سريلانكا تدخل دائرة الإرهاب

04:42 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد فايز فرحات

سلسلة التفجيرات التي شهدتها العاصمة السريلانكية، كولومبو، يوم الأحد 21 إبريل/نيسان الماضي، لم تكن أعمال العنف الأولى، التي تشهدها البلاد ضد مجموعة دينية أو عرقية بعينها، فقد عرفت سريلانكا أنماطاً مختلفة من العنف العرقي والطائفي طوال السنوات السابقة، خاصة العنف البوذي ضد أقليات التأميل والمسيحيين والمسلمين، إضافة إلى أشكال ومستويات- وإن كانت أقل حدة بكثير- من عنف جماعات إسلامية متطرفة ضد الأغلبية السنهالية البوذية (محاولات تدمير التماثيل البوذية). أضف إلى ذلك الحرب الأهلية التي استمرت خلال الفترة (1983- 1999).
لكن مع أهمية أشكال العنف السابقة، فإن سلسلة تفجيرات «عيد الفصح» الماضية، تمثل تحولاً نوعياً خطراً، ليس فقط بالنظر إلى أنها تمثل أول سلسلة تفجيرات إرهابية بهذا الحجم في سريلانكا؛ لكن بالنظر إلى دلالاتها وتداعياتها الخطرة المتوقعة في سريلانكا.
ورغم إعلان تنظيم «داعش» مسؤوليته عن تنفيذ هذه التفجيرات، اعتماداً على جماعة محلية (جماعة التوحيد الوطنية)؛ لكن مستقبل العنف في سريلانكا قد لا يتوقف عن حد أو نمط الإرهاب الموجه إلى الأقلية المسيحية. وبشكل عام، يمكن طرح سيناريوهين رئيسيين لمستقبل العنف في سريلانكا.
يقوم هذا السيناريو على تحول سريلانكا إلى أحد المسارح الرئيسية لتنظيم «داعش» في إطار توسيع أنشطته في إقليمي جنوب وجنوب شرقي آسيا. ويستند هذا السيناريو إلى عدد من المقومات. فرغم محدودية الحركات الإسلامية المتشددة في سريلانكا (من حيث العدد والحجم)، مقابل غلبة الحركات الصوفية، إلا أن هناك في المقابل عدداً من المقومات الأخرى، التي سيستفيد منها «داعش» بالتأكيد. أولها، هو وجود عدد كبير من التنظيمات السلفية الإرهابية المحلية في هذين الإقليمين، التي أعلنت في مراحل مختلفة عن ولائها ل(أبو بكر البغدادي). ففي إندونيسيا، شمل ذلك شبكة «مجاهدي إندونيسيا»، التي أعلن قائدها «أبو وردة سانتوسو»، البيعة للبغدادي في يوليو/تموز 2014، وجماعة «أنصار التوحيد» («الجماعة الإسلامية» سابقاً)، التي أعلن قائدها (أبو بكر باعشير) البيعة للبغدادي في أغسطس/آب 2014، و«جماعة أنصار الدولة»، التي تأسست في عام 2015 على يد (أمان رحمان)، و«منتدى نشطاء الشريعة الإسلامية»، و«حركة الإصلاح الإسلامية».
وفي الفلبين، شمل ذلك جماعة «أنصار الخلافة»، التي أعلنت ولاءها للبغدادي في أغسطس/آب 2014، وجماعة «أبوسياف»، التي أعلن قائدها إسنيلون هابيلون (أبو عبد الله الفلبيني) بيعته ل«داعش» في يوليو/تموز 2014، وجماعة «معركة الإعصار»، التابعة ل«أبو سياف»، التي أعلنت هي الأخرى بيعتها في مايو/أيار 2015، تبع ذلك بث «داعش» لفيديو مصور في سنة 2016 أعلن فيه تعيين إسنيلون أميراً لما سمّاه «ولاية الفلبين». من ذلك أيضاً حركة «مناضلو بانجسمورو الإسلاميين من أجل الحرية». وعلى الجانب الآخر، في جنوب آسيا هناك «ولاية خراسان»، التي أعلن «داعش» عن تأسيسها في يناير/كانون الثاني 2015، والتي تغطي ضمن عملها أفغانستان والهند وبنجلاديش.
خطورة حالة سريلانكا هنا؛ أنها تمثل نقطة تقاطع بين إقليمي جنوب وجنوب شرقي آسيا، الأمر الذي يشير إلى وجود احتمال كبير لتحولها إلى مسرح مهم ل«داعش» والتنظيمات المحلية الموالية له.
ويعمق من هذا الاحتمال أيضاً البيئة الأمنية الهشة في سريلانكا، وفي جنوب آسيا بشكل عام (بلغت قيمة مؤشر «الدولة الهشة» The Fragile States Index في عام 2017 في كل من أفغانستان، باكستان، بنجلاديش، سريلانكا، نيبال: 107.3، 98.9، 89.1، 86.6، 91 على الترتيب).
* سيناريو الحرب الأهلية: رغم أن تفجيرات «عيد الفصح» هي تفجيرات إرهابية؛ لكن هذا لن يحول دون تكييفها على أنها عمل طائفي أيضاً تم توجيهه من الأقلية المسلمة إلى الأقلية المسيحية، الأمر الذي قد يقود بدوره إلى عمليات عنف ذات بُعد طائفي بين المكونات الدينية والطائفية المختلفة في سريلانكا. وتدعم هذا السيناريو عوامل عديدة؛ أولها وأهمها التركيب الإثني/ الطائفي للمجتمع السريلانكي، والخبرة الصراعية بين هذه المكونات، ووجود تنظيمات متطرفة وعنيفة لدى كل هذه المكونات، ووجود شعور لدى جميع المكونات العرقية والدينية بأن هويتها موضوع تهديد من جانب الآخرين. يصدق ذلك على الأغلبية البوذية من السنهاليين وباقي الأقليات العرقية والدينية.
على مستوى الأغلبية السنهالية البوذية، هناك العديد من التنظيمات السنهالية البوذية المتطرفة، أبرزها منظمة «القوة البوذية» BBS، والتي تنصب نفسها المسؤول الرئيسي عن حماية الهوية السنهالية- البوذية للمجتمع السريلانكي، أو ما تصفه بحماية «البلاد والعرق والدين» كما تعطي لنفسها سلطة إنفاذ القانون. ولا تزال المنظمة ترى في الديمقراطية تهديداً مباشراً للعرق السنهالي. ورغم هيمنة الأغلبية البوذية على الحياة الاقتصادية والسياسية في سريلانكا، فإن خطابات الكراهية داخل هذه الأغلبية لا تزال قوية تجاه باقي الأقليات العرقية والدينية ك(الهندوس، التأميل، المسيحيين، المسلمين).
وبهذا المعنى، فإن استهداف الأقليتين المسيحية والمسلمة- خاصة بعد ظهور جماعات إرهابية قوية؛ مثل: «التوحيد الوطنية»- من جانب المنظمات البوذية المتطرفة يظل جزءاً من قناعات هذه المنظمات؛ للمحافظة على الهوية البوذية- السنهالية.
أضف إلى ذلك المشكلة التاريخية بين الأغلبية السنهالية- البوذية والأقلية المسيحية؛ بسبب دعم الأخيرين لإجراء تحقيق خارجي في ممارسات الجيش السريلانكي ضد أقلية التأميل.
ورغم انتهاء الحرب الأهلية بين الدولة وتنظيم «نمور تحرير إيلام تأميل» في 1999، لكن لا يمكن القول بانتهاء قضية التأميل والأقلية الهندوسية. فمن ناحية، فإن الطريقة التي انتهت بها الحرب لا تؤسس للقول بانتهاء هذه المشكلة التاريخية؛ ذلك أن الحرب قد انتهت بإعلان الدولة هزيمة تنظيم «نمور تحرير إيلام تأميل».
وقد عمدت الدولة خلال السنوات الأخيرة من الحرب الأهلية إلى تقديم التنظيم، على أنه يعد تنظيماً إرهابياً وجماعة انفصالية، ونجحت في 1996 في إقناع الولايات المتحدة في وضع التنظيم على قائمة التنظيمات الإرهابية. كما نجحت أيضاً في الحصول على الدعم الدولي؛ لمواجهة التنظيم، ما أدى إلى إضعاف الأخير بشكل كبير والذي انتهى بهزيمته.
وهكذا، فإنه رغم انتهاء الحرب وإعلان هزيمة التأميل، إلا أن ذلك لم يرتبط بعملية سياسية تضمن استيعابهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما أدى إلى استمرار مشكلة التأميل الهندوس من دون أي تسوية تاريخية لهم.
التفجيرات الإرهابية الأخيرة في سريلانكا، سيكون من السهل تكييفها من جانب الأغلبية السنهالية- البوذية والأقلية المسيحية على أنها عمل إرهابي/ طائفي، قد يستتبعه المزيد من التشدد من جانب الأغلبية السنهالية البوذية ضد باقي المكونات العرقية والدينية (التأميل، الهندوس، المسلمين)، ومن جانب الأقلية المسيحية (ضد الأقلية المسلمة)، الأمر الذي قد يفتح المجال مجدداً أمام سيناريو حرب أهلية جديدة تطاول جميع المكونات العرقية والدينية؛ وذلك ما لم يتم التعامل مع هذا الخطر بشكل مبكر. كذلك، فإن التحقق لأي من هذين السيناريوهين لا ينفي الآخر، فهناك علاقة قوية بالطبع بين وقوع الحرب الأهلية، وانتشار التنظيمات الإرهابية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"