ألغام في طريق قمة ترامب كيم الثالثة

04:12 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد فراج أبو النور *

مرة أخرى تقفز كوريا الشمالية وسلاحها النووي إلى واجهة الأحداث؛ بإعلان الرئيس الأمريكي ترامب عن اقتراحه بعقد قمة ثالثة مع زعيمها، بعد أقل من شهرين من فشل القمة الثانية بينهما في العاصمة الفيتنامية هانوي (27 /28 فبراير).. ثم بإعلان موسكو عن عقد قمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في مدينة فلاديفوستوك- بأقصى شرق روسيا (24 /25 إبريل/نيسان الجاري)، تتضمن أجندتها قضية إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، والحقيقة أن توقيت هذه القمة الروسية- الكورية الشمالية لافت للنظر.
كان واضحاً حرص ترامب على الإشادة بالعلاقات الجيدة بينه وبين كيم جونج أون، وتأكيد الإمكانات «الرائعة» لنمو الاقتصاد الكوري الشمالي، في استمرار لطريقته في محاولة استمالة الزعيم الكوري (كيم)- كما حدث قبيل وأثناء قمة (هانوي)- وقد استجاب كيم بدوره لكلمات ترامب الودية، ورحب بعقد القمة، وأكد العلاقات الجيدة التي تربطه بالرئيس الأمريكي.. إلا أنه أكد أيضاً ضرورة أن يأتي الطرف الأمريكي إلى مائدة التفاوض بشروط مقبولة للطرفين.
غير أن المفاجأة جاءت في تصريحات «جناح الصقور» في الإدارة الأمريكية، الذي يمثله أساساً وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، وهي تصريحات أوضحت اختلاف المواقف في أعلى مستويات الإدارة تجاه بيونج يانج، وسبل التعامل مع سلاحها النووي، وكان بومبيو قد أطلق على الزعيم الكوري الشمالي وصف «الطاغية» في اجتماع أخير لإحدى لجان الكونجرس، ما أشعل غضب بيونج يانج، ثم علق على دعوة ترامب للقمة بقوله: «إن واشنطن ستواصل الضغط على كوريا الشمالية حتى تتخلى عن أسلحة الدمار الشامل»، وأدلى جون بولتون بدوره بتصريحات مشابهة، مشيراً إلى إمكانية تشديد العقوبات.
وواضح أن (روح) هذه التصريحات تتناقض مع (روح) تصريحات ترامب، الذي أكد أنه لن يسعى لتشديد العقوبات ضد بيونج يانج، وأكد أن «أشياء جيدة قد حدثت، برغم عدم حصولنا على ما نريده» في مفاوضات هانوي، وأظهر أنه حريص على استمرار التفاوض.
تصريحات بومبيو وبولتون أشعلت غضب بيونج يانج، وأعلن (كيم) أن الطريقة التي تصرفت بها أمريكا في هانوي لن تزحزح بلاده عن مواقفها «ولو قيد أنملة»، ومهما تكررت المفاوضات، أما نائبة وزير الخارجية الكورية الشمالية فوصفت المسؤولين الأمريكيين الذين يتحدثون بطريقة بومبيو وبولتون بأنهم «غير دمثين وغير مهذبين وأغبياء»، «ولم يستطيعوا أن يفهموا ما يريده الزعيمان»، ولنلاحظ أن هذه الكلمات تتضمن مديحاً لترامب وإدراكاً للفارق بين موقفه وموقف بومبيو وفريقه.

نذكر كل هذه التفاصيل؛ لنوضح كيف أمكن تسميم جو المفاوضات والعلاقات و(تلغيم) الطريق إلى القمة الثالثة؛ من خلال بضعة تصريحات، وكيف أنه لم يتم الاستفادة من دروس (هانوي)، وبالتالي فإن القمة الثالثة ستحتاج إلى وقت وجهد أكبر؛ لكي تتم تهدئة الأجواء المتوترة حولها، كما أن تحقيق إنجازات ملموسة سيتم عبر مصاعب كبيرة، وبالتأكيد ليس خلال قمة واحدة أو قمتين، وإنما خلال سياق طويل من القمم والمفاوضات، خصوصاً في ظل وجود خلافات حول التسوية في الإدارة الأمريكية.
وللتذكير، فإن موضوع الخلاف الذي أدى إلى انهيار محادثات (هانوي) كان حول ما ينبغي على كل طرف تقديمه مقابل الخطوات المطلوبة من الطرف الآخر، وكانت كوريا الشمالية قد أعلنت عن وقف تجاربها النووية والصاروخية، وأعلنت التزامها بالتخلي عن أسلحتها النووية، والالتزام بالبدء في تفكيك عناصر برنامجها النووي، وتحديداً مفاعل «يونجبيون» الرئيسي، تحت إشراف خبراء أمريكيين، مقابل المطالبة برفع (كل) العقوبات الأمريكية «المتصلة مباشرة بالاقتصاد المدني» فقط، وليس كل العقوبات الاقتصادية بمفهومها الشامل، الذي يمتد إلى المشروعات الاقتصادية ذات الطابع المزدوج (المدني- العسكري) أو التي يمكن أن تخدم المجهود الحربي بأي صورة من الصور.

أما وزير الخارجية الأمريكي بومبيو فقد رفض إلغاء العقوبات الاقتصادية (كلياً)، حتى عن المشروعات المدنية، وكان يريد إلغاء جزئياً فقط للعقوبات ضدها، إضافة إلى «شيء ما آخر» غير مفاعل «يونجبيون»، مثل تعهد كوريا الشمالية بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم، وتفكيك منشآت نووية (بحثية) وإخضاعها للتفتيش الأمريكي؛ وذلك من دون الالتزام بإلغاء العقوبات الاقتصادية (كلياً) عن المشروعات الاقتصادية المدنية، وبالتالي انهارت المفاوضات لبُعد الثقة بين مطالب كل طرف من الطرفين.
وإذا كان المبدأ الحاكم لأي مفاوضات متكافئة هو (التزامن في تقديم التنازلات المتوازنة والمتبادلة)، وإذا كان السلاح النووي (الرادع) هو الورقة الرابحة الوحيدة التي تملكها كوريا الشمالية، فإنها لا تستطيع أن تقدم أكثر من حد معين من التنازلات، مقابل مكاسب وضمانات محدودة وراسخة للحل النهائي، وإلا تعرضت لضياع ورقتها الرابحة (الرادعة) الوحيدة، وفي المقابل فإن أمريكا (وكوريا الجنوبية) لن تعطيا بيونج يانج كل ما تطلبه إلا مقابل ضمان تصفية برنامجها النووي- وبالطبع عبر خطوات متبادلة؛ لبناء الثقة.. إلخ، وبالتالي فإن طريقة بومبيو وبولتون «الضغط حتى تتخلى كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية»؛ بل وأسلحة الدمار الشامل (الكيماوية/ أو البيولوجية)، ومن دون تقديم تنازلات متوازنة ومتزامنة ومتبادلة، بالطبع ستؤدي إلى تشبث بيونج يانج بسلاحها النووي والصاروخي، باعتباره الضمانة الوحيدة لحياتها، وبالتالي يعود الأطراف إلى نقطة الصفر؛ لأن كل مفاوضات هي (صفقة)، أي أخذ مقابل عطاء، وهذا ما يبدو أن ترامب يفهمه أكثر من بومبيو وبولتون، وبالطبع في ظل المخاطر الهائلة المحيطة بفكرة توجيه ضربة إلى كوريا الشمالية، وهو ما دفع واشنطن للتفاوض أصلاً.
وفي ظل هذا التوتر والتعثر الذي تواجهه المفاوضات الأمريكية- الكورية الشمالية كان من الطبيعي أن ترى روسيا فرصة سانحة؛ لتعزيز علاقاتها بجارتها الجنوبية الشرقية (لديهما حدود مشتركة صغيرة طولها 18 كم) التي بدأت تكتسب وضعاً أفضل في العلاقات الدولية؛ بغرض دخولها في المفاوضات مع أمريكا، وتطور علاقاتها بكوريا الجنوبية، والتسوية في شبه الجزيرة مرشحة للتقدم برغم التعثرات وتعزيز علاقات موسكو- ببيونج يانج يمكن أن يعطيها مقعداً على مائدة التسوية النهائية كضامن، إلى جانب بكين، وفي جميع الأحوال يعطيها أوراق قوة في مواجهة أمريكا في شرق آسيا، وفي مواجهة اليابان في قضية الجزر كلاعب إقليمي أكثر أهمية، علماً بأن روسيا تملك مشروعاً قديماً لمد خط أنابيب الغاز إلى كوريا الجنوبية، عبر شمال كوريا وآخر لإحياء خط للسكك الحديدية من سيؤول إلى الشرق الأقصى الروسي.
كما أن روسيا لديها علاقات تاريخية ممتازة مع كوريا الشمالية، وكانت في السبعينات والثمانينات أكبر شريك تجاري لها، وأعفتها مؤخراً (2014) من ديون قدرها (10 مليارات دولار)، وقبل كل شيء معروف أن روسيا والصين تؤيدان الموقف الكوري الشمالي الداعي لإخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"