معدلات التحصين بلغت أعلى مستوياتها عالمياً

الحمّى الصفراء قنبلة موقوتة
23:39 مساء
قراءة 6 دقائق

يشير تقرير جديد صدر حديثاً عن منظمة الصحة العالمية واليونيسيف والبنك الدولي إلى أنّ معدلات التحصين بلغت، بعد الانخفاض الذي شهدته، أعلى مستوياتها على الإطلاق وأنّ استحداث اللقاحات بات يشهد انتعاشاً كبيراً في جميع أنحاء العالم . وأورد التقرير المُعنون حالة اللقاحات والتحصين في العالم بيانات جديدة تشير إلى أنّ عدد الرضّع المستفيدين من التحصين يبلغ الآن مستويات لم يسبق لها مثيل-حيث ناهز 106 ملايين رضيع في عام ،2008 ممّا يمثّل رقماً قياسياً .

ناشد واضعو التقرير، في الوقت ذاته، الدول المانحة سدّ العجز التمويلي الذي يظلّ ملايين الأطفال بسببه عرضة للخطر، ولاسيما في أشدّ الدول والمجتمعات المحلية فقراً، حيث تفرض الأمراض التي يمكن توقيها أفدح أعبائها .

وجاء صدور البيّنات الجديدة على النجاح الذي حققته جهود التحصين العالمية إجمالاً في الوقت الذي تضطلع فيه كثير من الدول بحملات من أجل التحصين ضد إنفلونزا الخنازير A/H1N1، ممّا يبرز الدور الفذ الذي تؤديه اللقاحات في توقي الأمراض السارية والتحديات المطروحة فيما يخص بلوغ أشدّ الفئات استضعافاً .

وذكر التقرير أن الحمّى الصفراء تشكل قنبلة موقوتة في الوقت الذي تم فيه القضاء على الحصبة قبل ثلاث سنوات من الموعد المحدد لذلك في أجزاء من إفريقيا ودول شرق المتوسط .

وأفاد التقرير أن ربع وفيات الأطفال دون سن الخامسة، أي حوالي 5,2 مليون طفل، تحدث بسبب أمراض يمكن الوقاية منها بالتحصين، وان اللقاحات تنقذ حالياً ما بين 2 إلى 3 ملايين شخص سنوياً، وان هناك حوالي 20 لقاحاً مستعملاً بشكل عام على مستوى العالم، بالإضافة إلى 20 لقاحاً جديداً أو مطوراً من المتوقع أن تتوفر بحدود عام 2015 .

كما اوضح التقرير انه لا يوجد بعد أي علاج للحمى الصفراء في إفريقيا حيث يموت حوالي 000,27 شخص سنوياً . كما يوجد نقص يقدر بحوالي 10 ملايين جرعة سنوياً للاستجابة للطلب في القارة السوداء .

وبالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة لستة ملايين جرعة لمواجهة أي انتشار محتمل للمرض .

وذكر التقرير أن القضاء على الجدري تطلب 100 مليون دولار على مدى 10 سنوات حتى عام ،1977 وقد أدى ذلك إلى توفير 3,1 مليار دولار تنفق سنوياً على علاج المرض والوقاية منه .

وأشار التقرير الى نجاح 9 دول إفريقية في القضاء على الكزاز الوليدي، وتطوير لقاحين اثنين ضد إنفلونزا إتش 5 إن 1 في الولايات المتحدة وأوروبا . كما بدأ ستة مصنعين للقاح في الدول النامية بتطوير لقاح ضد إنفلونزا إتش 5 إن 1 منذ أوائل عام 2009 ضمن مبادرة منظمة الصحة العالمية لنقل التكنولوجيا .

وفي عام ،2007 حصل حوالي 105 ملايين طفل تحت عمر السنة على المطعوم الثلاثي ضد االدفتيريا والكزاز والسعال الديكي مما وفر لهم الحماية ضد الالتهابات التي قد تؤدي إلى المرض أو الإعاقة أو الموت، في حين لم يحصل 24 مليون طفل آخر دون عمر السنة على هذا اللقاح خلال عام ،2007 ويعيش ثلاثة أرباع الأطفال تقريباً الذين لم يحصلوا على اللقاح في 10 دول هي بنجلاديش والصين وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا والهند وإندونيسيا والنيجر ونيجيريا وباكستان وأوغندا .

وذكر التقرير أن حوالي 3,1 مليون رضيع وطفل يموتون سنوياً بسبب أمراض رئوية وإسهال تتوفر اللقاحات الكفيلة بالوقاية منها، ويعمل مشروع لقاح التهاب السحايا على لقاح جديد ضد مرض المكورة السحائية المتوطن في كل بلدان العالم . وتستمر الفحوصات الإكلينيكية للوصول إلى لقاح للوقاية من التهاب السحايا (أ) الذي يؤدي إلى انتشار وبائي مميت كل 7 إلى 12 عاماً في إفريقيا جنوب الصحراء .

كما أشار التقرير الى نجاح دول شرق المتوسط التي تشمل دولاً مثل أفغانستان وباكستان والصومال والسودان في خفض الوفيات الناتجة عن الحصبة بحوالي 90 في المائة خلال الفترة من 2000 إلى ،2007 متمكنة بذلك من تحقيق هدف الأمم المتحدة لخفض الوفيات بنسبة 90 في المائة بحلول عام ،2010 ولكن بالرغم من أن نسبة الحصول على لقاح الحصبة بلغت 82 في المائة في العالم، إلا أن العام 2007 شهد التبليغ عن حوالي 000,197 وفاة من المرض .

كما انخفضت الإصابات بشلل الأطفال على مستوى العالم بحوالي 99 في المائة، من 000,350 حالة مبلغ عنها في عام 1988 إلى 655,1 حالة في عام ،2008 ومع ذلك بقي هذا المرض حتى شهر يونيو 2009 متوطناً في أربع دول هي أفغانستان والهند والنيجر وباكستان .

وحذرت الدكتورة مارغريت تشان، المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية من أنّ جائحة إنفلونزا الخنازير تسترعي الانتباه إلى ديناميكية عمليات استحداث اللقاحات والآفاق الواعدة التي تتيحها تلك العمليات . غير أنّها تذكّرنا، مرّة أخرى، بالعقبات التي تحول دون تمتّع عامة الناس في أشدّ الدول فقراً بمزايا العلم . ويجب علينا سدّ الفجوة التي تفصل بين الأغنياء والفقراء- بين من يمكنهم الحصول على اللقاحات المنقذة للأرواح ومن يتعذّر عليهم ذلك .

كما حذّر مسؤولون بارزون في الوكالات الدولية من أنّ اللقاحات المنقذة للأرواح، التي باتت شائعة في البلدان الغنية، لا تصل بعد لنحو 24 مليون طفل ممّن يواجهون أكبر المخاطر . وعليه لا بدّ من توفير مبلغ إضافي لا يقلّ عن مليار دولار أمريكي كل عام لضمان توفير اللقاحات القائمة والجديدة لجميع الأطفال في أشدّ البلدان فقراً والبالغ عددها 72 بلداً .

وقالت آن فينيمان، المديرة التنفيذية لليونيسيف، لقد شهدت وفيات الحصبة انخفاضاً بنسبة 74% في الفترة بين عامي 2000 و،2007 ولعبت عمليات التطعيم دوراً مهماً في ذلك الانخفاض . ويجب أن يُلهم هذا التقدم المحرز جهات أخرى ويحثّها على بذل جهود جديدة من أجل تمنيع الأطفال في جميع أنحاء العالم ضدّ الأمراض التي تتهدّد حياتهم .

ويشير التقرير إلى أنّ انعكاس الاتجاه من الانخفاض إلى الارتفاع تم، إلى حد كبير، بفضل جهود البلدان النامية التي أحسنت استخدام الدعم المقدم من قبل التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتحصين- وهو عبارة عن شراكة تسعى إلى تمويل اللقاحات وتضمّ منظمة الصحة العالمية واليونيسيف والبنك الدولي ومؤسسة بيل وميليندا غيتس . وتمكّن التحالف، منذ عام ،2000 من زيادة الأخذ باللقاحات الجديدة واللقاحات غير المُستخدمة بشكل كاف، التي باتت متاحة لأكثر من 200 مليون طفل في البلدان النامية .

ويفيد الخبراء أيضاً بأنّه بات يُتاح الآن ما لا يقلّ عن 120 لقاحاً- وهو رقم قياسي- لمكافحة الأمراض الفتاكة . وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية تمكّن الخبراء العلميون الذين يعملون في الأوساط الأكاديمية والشركات الصيدلانية، والذين يعمل الكثير منهم في إطار شراكات أُقيمت بين القطاعين العام والخاص بدعم من الحكومات والمؤسسات الخيرية، من استحداث لقاحات جديدة أسهمت في إنقاذ الأرواح من التهاب السحايا الناجم عن المكوّرات السحائية، والإسهال الناجم عن الفيروس العجلي، وداء المكوّرات الرئوية، والفيروس الحليمي البشري . كما أنّ هناك أكثر من 80 من المنتجات الجديدة التي بلغ استحداثها المراحل النهائية من الاختبار السريري، بما في ذلك أكثر من 30 من المنتجات التي تستهدف أمراضاً لا يوجد أيّ لقاح ضدّها في الوقت الراهن . وهناك، في الوقت نفسه، عدد كبير من اللقاحات المرشحة الجاري بحثها، بما في ذلك لقاحات تستهدف أمراضاً مثل الأيدز والعدوى بفيروسه والملاريا والسل وحمى الضنك .

كما لاحظ التقرير أنّ حجم سوق اللقاحات العالمي شهد اتساعاً بنسبة ثلاثة أضعاف على مدى الأعوام الثمانية الأخيرة، حيث تجاوزت إيراداته 17 مليار دولار أمريكي . وقد أسهمت زيادة الطلب على اللقاحات عبر وكالات الشراء التابعة للأمم المتحدة، فضلاً عن انتعاش عمليات اكتشاف اللقاحات واستحداثها، في تجديد تركيز دوائر الصناعة على اللقاحات . وذلك يعني أنّ صانعي اللقاحات في البلدان النامية يلبّون حالياً 86% من الطلب العالمي على اللقاحات التقليدية، مثل تلك التي تضمن الحماية ضدّ الحصبة والسعال الديكي (الشاهوق) والكزاز والخناق .

وقال غريم ويلير، مدير الشؤون الإدارية بمجموعة البنك الدولي، لقد شاهدنا طفرة عظيمة في توافر اللقاحات، حتى في أشدّ البلدان فقراً . بيد أنّه يجب على المجتمع الدولي والبلدان أنفسها ضمان وصول التكنولوجيات القائمة والجديدة، فعلاً، إلى أشدّ الفئات استضعافاً، وإلى الأطفال بوجه خاص .

وما فتئت تكاليف توفير اللقاحات لمن هم في حاجة إليها تشكّل قضية لا تمكّن الشراكات المالية، مثل التحالف العالمي من أجل اللقاحات والتحصين، إلاّ من تسويتها بشكل جزئي . ذلك أنّه لا يحقّ للبلدان المتوسطة الدخل الاستفادة من مساعدة التحالف، مع أنّها تؤوي 30 مليون طفل وملياري نسمة لا يتجاوز الدخل اليومي لكثير منهم دولارين أمريكيين . وحتى إذا تم تخفيض الأسعار بشكل كبير، فإنّ تكاليف آحاد اللقاحات الجديدة اللازمة لمكافحة داء المكوّرات السحائية، والإسهال الناجم عن الفيروس العجلي، والفيروس الحليمي البشري تفوق تكاليف جميع اللقاحات التقليدية الأخرى مجتمعة .

وقال الدكتور فريد وير، رئيس الرابطة الكينية لطب الأطفال، إنّ اللقاحات من الوسائل الخارقة لمكافحة الأمراض في جميع البلدان وهي لا تزال من المبيعات الذكية من زاويتي الصحة والاقتصاد . وللأسف مازلنا نشاهد، في بلدي الذي أعمل فيه، وقوع كثير من الأمراض والوفيات بسبب أمراض يمكن توقيها . وإذا تمكّنا من تخفيض تلك الأمراض والوفيات فسيُتاح المزيد من الموارد والوقت للتركيز على قضايا صحية أخرى .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"