مشاركة روسيا في المسألة السورية

03:29 صباحا
قراءة 4 دقائق

لم يجد نظام بشار الأسد حليفاً أفضل من روسيا وهو يحاول النجاة من أزمة الحكم الدموية طيلة السنتين الماضيتين، وإلى مواقف الدعم كافة التي تقدمها موسكو تعود أسباب قدرة هذا النظام على الصمود والبقاء إلى اليوم . لقد عطلت روسيا محاولات مجلس الأمن المتكررة من أجل شجب استخدام نظام الأسد الأدوات الأمنية المفرطة لسحق الثورة الشعبية ضده، وأخرجت في الوقت ذاته الأزمة السورية من إطار الانتفاضات الشعبية التي شهدتها أربع دول عربية أخرى، ونجحت، بذلك في تأجيل وصول الأزمة السورية إلى النهاية التي يمكن أن تخرج الدولة والشعب من دوامة القتل والتشريد والتدمير .

بالإمكان إضافة أوجه أخرى من الدعم الذي تتلقاه دمشق من موسكو، تشمل إصرار الحليف الروسي على التشكيك في طبيعة القوى الثورية في سوريا من حيث المنطلقات التي تحملها والأهداف التي ترمي إليها، والمسارعة إلى إطلاق التصريحات المدافعة عن مشروعية لجوء نظام الأسد إلى استخدام القوة ضد شعبه، وغض الطرف عن ضخامة أعداد الضحايا السوريين الذين يقعون بشكل يومي نتيجة للعنف المحتدم . لا تجد دمشق في معظم الحالات نفسها مضطرة من أجل الدفاع عن الاتهامات التي تلحق بها بخصوص الأزمة الدموية التي تفتك بسوريا، إذ إن موسكو غالباً ما تسارع إلى اتخاذ مواقف قاطعة تتعاطف مع نظام الأسد .

يبدو أن هدف الثورة المتمثل في إسقاط نظام الأسد هو استهداف لمصلحة روسية عليا لن تسمح به موسكو، وأن تمكين الجهود الدولية من إنقاذ الشعب السوري من آلة الحرب القاتلة لا يعد هدفاً ذا أولوية لدى موسكو، هكذا تبدو الأمور على الأقل من خلال سلوك روسيا الداعم والمدافع عن نظام الأسد . يمتلك نظام الأسد عوامل ذاتية من القوة وأيضاً الاستعداد لاستخدامها من أجل زيادة احتمالات بقائه في الحكم، ولا شك في أن الدعم الروسي يتسبب في إطالة أمد الأزمة السورية وزيادة مستويات العنف فيها .

لا يمتلك المجتمع الدولي الاستعداد الكافي من أجل التدخل بالشكل الفاعل الذي تتطلبه معالجة الأزمة السورية، ولا شك في أن مواقف الدعم التي تقدمها موسكو إلى نظام الأسد تسهم بدورها في تفكيك قدرة المجتمع الدولي على القيام بالأدوار المنوطة به من أجل وضع حد للمعضلة السياسية والمأساة الإنسانية اللتين يرزح تحتهما القطر السوري . ففي الوقت الذي يمكن للمرء أن يعتقد أن مسألة استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية يعد خرقاً للتحذير الذي كان الرئيس أوباما أطلقه من القيام بذلك، وأن هذه المسألة قد تكون سبباً من أجل تنفيذ واشنطن تهديدها بعدما تخطت دمشق الخط الأحمر، فإن روسيا بدورها تحذر من مغبة اتخاذ الدول الغربية تهمة استخدام الأسلحة الكيماوية من أجل القيام بعمل عسكري ضد سوريا . أبعد من ذلك، فإن موسكو تحذر أيضاً من استخدام الولايات المتحدة الدول الواقعة في الجوار السوري من أجل شن الهجوم العسكري على سوريا .

لا يزال الأمل في الوصول إلى نهاية من نوع ما للأزمة السورية موجوداً، ولا يمكن دفع الإحباط المطبق تجاه هذه الأزمة سوى من خلال البناء على معطيات محددة من شأنها أن تصنع الأساس الذي تحتاجه جهود المعالجة الناجحة . تتعلق أولى هذه المعطيات بتراكم أوزار الأزمة المأساوية في سوريا على الدول التي تقف في طريق إنهائها، إلى الدرجة التي تتضاءل معها قدرة روسيا على تحمل التبعات السياسية والأخلاقية لجرائم القوات النظامية في سوريا . قد تتسلح موسكو بالعديد من الأسباب التي تستخدمها لتبرير تعاطفها غير المشروط مع نظام الأسد، بيد أن مرور أكثر من عامين منذ نشوب الأزمة السورية ينبغي أن تكون كفيلة بدفع صناع القرار في موسكو إلى مراجعة مسار الانحدار الذي لا يصمد أمام أي تقييم عقلاني لمصالح روسيا في المنطقة .

و يتعلق ثاني هذه المعطيات بالحاجة الملحة التي تشعر بها إدارة أوباما من أجل الحرص على مصداقية التهديد الذي أطلقته ضد نظام الأسد في حالة ثبت لجوؤه إلى استخدام الأسلحة الكيماوية في القتال في سوريا . لقد وضعت واشنطن مصداقيتها الدولية على المحك حين أطلقت ذلك التهديد، ويتعين عليها الآن أن تنفذ وعيدها بعد أن صدرت التصريحات من أكثر من دولة تؤكد أن نظام الأسد قد استخدم الأسلحة الكيماوية بالفعل . لقد كان جديراً بواشنطن أن تضع الخط الأحمر بشكل مبكر وأن تجعله تحت مسألة استخدام نظام الأسد الطائرات الحربية ضد شعبه، ولكن باعتبار أن هذا لم يحدث فإن الخط الأحمر الذي وضعته تحت استخدام الأسلحة الكيماوية ينبغي أن يؤدي الغرض المطلوب، ويتمثل تحديداً في دفع الولايات المتحدة ومعها القوى الدولية الأخرى إلى اتخاذ الموقف الحازم المصمم على حسم الأزمة السورية .

و يتعلق ثالث هذه المعطيات بزيادة احتمالات امتداد الحرب في سوريا إلى دول الجوار الأخرى . لقد كان التخوف من أن يتسبب التدخل العسكري الدولي في سوريا في أن تنشب حرب إقليمية في المنطقة واحداً من أهم المعوقات التي وقفت في وجه تنفيذ هذا الخيار، بيد أن الضغط الشديد الذي يرمي بثقله على نظام الأسد في هذه المرحلة بسبب طول أمد القتال وتزايد خسائره الميدانية قد تدفع به إلى تعمد توسيع نطاق الحرب من خلال توريط دول أخرى فيها، تشمل لبنان والأردن، وربما تركيا وإسرائيل أيضاً . والحال كذلك، فإن المجتمع الدولي قد يجد نفسه مضطراً للتدخل بشكل أكثر فاعلية من أجل فرض تسوية مدروسة للأزمة السورية، قد تستند إلى مبادرة سياسية أو تعتمد الخيار العسكري المحسوب، من أجل ممارسة المزيد من التحكم في مسار الأحداث في المنطقة وعدم السماح لها بالتدهور إلى نشوب حرب عشوائية لا يرغبها أحد .

إن مشاركة روسيا في المسألة السورية مؤكدة، والدور الذي يمكن أن تلعبه في صنع نهاية حاسمة لهذه الأزمة محوري للغاية، ولا يمكن تصور قيام المجمتع الدولي بتنفيذ أية معالجة سياسية أو عسكرية لهذه الأزمة من دون مشاركة فاعلة من قبل موسكو .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"