احتضان المعاق تكافل إنساني

حملة “فليكن لي مكان بينكم” تواصل مع المجتمع
12:47 مساء
قراءة 6 دقائق

من المؤلم ألا يشعر الانسان بوجوده رغم وجوده، هذا ما يطالب به الشخص المعاق، حقه في الحياة واثبات الوجود، ليتجسد طلبه هذا في حملة التوعية التي أطلقتها مدينة الشارقة للخدمات الانسانية هذا العام والتي حملت شعار فليكن لي مكان بينكم.. فأنا ابنكم، وهاهو المعاق بين أهله الذين احتضنوه ونجحوا في ايجاد مكان له بينهم، ليصبح محور الأسرة وأساسها رغم كل ما عانوه في بداية الأمر.

أمهات وآباء واخوة تحدثوا عن معاناة، وألم اعتصراهم حين وصلوا لنقطة الحديث عن مستقبل الشخص المعاق، ومشاعر صادقة تأججت في هذا التحقيق.

حاولت رائدة ابراهيم درباش، والدة الطفلة حنان البالغة من العمر 6 سنوات والتي تعاني من متلازمة داون، ترجيح أسباب كثيرة لاصابة طفلتها بهذه الاعاقة ولكنها لم تجد ما تستند اليه، فلا وجود لأي عامل من عوامل الوراثة أو القرابة بينها وبين زوجها، بالاضافة الى أن فترة حملها بحنان كانت طبيعية جدا ولم يكن هناك أي مؤشر يدل على اصابة ابنتها بذلك، ولكن احساس الأمومة أوصل إليها بأن هناك شيئاً مختلفاً في ابنتها من الوهلة الأولى التي رأتها بها رغم أن اعاقتها تعتبر بسيطة جدا، ولكن ما أثار حفيظتها هو قسوة الطبيبة التي ألقت أمامها القنبلة بعد ولادة الطفلة بيوم واحد بلا أي اعتبار لمشاعرها، فلم تهيئها نفسيا لهذا الخبر الذي لم تتوقعه على الاطلاق، مما أدى الى انهيار الأم التي أصابها الاحباط لمدة الستة أشهر الأولى والتي انطوت فيها على نفسها حتى استوعبت الأمر، لتقوم بعدها بالمتابعة مع مدينة الشارقة للخدمات الانسانية التي احتضنتها نفسيا واجتماعيا احتضانا أقل ما يوصف بأنه أشبه بحضن الأم، ساعدها ذلك على استعادة توازنها واكمال مشوارها مع طفلتها التي تكبر وتزهو كل يوم بفضل هذا الاحتضان، وها هي حنان اليوم بين أسرتها تعيش حياتها بشكل طبيعي لا اختلاف بينها وبين اخوتها، وعن مستقبلها الذي تفضل أم حنان عدم التفكير فيه فتتمنى أن يحميها الله من مجتمع لا يستوعب اعاقتها ويحتضنها بكل حب، مشيرة إلى ان الحملة التي تنفذها مدينة الشارقة للخدمات الانسانية حالياً سوف تسهم إلى حد كبير في التوعية بالاعاقة واحتواء ذوي الاحتياجات الخاصة من جانب أفراد المجتمع.

أما ريم عبدالله الفقي 16 عاما والتي تعاني من اعاقة ذهنية، فقد كان تأخر النطق لديها السبب الذي دفع الأطباء لعمل اختبار الذكاء لها لتحصل على نسبة منخفضة تدل على اعاقتها، لتقوم والدتها كريمة محمود بناء على نصح الأطباء بإلحاقها بمركز التدخل المبكر والذي كانت المسؤولة عنه ذلك الوقت منى عبد الكريم حيث أقنعت الأم بضرورة الحاق ابنتها ريم بالمركز لتلقى الخدمة التي تحتاجها، ورغم ايمان الأم القوي بالقضاء والقدر الا أنها لا تنكر مرورها بلحظات ضعف وحزن عصيبة لم يخففها الا تواجد منى عبد الكريم واحتضانها الكبير لها، وحين بلغت ريم 6 سنوات كان لا بد أن تنتقل لمعهد التربية الفكرية والذي تزامن مع تولي منى عبد الكريم ادارته ليزيد ذلك من سعادة الأم وراحتها النفسية، وهاهي ريم الآن قد بلغت السادسة عشرة من العمر وهي الآن فتاة جميلة ومحبوبة من جميع المحيطين بها، فالخدمة التي اكتسبتها من مركز التدخل المبكر، ثم من معهد التربية الفكرية، ومركز تأهيل المعاقين التابع للمدينة بالاضافة الى وعي الأم وتعاون المحيطين بها كل ذلك أهلها لأن تعيش حياتها بشكل طبيعي، ولكن ما تطالب به أمها هو محاولة ايجاد تعاون بين الحضانات ومركز التدخل المبكر، وذلك بأن يتم السماح للأطفال المعاقين بالالتحاق بالحضانات تحت اشراف المتخصصين في مراكز التدخل المبكر، مما يساعد الأطفال غير المعاقين على الاندماج مع المعاقين ما يكسر جميع حواجز اللاوعي لديهم بهؤلاء المعاقين.

وليس هناك أصعب من أن يجبر الشخص نفسه على عدم التفكير بالمستقبل لخوفه منه، وهذا تماما ما تفعله خديجة حسن والدة زينب 12 عاما والتي تعاني من اعاقة ذهنية، بدأت الأم بملاحظتها حين تأخرت ابنتها بالمشي والنطق والجلوس كبقية الأطفال، حيث بدأت مشوارها بين الأطباء والمستشفيات لتعاني ما عانته غيرها ممن أحبهم الله فابتلاهم بهذه الاعاقات، استوعبت خديجة ابنتها وقدمت لها كل الحب والدلال والرعاية، وجعلت لها المكان الأول والأولوية الأولى، لتصل الأسرة مع زينب الى حالة أصبحت فيها زينب محور البيت كله وأساسه فهي التي تجمع الأسرة ليصبح الجميع جنودا في خدمتها وتدليلها.

ولا يضاهي تخوف الأمهات من التفكير بمستقبل أبنائهم المعاقين، الا أصوات الآباء الممزوجة بالرغبة في البكاء حسرة وألما على معاناة أبنائهم، فهاهو بسام حسان والد طارق 9 سنوات والذي يعاني من شلل دماغي أدى الى عدم قدرته على الحركة ليصبح أسير كرسيه المتحرك، يكتفي باطلاق العنان لدموعه حين يكون وحيدا ويطالب في الوقت ذاته بألا يسأله أحد عن مستقبل ابنه وكيف يراه، بدأت مأساة ابنه حين ولادته، والتي كان من المفروض أن تكون قيصرية نظرا للمضاعفات التي أصابت الأم والجنين قبل الولادة بقليل، لترفض الطبيبة عمل الجراحة القيصرية وتكتفي بالانتظار الذي تبعه اعطاء الأم المحرض الصناعي على الولادة، واستخدام (الجفت) الذي ثبت عدم صلاحيته للاستعمال بعد ذلك، ليتبعه استخدام ملقط خرج الطفل على اثره أزرق اللون لتقوم الطبيبة بفحص نبضات قلبه التي كانت صفرا ذلك الوقت، مما دفعها لاعتباره ميتا وتركه في حوض الغسيل والتوجه للاعتناء بالأم، ليعود الفريق الطبي بعد ذلك لتكفين الجنين ليفاجؤوا به يتحرك فأعطوه الأكسجين فورا، وأبقوه في العناية المركزة لمدة 12 يوما، ليعود كل شيء لطبيعته حتى اللحظة التي لاحظ فيها الأب والأم عدم قدرة ابنهما على الجلوس والحركة والمشي كباقي الأطفال في هذا العمر، لتبدأ المعاناة مع طفل معاق، لم تخفف هذه المعاناة سوى وجود مدينة الشارقة للخدمات الانسانية التي طوعت كل قدراتها ومراكزها ومعاهدها لخدمة الأطفال المعاقين وتقديم العون والمساعدة لأهلهم، فكلمات الشكر يراها والد طارق قليلة في حق الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي المدير العام لمدينة الشارقة للخدمات الانسانية، ومنى عبد الكريم مدير معهد التربية الفكرية التي كانت ولا تزال القلب الحنون لكل من حولها، وجميع العاملين والعاملات في المدينة والمؤهلين بحق في هذا المجال.

والحديث مع اخوة المعاقين حديث عن علاقة خاصة لا يسودها الا الحب الذي فاق كل الحدود فهاهي هبة عبد السلام، رئيسة مجلس اخوة الشخص المعاق، وأخت يوسف عبد السلام الذي يعاني من متلازمة داون والبالغ من العمر 13 عاما، لم تكن تعرف في بداية الأمر أي شيء عن الاعاقة، حتى رزقت أمها بأخيها يوسف، وقامت بالتالي بتوعية أبنائها بهذا النوع من الاعاقة، وحين علمت هبة أن أخاها له وضع مختلف حاولت أن تفهمه بشكل أكبر لتستطيع التعامل معه، مما أدى الى تطوعها في مدرسته والتي أثرت حصيلتها المعرفية فيما يخص اعاقته من خلال المحاضرات والندوات التي كانت تحرص على حضورها، ولذا فقد نشأت بينهما علاقة قوية جدا بحيث تفهم ما يريد قبل أن يطلب، وتصف هبة علاقة أخيها مع محيطه المنزلي بأنها علاقة ممتازة يسودها الألفة والترابط والمحبة، حيث يتعامل معه الجميع كما يتعاملون مع بعضهم بعضا بلا أي تمييز، ورغم قوة ايمان هبة بتميز أخيها وبالعلاقة الفريدة من نوعها والتي تربطهما الا أن دموعها كانت أقوى منها حين سألناها عن المستقبل الذي تتوقعه لأخيها يوسف، حيث حاولت منعها بلا جدوى فخوفها الكبير عليه يجعلها تجبر نفسها على التوقف في التفكير في هذا الأمر لأنها تصل دوما لطريق مسدود.

أما زينب أحمد 18 عاما، فترى أنها الأقرب لأختها حمدة 16 عاما والتي تعاني من اعاقة ذهنية أدت الى اصابتها بالشلل، بحيث لا تستطيع المشي، حيث تقوم زينب بخدمة أختها بشكل دائم وترافقها حيث تذهب، هذا الاحتضان أثر على حمدة تأثيرا ايجابيا وجعلها لا تشعر باعاقتها وباختلافها عن الآخرين على الاطلاق، وترى زينب أن الانسان بشكل عام حين يلقى المحبة من الآخرين فان ذلك يجعله ينظر للمستقبل بمنظور مختلف يغلب الجانب الايجابي عليه، وهذا ما لمسته في حمدة التي تخطت كل المعوقات لتنظر للحياة بايجابية وتتعامل مع اعاقتها بوعي.

منى عبد الكريم، مدير معهد التربية الفكرية في مدينة الشارقة للخدمات الانسانية، ترى أن معاناة الأهالي الكبرى تكمن في تفكيرهم بمستقبل أبنائهم المعاقين، ولذا فهي تنصحهم بضرورة تعليم أبنائهم ان كانت اعاقتهم بسيطة أو متوسطة القيام بالأمور الشخصية كتنظيف أنفسهم والعناية بنظافتهم وما الى ذلك، وتعليمهم الاعتماد على أنفسهم وذلك بتجنب توفير الحماية الزائدة لهم مما يعطيهم الثقة في أنفسهم، كما تؤكد بأن ثقافة الأهالي فيما يخص موضوع الاعاقة متفاوتة، وأحيانا تكون هناك صعوبة أكبر في التعامل مع الأهالي أصحاب الثقافة العالية، ولكن البرامج والخطط التي تتميز بها المدينة توفر الراحة النفسية لأهالي المعاقين وأهم هذه البرامج هو الدعم الجماعي الذي يتم عن طريق جمع مجموعة من الآباء والأمهات الذين يشتركون في نفس الحالة ليتبادلوا الخبرات، ويشعروا بأنهم ليسوا وحدهم الذين يعانون من هذه المشكلة، بالاضافة الى جلسات فردية مع اخوة المعاقين تعمل على تسهيل مهمة الأسرة في دمج المعاق وتقبل اخوته له، كما أن الرحلات والأنشطة التي تقوم بها المدينة تشعر الأهالي بضرورة تواجدهم وأهميتهم في دعم الآخرين، وهذا ما يوفر مناخاً صحياً للمعاق ويسهل مهمة أهله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"