شطط «حماس» في غزة

03:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
عبد الإله بلقزيز

لفترة مديدة من عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، نجحت حركة «حماس» في استثمار مظلوميتها في غزة لكسب التعاطف الشعبي معها. وقد نجحت في أن تروج لروايتها عن القسوة الأمنية التي وُوجه بها أطرها، بمقدار نجاحها في تقديم أسوأ صورة عن جهاز الأمن الوقائي، وسيتبيّن لاحقاً أن الرواية هذه تغيّت هدفاً معلوماً: تهيئة الأجواء السياسية والنفسية الغزاوية لاستقبال حدث انقلابها المسلح على السلطة في القطاع (يونيو 2007) بوصفه أي الانقلاب «تصحيحاً» للأوضاع في غزة، و«تحريراً» للقطاع من القبضة الأمنية، وتمكين العمل الوطني وقواه كافة من مساحة من التحرك، وحرية العمل في المناطق الفلسطينية. وما من شك في أن حيلة الرواية انطلت على كثيرين لم يكن منهم المواطنون الغزاويون فقط؛ بل كان في جملتهم أطر من مناضلي «فتح» نفسها.
تلك صفحة من تاريخ الخلافات الفلسطينية طويت، ولكنها طويت لتفتح صفحات من الانقسام أشد قتامة: انقسام جغرافي، وفصائلي، وشعبي؛ بل انقسام في كيان السلطة ذاتها.
وفي ظل الانقسام ذاك انصرفت «حماس» إلى إقامة إمارتها، غير آبهة بأي اعتراض أو احتجاج. أما «شركاؤها» في العمل الوطني، وفي المقاومة، ممن كان يخامرهم بعض «التأميل» في العمل المشترك على الساحة الغزاوية، فقد جُوبهوا بالإقصاء والتهميش، وأصبح عملهم عرضة للرقابة الأمنية، وانتزع منهم بالإكراه قرار المقاومة، فباتوا يسمعون من قيادة «حماس» نظير ما سمعوه من قيادة محمود عباس: لا سلاح إلا السلاح الشرعي! وما كان يشفع لبعضهم (الجهاد الإسلامي مثلاً)، أنه يقاسم «حماس» «المرجعية الإسلامية»؛ إذ ليس من مفعول للمشترك الديني أمام إغراء المصالح ومنافع السلطة.
وكم من مقاتلي «سرايا القدس»، و«كتائب الشهيد أبو علي مصطفى»، وغيرهم، الذين نكل بهم؛ لأنهم اجترؤوا على فتح النار على مناطق قوات الاحتلال، في «غلاف غزة» من دون ترخيص أو إذن من سلطة «حماس» التي احتكرت وحدها من دون شريك قرار المواجهة والتهدئة!
ولا مرية في أن «حماس» تطلعت حين انقضاضها على السلطة في غزة بقوة السلاح إلى عزل «فتح» والضغط عليها من طريق تأليف حلف للفصائل ضدها. غير أن سياساتها الأمنية الخرقاء، ومنزعها إلى احتكار السياسة والسلطة، والتضييق على فصائل العمل الوطني، أفضت من حيث لم ترغب هي أو تتوقع إلى حمل الفصائل الفلسطينية كافة، على إعلان رفض الانقسام وعدم الاعتراف به، وبالتالي إلى الضغط مطالبة بالحوار الوطني والمصالحة الوطنية.
ولم يكن هذا الانعطاف في الموقف الوطني الفلسطيني هيناً على «حماس»؛ إذ كان مصبه الأخير أن تنهي احتكارها للسلطة في غزة، وأن تجبر سياساتها على أن تنتظم تحت سقف القرار الوطني، ولكن الأهم من ذلك أنها أدركت أن أحداً غيرها، في المجتمع الوطني الفلسطيني، لا يسلم لها بشرعية الانقلاب في غزة، وما ترتب عليه من نتائج ومنافع، وأنها مدفوعة بالتبعة إما إلى الرضوخ لضغوط الداخل الفلسطيني والنزول عند مقتضيات الوفاق الوطني، أو إلى الإشاحة بالوجه عن المطالبات المشروعة بإنهاء الانقسام، وبالتالي الذهاب في دهاليزه وسراديبه حتى النهاية. ومع أن خيار الرد السلبي على دعوات المصالحة الوطنية، سقط بسقوط رعاته الإقليميين في امتحان «الربيع العربي» (نظام محمد مرسي، والراعيان الأردوغاني والقطري)، وانسدت بسقوطه آفاق الاستمرار في الحيازة الحصرية لغزة، فإن «حماس» لم تتعظ بالدرس جيداً، ولا جنحت لخيار الوحدة الوطنية حتى يوم الناس هذا؛ بل ما برحت تمانع ضد فقدان إمارتها المنتزعة بالسلاح.
اليوم تخطو سلطة «حماس» في غزة، خطوة إلى أبعد مما أقدمت عليه في الماضي القريب، من انتهاكات صارخة للحريات وحقوق الإنسان تجاه المعارضات الفصائلية الفلسطينية.
وإذا كان يسع البعض، أمس، أن يفهم من غير أن يتفهم بالضرورة لماذا تشطط «حماس» ضد مناضلي «فتح»، وسواها من الفصائل، فيلتمس لها بعض العذر مما فُعل بها وبغيرها، في رام الله ومجموع الضفة، من قبل سلطة أبو مازن، فليس لأحد اليوم أن يفهم أو يتفهم وأن يلتمس عذراً ل«حماس» وهو يرى كيف يقع التنكيل بمجموع الغزاويين بقرارات نكراء تنتهك حقوقهم وتضغط على أوضاعهم المزرية.
إن فرض الضرائب المرهقة على الناس، وتكميم الأفواه، وتحدي كل رأي معارض، ورفض الحوار مع أحد، مسلك موتور لن يؤدي إلى مزيد من الاحتقان
ماذا تريد «حماس» من هذا الشطط في استخدام سلطة الأمر والقسر.. «حمسنة» غزة؟ دون ذلك خرط القتاد، ولا مصير لمثل هذا المسلك إلا إلى الاصطدام بإباء الشعب، وكرامة الشعب، ونخوة الوطنية في المعارضة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"