ثقافة الكراهية

21:22 مساء
قراءة دقيقتين

ما من زمن استخدمت فيه كلمة الكراهية بإلحاح كهذا الزمن، وقبل أحداث سبتمبر/أيلول بعقود أصدر كاتب عربي كتاباً ذا عنوان مثير هو مجتمع الكراهية تحدث فيه بإسهاب عن العوامل السياسية والاجتماعية والنفسية التي تبث مناخاً مشبعاً بالكراهية، لكن أحداث سبتمبر جعلت من مفردة الكراهية عنواناً متكرراً لدراسات ومقالات واستفتاءات تدور كلها حول كراهية العالم لأمريكا، لكن الكراهية تتمدد أيضاً وتتحول من مرض الى وباء كوني، وثمة من يتحدثون الآن عن كراهية العرب لأنفسهم وكراهية الفرد لذاته أيضاً.

فالإنسان يعيش الآن حرباً أهلية أو حرب عصابات بينه وبين نفسه، ولا يعرف الانسجام مع الذات، لأنه مصاب بنوع متطرف من الشيزوفرينيا، فما يفكر به في الليل يفعل عكسه في النهار، وقد يتورط بمواقف تشبه موقف ذلك الدب المسكين الذي أراد إنقاذ صاحبه من ذبابة تحوم حول أنفه فألقى عليها حجراً، شج رأس صاحبه ونجت الذبابة، فتحولت الحكاية الى أمثولة بحيث يصبح العدو العاقل خيراً من الصديق أو الحليف الجاهل!

وقبل أن تكون الكراهية ظاهرة من افراز السياسة وعوالمها السفلية، فهي تربوية وتزدهر في مجتمعات تفتقر الى الثقة المتبادلة بين أفرادها، بحيث تسود الريبة وتحل الثأرية والكيدية مكان التسامح لأن الآخر يصبح عدواً الى أن يبرهن على العكس!

والكراهية كمفهوم ليست فقط نقيضاً للحب، إنها النقيض الجذري لكل المناخات الإنسانية الدافئة، فهي تحول الحوار الى سجال ومن ثم إلى اشتباك بين الطرشان، وهي أيضاً تحرم المصابين بها من نعمة التواصل، بحيث يصبح الآخرون هم الجحيم وليسوا النعيم حسب عبارة سارتر الشهيرة.

إن كراهية الآخر قد تنتهي الى كراهية الذات، وهذا ما يحدث الآن لبشر تجمعهم آلاف القواسم المشتركة لكنهم يبحثون عن عوامل الاختلاف كبديل عن الائتلاف حتى في حده الأدنى. وثمة أخصائيون في علم الكراهية يبثون على مدار الساعة ثقافة متقيحة ومليئة بالصديد تحت عناوين مضللة، لأن الكراهية تصلح كالتخلف مجالاً للاستثمار الذي يمارسه التجار، وقد لا يحتاج الانسان الى اكثر من دقيقة واحدة كي يدرك بأن الحياة لا تحتمل كل هذا العناء لكن بعض الناس يفتقرون الى الخيال، الذي يتيح للانسان أن يضع نفسه مكان الآخرين ولو للحظة وللكراهية قاموس يعج بالمترادفات، فهي أيضاً الخوف والقلق والارتياب، لأن هذه الافرازات السامة من صميم الكراهية ومن أدبياتها السوداء التي اقترنت بالتاريخ منذ بواكيره، لكنها لم تتحول الى فلسفة وفِقه، إلا في عصرنا، عندما اشتدت أزمة الثقة بين الفرد والمجموع وبين المجتمع والدولة وأخيراً بين الفرد ونفسه، خصوصاً بين المقهورين الذين يقول علماء النفس عنهم إنهم يخطئون التشخيص، ويحملون بعضهم أوزار القهر.

إن ما كتبه جابرييل ماركيز تحت عنوان الحب في زمن الكوليرا يستدعي على الفور ومن خلال قرائن لا آخر لها عنواناً مضاداً، هو الكراهية في زمن الايدز!.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"