها الزراعية، بل ان عددا من الدول النامية الفقيرة مثل بنجلاديش ونيبال في آسيا والنيجير في افريقيا تعاني كغيرها من دول نامية أخرى مثل السعودية والمكسيك من ارتفاع أسعار الغذاء، باستثناء أن الأخيرتين تستطيعان تحمل عبء هذا الارتفاع .

ويقول جاري بيكر من جامعة شيكاجو والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد اذا ارتفعت أسعار الغذاء بمقدار الثلث، فإن من شأنها ان تخفض مستوى المعيشة في الدول الغنية بنسبة 3% في حين يصل تدهورها في الدول الفقيرة الى نسبة 20% .

وإذا كان ارتفاع أسعار الغذاء اطلق التضخم عبر العالم، فإن مستويات الإصابة بعدواه اختلفت من دولة الى أخرى، وبما أن الطعام لا يشكل سوى عُشر مؤشر أسعار المستهلك في كل من أوروبا والولايات المتحدة مقابل حوالي نصف المؤشر في الدول الفقيرة، فإن من الطبيعي ان يكون مستوى ارتفاع التضخم في الدول الفقيرة أعلى منه في الدول الغنية .

وارتفع التضخم المرتبط بارتفاع أسعار الغذاء بأكثر من 10% في دول الاسواق الناشئة في السنوات القليلة الماضية (ارتفعت اسعار اللحوم والبيض في الصين على سبيل المثال بأكثر من 50%)، وهذا ما يفسر ايضا الفارق في السياسة النقدية المتبعة في الجانبين لمواجهة التضخم بواسطة اسعار الفائدة، وهو ما سيلقي بمزيد من الظلال على ميزان القوى الاقتصادية في العالم بمزيد من الانحسار في الغرب لمصلحة البلدان الصاعدة مثل الصين والهند التي تستقطب رؤوس الأموال الفارة من جحيم أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة وأوروبا .

كاتب وباحث اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"