مصير “الداعشية” بعد رحيل المالكي

03:54 صباحا
قراءة 4 دقائق
لقد نجح تنظيم داعش في توحيد العالم كله ضده، وبالتالي فإن نهايته باتت مسألة وقت ليس إلا، وإن كان هذا الوقت مرهوناً بالوظائف التي ما زال عليه أن يؤديها . منذ البداية كان التنظيم صنيعة مخابرات إقليمية ودولية تسعى وراء غايات سياسية محددة . لكن صور الممارسات الوحشية الفظيعة لهذا التنظيم الظلامي التي جابت أرجاء العالم الواسع عبر الفضائيات ووسائط الاتصال، أرعبت الجميع . وجاء
تمدده المتسارع واختراقه خطوطاً حمراً، دولية قبل أن تكون إقليمية، ليدقا أجراس إنذار عدة ويحث الجميع على التحرك ضده .
احتلال التنظيم مناطق سورية عدة لاسيما الرقة حيث يقدم "نموذجه" في الحكم والسلطة،كما محاربته للتنظيمات السورية المعارضة التي نجح في القضاء على عدد منها، لا يضير النظام السوري في شيء بل ربما يحقق له هدفاً استراتيجياً ثميناً . فالنظام المذكور لم يفعل شيئاً لوأد التنظيم لدى ولادته وقبل أن يستفحل شره ولم يواجهه في معركة واحدة، بل كان يرمي البراميل المتفجرة على الآخرين وبعض مواقعهم قريبة من مواقع "داعش" "الآمنة" . من المؤكد أن دمشق تفضل القضاء على المعارضة الوطنية المدنية والإسلامية المعتدلة، يساعدها في ذلك "داعش"، حتى تبدو في نهاية الأمر في مواجهة أكثر التنظيمات الإرهابية ظلامية ما يؤمّن لها التفافاً دولياً وعودة الى الشرعية من باب مكافحة الإرهاب الواسع .
بالنسبة إلى تركيا لا يضيرها وجود تنظيم يهدد الاكراد والإيرانيين على الارض العراقية ويبيعها النفط والغاز بأبخس الأثمان، في وقت يحتاج فيه اقتصادها المتضرر من أزمات المنطقة لمثل هذا الوفر . وبالمناسبة فإن النظام السوري نفسه يشتري الطاقة من "داعش" مباشرة أو عن طريق وسطاء في السوق السوداء .
وبالطبع فان ثمة دولاً أخرى لم يكن يضيرها هز أركان الحكومة المالكية في العراق التي تمارس سياسات فيها الكثير من الإقصاء والاستبداد والفساد .
لكن مع تطور الأمور واتخاذها مناحي خطرة قد تدفعها للخروج عن السيطرة مع اختراق "داعش" للكثير من الخطوط الحمر، فإن تكتلاً إقليمياً ودولياً بدأ بالتشكل ضده . فاقترابه من أربيل وتهديده لإقليم كردستان ألّب الأمريكيين بعد الأوروبيين الذين لا يستطيعون السكوت عما يتعرض له المسيحيون ثم الايزيديون، أقله أمام الرأي العام الأوروبي شديد الحساسية إزاء اضطهاد الأقليات المسيحية في المشرق . واقتراب "داعش" المحتمل من الحدود السعودية وتهديداته للكعبة المشرفة، والتي قدمت دليلاً جديداً على جنون "الخليفة" الذي نصب نفسه على مسلمي العالم انطلاقاً من الموصل، أقلق السعودية التي حشدت ثلاثين ألف جندي على الحدود احترازاً وتحسباً . كذلك فإن تهديد "داعش" للبنان عن طريق بلدة عرسال ومشاريع التمدد الى طرابلس وعكار من أجل الاستحواذ على منفذ بحري وما شابه، استنفر القوى الإقليمية والدولية التي لا تزال حريصة على استقرار بلد الأرز .
وهكذا تحركت الأمور، فجرى التفاف غير مسبوق خلف الجيش اللبناني . وقدمت الرياض هبة المليار دولار لمساعدة هذا الجيش على الوقوف في وجه هذا الإرهاب الداعشي . وعاد الرئيس سعد الحريري فجأة الى لبنان بعد غياب دام ثلاث سنوات، ما يشي بتحريك ملف الرئاسة اللبنانية رغم النفي المعلن لذلك . ويبدو أن حظوظ قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي صار يطل كثيراً على الاعلام، تتقدم مع تسوية ترضي ميشال عون بتعيين صهره العميد شامل روكز خلفاً للعماد قهوجي .
وفي العراق، سارع الرئيس الى تكليف الدكتور حيدر العبادي بتشكيل حكومة وطنية جامعة لا تقصي أحداً . وبسرعة قياسية توالت برقيات التهنئة للرئيس المكلف وأهمها من السعودية وإيران . هذه الأخيرة أبرقت اليه تقول إنها "تدعم وحدة الشعب العراقي في مواجهة الإرهاب" . الرسالة واضحة وتعني أن إيران تخلت عن حليفها المالكي في سبيل التصدي للإرهاب الداعشي .
وبالفعل أعلن المالكي تخليه عن ترشيح نفسه لمصلحة حيدر العبادي .
وبالطبع، فإن الولايات المتحدة ليست غائبة البتة عما يجري . ففي لبنان يعتمد الجيش على تعاون الأمريكيين معه والذين يملكون معلومات دقيقة حول مخططات وحراك التنظيمات الإرهابية . وفي العراق سارعت طائرات الدرون (بلا طيار) الأمريكية الى قصف مواقع داعشية والتهديد باستمرار عمليات القصف مع تسليح الأكراد وبغداد في الوقت نفسه . ومن البوابة الفرنسية راح الأوروبيون يحذون حذو "الأخ الاكبر" الأمريكي .
بالطبع، يبقى أمام الدكتور حيدر العبادي مهام شاقة، منها تشكيل حكومة توافقية ترضي الأطراف المحلية والخارجية المعنية، ثم الاتفاق على البيان الوزاري لهذه الحكومة، وغير ذلك مما يدفع الى التوجس والقلق على مصير العملية السياسية العراقية . ولكن في جميع الأحوال فإن سقوط الغطاء عن المالكي بهذه الطريقة لا بد أن يتبعه سقوط للغطاء عن "داعش" الأمر الذي يؤذن ببداية أفولها، كونها لن تقوى على مواجهة الإجماع الذي تشكل ضدها . وإلا فإن "داعش" وغيره من التنظيمات التي تعتاش على الأزمات والانقسامات سيكون لها مستقبل باهر يهدد وحدة المنطقة برمتها وحدودها التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو سيئة الذكر .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"