قصائد على البحر المكسور

01:59 صباحا
قراءة دقيقتين

(1)

لا يموت الشعراء، ينسحبون كموجات من اليابسة الى عمق البحر تصنع ابداعاتهم حروبهم الطويلة ضد الموت. ونضالهم المرير لتكريس أمل ما، يبعثره الآخرون دوماً بلا مبالاة. سؤال يطرح نفسه في مواجهة العبث الانساني، أي منطق هو الأكثر اتزاناً، منطق الفيلسوف أم منطق الشاعر؟ الشاعر المجدد فلاح يقلب التراب، يحرثه، ويرى الشتلة قبل أن تنبت، والشجرة قبل ان تثمر.

(2)

بدر شاكر السياب وأمل دنقل ماتا باكراً، خليل حاوي وتيسير سبول ماتا منتحرين، وقصائد محمود درويش الأخيرة تحاكم العبث في الواقع العربي، ويتساءل فيها من أنا كي أقول لكم؟ كأنه يعلم، أو هو حقاً يعلم أن ما من أحد يستمع الى صوت الشاعر مهما كانت قامته الشعرية عالية، وقصائد نزار قباني التي كتبها في عزلته اللندنية، والتي نشرتها الحياة قبل أيام طافحة بالحزن، كأن نزار غمس ريشته في محبرة الأحزان ليكتب رثاءه لنفسه، ورثاء للكلام، وقد عنون احدى تلك القصائد بتعب الكلام من الكلام وعنون أخرى بمقاطع وهي القصيدة الأخيرة التي كتبها نزار، ويقول فيها:

أنزف الشعر، منذ خمسين عاماً

ليس سهلاً أن يصبح المرء شاعر

فخذوا شهرتي التي أرهقتني

والاذاعات كلها.. والمنابر

مات نزار وفي حلقه غصة، كتب عن الجمال في أزمنة يزداد قبحها وكتب عن الحب في أزمنة الكوليرا.

(3)

أرغفة الخبز في القصائد لا تشبع الفقراء.

المطر في القصائد لا يروي الأراضي المتصحرة.

النار في القصائد لا تدفئ المتشردين على امتداد أرصفة العالم.

الشجر في القصائد رمز لغوي لا يظلل كائناً من الشمس اللاهبة. لكن القصائد التي لا تشعر الانسان بالشبع وليس فيها من المطر رائحته، أو من النار حريقها، أو من الاشجار ثمارها وظلالها ليست قصائد والشاعر الذي لا يلامس الحزن قصائده فيوجعه، ويبكيه، إنما هو شاعر يكتب قصائده على البحر المكسور.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"