مصالح متضاربة تضعف التحالف ضد “داعش”

04:05 صباحا
قراءة 3 دقائق
نجح "المؤتمر الدولي للسلام والأمن في العراق" المسمى "القمة ضد داعش" الذي انعقد في باريس (بالمناسبة الفرنسيون باتوا يستخدمون تعبير "داعش" وليس الدولة الإسلامية) فقط، لأنه انعقد وبهذه السرعة وهذا العدد من الدول المشاركة . لكنه لم ينبثق عن نتائج في مستوى الحدث، لاسيما وأن الاستراتيجية الأمريكية التي يعتمد عليها تعاني الغموض، كما الائتلاف الدولي الذي سيعمل على تطبيق هذه الاستراتيجية .
صحيح أن الأمريكيين والفرنسيين نجحوا في استنفار دول المنطقة العربية لكنهم فشلوا في إقناعها بالمشاركة العسكرية المباشرة في الحرب على "داعش"، وهي مشاركة سوف تقتصر على عمليات لوجستية وأمنية ومالية وإنسانية وسياسية، وهذا ليس بالقليل رغم معرفة الجميع أن الانتصار الحاسم لا يمكن من دون قوات برية كافية وقادرة على الأرض . لقد هدفت قمة باريس إلى توزيع المهام بين المشاركين، ولم تنجح في هذا المضمار رغم أنها انعقدت بعد جولة كيري في المنطقة التي حملت الهدف نفسه .
في الحقيقة أن نظرة إلى تكوين التحالف الدولي المزمع يشي باختلافات في داخله وألغام في طريقه ستكون سبباً في إطالة أمد الحرب على الإرهاب، والتي يقول الأمريكيون أنفسهم إنها ستمتد إلى ثلاث سنوات، أي أن الإدارة الأمريكية المقبلة سيكون عليها استكمال المهمة وفقاً للعقيدة التي ستحملها هذه الادارة .
تركيا، وهي بلد أساسي في التحالف، حضرت قمة باريس لكنها فاجأت الجميع بعدم توقيعها على بيان قمة جدة لمكافحة الإرهاب الذي حضرته الدول العربية العشر التي ستشارك في التحالف . تتذرع أنقرة بعدم تضمن بيان جدة كلاماً حول إسقاط النظام السوري، ناهيك عن وجود رهائن لها لدى "داعش" . لكنها وعدت بتقديم تسهيلات لوجستية للتحالف والعمل على مكافحة تسلل الإرهابيين عبر أراضيها والمساهمة في تجفيف منابع الإرهاب المالية وغيرها، من دون المشاركة في عمليات عسكرية ميدانية . والمعروف أن تركيا لا تزال تدعم الإخوان المسلمين الذين سوف تستقبلهم على أراضيها بعد القرار القطري باستبعادهم، وهذا ما يسهم في تأزيم علاقاتها بدول عربية أعضاء في الائتلاف .
وبالحديث عن مصر، فهي أيضاً لن ترسل جنوداً للقتال، وتود أن يعمل التحالف على مكافحة كل الإرهاب الإسلامي وليس "داعش" فقط، أي الإخوان المسلمين ضمناً في نظرها . وهي لاتريد أن يبقى الستاتيكو على حاله في سوريا، لأنه يحمل مخاطر تقسيم للمنطقة وتغيير لخرائط سايكس-بيكو، الأمر الذي يوده "الإسرائيليون" ويعملون لتحقيقه .
ايران دولة أساسية هي الأخرى لما تملك من نفوذ وحلفاء في العراق وسوريا ولبنان، لكن مشاركتها في الائتلاف، علنياً على الأقل، غير مرحب بها أمريكياً ولا عربياً لأسباب عدة معروفة . لذلك شككت في جدية وصدقية التحالف وفي النوايا العدوانية الأمريكية ضد النظام السوري وغير ذلك .
وتبقى المفاوضات حول ملفها النووي المحدد لموقعها المستقبلي في التحالف، وهي مفاوضات يبدو أنها لن تسفر عن نتائج في المستقبل المنظور . وقد طلب رئيس الوزراء العراقي من الرئيس الفرنسي هولاند دعوة طهران إلى مؤتمر باريس وأسف لعدم تلبية طلبه، نظراً لما تملكه من نفوذ في العملية السياسية العراقية الضرورية لنجاح الحرب على الإرهاب .
بالطبع، لروسيا والصين حسابات استراتيجية حيال هذه الحرب . الصين وإن كانت تؤيد القضاء على التنظيم الإرهابي، إلا أنها ترحب بانهماك واشنطن في محاربته ما يؤخر تطبيق استراتيجية الاستدارة نحو الباسيفيك . وروسيا لن تجد حرجاً في وضع العصي في دواليب التحالف، وقد بدأت في ذلك بالفعل، كونها في صراع مع الغرب في أوكرانيا وسوريا في ما بات يشبه الحرب الباردة .
المصالح المتضاربة بين الحلفاء والحسابات المتباينة حول مرحلة ما بعد "داعش"، ومن سيملأ الفراغ ستمنع الحسم السريع لهذه الحرب على الإرهاب، ولهذا السبب ربما يتوقع مراقبون دوليون أن تحتل هذه الحملة الدولية مساحة العقد المقبل مع احتمال نشوء تيارات داعشية جديدة وانسحاب دول ودخول أخرى في هذا التحالف .

د . غسان العزي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"