الرهان الخطر على تحطيم ترامب

04:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاصم عبد الخالق

في ما يتعلق بترامب، تظهر الاستطلاعات انقسام الرأي العام إلى نصفين متساويين تقريباً بشأن المحاكمة التي يؤيدها 49%. وتصب هذه الحقيقة أيضاً في مصلحته.
ما لم ينجح الديمقراطيون الأمريكيون في العثور على أدلة قوية ودامغة تثبت انتهاك الرئيس دونالد ترامب للقانون، فإن محاولتهم لعزله مصيرها الفشل. يعرف الديمقراطيون مقدماً أن جهودهم ستتحطم على صخرة الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، والتي سترفض إدانة الرئيس. ويعرفون كذلك أن الأدلة ضده لن تكون كافية وحدها، بل لا بد من إقناع الرأي العام بخطورتها وصدقها كي ينقلب على ترامب. وفي هذه الحالة لن يكون بمقدور الجمهوريين في مجلس الشيوخ تحدي الناخبين، ومواصلة دعم الرئيس على حساب مستقبلهم السياسي هم أنفسهم.
رهان الديمقراطيين بهذه الصورة يبدو معقولاً، غير أنه يظل محفوفاً بالمخاطر، لأنهم حتى لو نجحوا في تلويث سمعة ترامب وزعزعة الثقة في نزاهته، ثم فشلوا في عزله، فسيعد هذا في حد ذاته انتصاراً له. وسيكون هذا الفشل، وهو الثاني لهم بعد خسارتهم معركة إثبات تواطؤ روسيا مع حملته الانتخابية في 2016، جواز المرور لإعادة انتخابه العام المقبل.
حتى الآن ما زالت المعركة في بدايتها. ومن المبكر التنبؤ بمسار الأحداث. غير أن التاريخ يوفر وسيلة مفيدة لاستقراء المستقبل، ومعرفة كيف تحسم مثل هذه المعركة على ضوء السوابق. خلال نصف القرن الأخير شهدت الولايات المتحدة قضيتين مشابهتين؛ الأولى انتهت 1974 باستقالة الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون، والثانية بدأت عام 1998 وكان بطلها الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون ونجا من الإدانة والعزل.
في الحالتين كانت هناك ثلاثة مؤشرات أساسية حسمت النتيجة، وهي نفسها الأدوات التي يمكن استخدامها هذه المرة أيضاً لمعرفة إلى أين يتجه مصير ترامب. المؤشر الأول، وفقاً لما جاء في تقرير أعده معهد بروكنجز الأمريكي، هو مستوى شعبية الرئيس خلال التحقيقات ثم المحاكمة. الثاني هو رأي الناخبين في ما إذا كانت الاتهامات تستدعي المحاكمة أم لا. الثالث يتعلق بمدى توافق الحزبين على إدانة الرئيس.
في حالة نيكسون انقلب الرأي العام عليه بشدة بعد توالي كشف تفاصيل فضيحة «ووترجيت»، وهبطت شعبيته من 50% أواخر ربيع 1973 إلى 24% في بداية 1974، لذا لم يستطع الجمهوريون تحدي الناخبين بمساندته. خلافاً لذلك تفجرت فضيحة علاقة كلينتون بمتدربة في البيت الأبيض في ذروة شعبيته التي بلغت 60% عام 1998. ثم ارتفعت بنهاية العام وخلال سير القضية إلى 73%، ولذا كان من الصعب إدانته في مجلس الشيوخ.
في حالة ترامب ما زالت شعبيته بعد تفجر قضية مكالمته الهاتفية مع نظيره الأوكراني في حدود نسبة 45%، وهو تقريباً المعدل الذي حافظ عليه خلال عامي رئاسته. أي أن الرأي العام لم يتأثر بالاتهامات الموجهة إليه، وبذلك يبقى موقفه قوياً، وكذلك موقف الجمهوريين، فليس لديهم ما يدعوهم إلى التخلي عنه.
المؤشر الثاني وهو الدعم الجماهيري للمحاكمة في حد ذاتها. في حالة نيكسون ظل مستوى التأييد لها ثابتاً، ثم تضاعف مع كشف الحقائق. أما كلينتون، فقد بقي التأييد العام لعزله متدنياً طوال مراحل القضية، ولم يتجاوز 34% مقابل 63% رفضوا المحاكمة. بل إن نسبة معارضيها ارتفعت إلى 68% بعد إحالة القضية إلى مجلس الشيوخ.
في ما يتعلق بترامب تظهر الاستطلاعات انقسام الرأي العام لنصفين متساويين تقريباً بشأن المحاكمة التي يؤيدها 49%. وتصب هذه الحقيقة أيضاً في مصلحة الرئيس، فلا يوجد ضغط شعبي حقيقي لمحاكمته.
المؤشر الثالث هو التوافق بين الحزبين في الكونجرس حول المحاكمة. هنا أيضاً كفة ترامب هي الأرجح على ضوء إجماع الجمهوريين على مساندته، بينما انقسموا في حالة نيكسون. أما كلينتون، فقد أيده كل النواب الديمقراطيين باستثناء خمسة فقط. ثم انقسم الشيوخ، وكان هذا لمصلحته.
خلاصة هذا كله أن ما يمكن وصفه «باختبار» المؤشرات الثلاثة ينتهي بنتيجة لمصلحة ترامب. ولكن يبقى مصيره مرهوناً بحجم وخطورة المعلومات التي سينجح الديمقراطيون في التوصل إليها والكشف عنها. ويبدو أن الأسابيع المقبلة ستكون حبلى بالفضائح.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"