الإنسان مسؤول عن رغد المعيشة وضنكها

الاقتصاد الإسلامي.. قيم وأخلاق
01:27 صباحا
قراءة 4 دقائق

يعلمنا القرآن الكريم أن رغد العيش وضنكه، إنما يتبع علاقة المجتمع بربه، ومدى التزامه بالمنهج الذي أعطي له على يد الرسل الكرام من أول آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون (النحل: 112).

ولقد كان الدستور الذي وضعه الله لآدم عندما أهبطه إلى الأرض يتمثل في أن من يتبع الهدى الذي يأتيه من الله فلا يضل ولا يشقى، ومن يعرض عن هذا الهدي فله المعيشة الضنك في الدنيا، وله العقوبة القاسية في الآخرة.

قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى (طه: 123 127).

هذه هي التوصية الأساسية لآدم عليه السلام وبنيه من بعده عندما أهبطه الله إلى الأرض ليقوم بدوره كخليفة، كانت التوصية في شكل سنة إلهية لا تتبدل ولا تتحول وتنطبق لا محالة إذا تحققت مقدماتها، من يتبع الهدى الذي يأتيه من الله على يد أي من رسله، فلن يضل ولن يشقى، ومن يعرض عن هذا الهدى فإن له ضنك المعيشة في الدنيا، وعدم الاهتداء والعمى في الآخرة، ولا تجد لسنتنا تحويلا (الإسراء: 77)، ولن تجد لسنة الله تبديلا (الأحزاب: 62).

على أساس من هذه السنة ستكون معاملة الله تعالى لذرية آدم عليه السلام، في أجيالها المتعاقبة، من يسير على منهج الله تعالى يقوده إلى السعادة في الدنيا والآخرة، حيث يعيش حياة طيبة، يظللها العدل ويغلفها التكافل والتراحم، ويسودها الإيثار والمودة، ويفوز الناس في ظلها بخيري الدنيا والآخرة، ويحوزون عاجل الخير وآجله. ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض (الأعراف: 96)، ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم (المائدة: 66).

هذه هي سنة الله في جانبها الأول، جانب إتباع المنهج الإلهي، والسير عليه، وتعظيم الله تعالى وتوقيره، واللجوء في السراء والضراء، والعيش في كنفه، والتمسك بهديه.

عواقب الاعراض عن الهدى

أما الإعراض عن الهدى عندما يأتي البشر من ربهم فإن عواقبه وخيمة، إنها المعيشة الضنك في هذه الدنيا، المعيشة التي يظللها الخوف ويكتنفها الشقاء من كل جانب، المعيشة التي توغل في الضلال على شتى المستويات، المستوى الاقتصادي حيث ينخر الربا في اقتصادها، والمستوى الاجتماعي حيث ينخر التحلل والتفسخ في جذورها وكيانها، والمستوى الثقافي حيث ينخر الكذب والنفاق والرياء والتضليل في مقوماتها، فتتحول الحياة إلى جحيم لا تستقيم معه أحوال، والمستوى التشريعي حيث ينخر الهوى والظلم في مؤسساتها، وتغيب العدالة عن شؤونها، فيتظالم الناس، ويأكل بعضهم حقوق البعض، وعلى المستوى السياسي، حيث تغتصب السلطة وتستلب الحقوق، ويوسد الأمر إلى غير أهله، فيقرب الفاجر ويمكن، وينفى التقي ويبعد. وعلى المستوى الأخلاقي، حيث تنقلب المعايير الخلقية، ويهزأ بالقيم فيؤمن الخائن، ويخون الأمين، وعلى كل المستويات يظهر الفساد، في البر والبحر، في الأنفس والمجتمع، في النظم والتشريعات، ذلك أن الناس ضلوا عن المنهج، وتنكبوا الطريق القويم وتخلوا عن الهدى الذي جاءهم من الله تعالى، فحقت عليهم السنة الإلهية التي قررها الله تعالى في وحيه إلى آدم عليه السلام: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى فالإعراض عن هدي الله تعالى في الحكم والاقتصاد والاجتماع والمعاملات وسائر المجالات، هو الذي يقود الأمة إلى التبعية والذل والهوان سياسيا، وإلى الضنك وسوء الأحوال اجتماعيا، وإلى ضعف الإنتاج وارتفاع الأسعار وانخفاض مستوى المعيشة اقتصاديا، وإلى التفسخ والتحلل والتميع والغش والخداع والتطفيف وأكل أموال الغير بالباطل، وبخس الناس أشياءهم أخلاقيا.

تلك سنة الله تعالى علمها آدم وبنيه من بعده، تنطبق عليه وعليهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

هذا، وإن الواقع الذي يحيط بنا وقد أعرضنا عن هدى الله تعالى، في الحكم والاقتصاد والتشريع والأخلاق وغيرها ليشهد بانطباق السنة على الأمة العربية اليوم، تلك الأمة التي عزت من قبل، وعاشت حياة طيبة عندما أقامت الصلاة وآتت الزكاة، وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر، ثم فرطت في الهدى الذي أعطى لها من ربها فحقت عليها السنة التي لا تحابي ولا تتحول ولا تتبدل، وتحولت أحوالها من النقيض إلى النقيض عما كانت عليه من قبل. ولقد صدق سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال مستلهما هذه السنة الإلهية: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، ولن يرفع عنا ما نحن فيه إلا إذا عدنا إلى الهدى الذي جاءنا من ربنا على يدي آدم عليه السلام من قبل ومحمد صلى الله عليه وسلم أخيرا.

إن الشقاء الذي نفته الآية الكريمة عمن يتبع هدى الله، سيصيب من يعرض عن هذا الهدى، فهو ثمرة الإعراض لا محالة يجنيها المعرض عن ذكر ربه، ولو كان غارقا في متاع الدنيا، فما يضل الإنسان عن هدى الله تعالى إلا ويتخبط في القلق والحيرة الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس (البقرة: 275). ولن تستقر نفس العبد وتطمئن إلا في رحاب الله تعالى، واتباع هداه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"