عادي
الكتاب الأسود لقضية كلير ستريم الفرنسية

قصة مجانين ... 2/3

05:27 صباحا
قراءة 12 دقيقة
تأليف: فريدريك شاربيي / عرض وترجمة: بشير البكر

مشهد سوريالي يحاول هذا الكتاب، قصة مجانين، الكتاب الأسود لقضية كليرستريم، تفسيره، إذ لا أحد في فرنسا يعرف حقيقة ما هو الملف الذي هو الآن بين أيدي العدالة للبت فيه. الكل يتحدث عن كليرستريم ولكن لا أحد يستطيع فك الرموز، وتحديد مَنْ اعتدى على مَنْ، ومن هو الضحية حقيقة ساركوزي أم دوفيلبان، وأين يكمن الحق من الخطأ، وأين المؤامرة من البراءة... ألف سؤال وسؤال يربك المواطنين، وهذا ما يحاول ان يجيب عنه الصحافي فريديريك شاربيي في كتابه الصادر حديثا عن دار سوي.

كذبة عماد لحود حول بن لادن

لكن عماد لحّود له رأي آخر في الموضوع. يؤكد أنه لم يعرض أيّ خدمة على الاستخبارات الفرنسية، وأنه تم توريطه من قبلها.

مُنح اسما حركيا تيفوز، وهنا بدأ اشتغاله وادعاءاته وسيعترف أنطوان الضابط الفرنسي الذي كلف بمرافقته، لاحقا، بأن عماد لحود كشف له عن قدرته على تحديد العمليات المالية المريبة وعن قدرته، بدعم من المعلوميات، على تجميدها بل وتحويلها أو تدميرها.

بطبيعة الحال تحدّث لحود/تيفوز(اسمه الحركي) عن ارتباطاته التاريخية والمهنية بأسامة بن لادن، وهو ما جعله ذا قيمة في نظر الأجهزة.

بدأت اللقاءات بين لحود(تيفوز) وأنطوان، وبدأ أنطوان في كتابة تقارير عن هذه الاجتماعات، وقد تناولت معلومات عن محيط لحود الشخصي والعائلي وعن مشواره المهني، وتضمنت علاقاته مع الشبكات المالية لمجموعة بن لادن. وقد ادعى عماد لحّود أن له اتصالات مع الإليزيه أو حتى في محيط نيكولا ساركوزي، وكان حينها وزير الداخلية.

جرى اللقاء بين لحود وبين الضابط أنطوان. وقدم فيه لحود قائمة للوسطاء في الشبكات المالية لعائلة بن لادن. وقد ظل للنظام المالي الخفي لأسامة بن لادن الأولوية بالنسبة للأجهزة في اللقاء الأول مع لحّود. خصوصا وأن هذا الأخير أكد أنه التقى الزعيم الإرهابي ثلاث مرات، الأخيرة كانت في مارس/آذار 2001 في بيروت، وقد حرص الضابط أنطوان على تتبع تاريخية العلاقة بين لحود وبن لادن، كما حكاها لحود.لكن لحود يكذّب هذه الواقعة. ويقول بأنه لم يَدَّعِ أبدا أنه التقى بأسامة بن لادن.

لا يمكن أن نعرف الصحيح من الغلط. فحسب اعترافات الأجهزة، فإنّ لحود تحدّث عن لقاءات ثلاثة مع بن لادن. اللقاء الثالث هو المهم في نظر الشرطة الفرنسية، لأنه يمكن منه تتبع مسار بن لادن وتضييق الخناق عليه.لكن التقرير الذي أعده لحّود لبن لادن للأسف لم يحتفظ لحود بنسخة منه.

أشياء كثيرة تفوق الخيال، بخصوص هذه العلاقة بين عماد لحود وأسامة بن لادن، عدو الأمم المتحدة رقم واحد. ولنقرأ هذه الوثيقة التي عُثِر عليها في منزل الجنرال روندو، وتتحدث عن النصائح التي يكون (عماد لحود) قد وجهها لأسامة بن لادن، حيث يدعوه فيها إلى التزام الحذر الكبير: يجب التوقف إلى أقصى درجة عن استخدام قنوات التحويل الكلاسيكية (SWIFT وكذا التحويلات بين بنكين). الآثار تظل خلال عشر سنوات كما أن الانتربول تمتلك وسيلة فعالة جدا لفحص الأرشيفات وإذاً الصعود إلى هذا النوع من التحويلات. إن هذا النوع من النظام (SWIFT) لا يتوجب استخدامه إلا حين يتعلق الأمر بمبالغ صغيرة.

وفي الواقع، وأخذا بالحسبان في كمية التحويلات التي تمرّ عبر هذا النوع من الشبكة، فإن السلطات المختصّة تجد نفسَها مرغمةً على الاختراق حسب قيمة المبلغ، ويستحسن لهذا النوع من التحويل استخدام صهائر وفي نهاية الأمر سحب الدولار الأمريكي، نقْدا. إن مَخاطر اختفاء المصهر مع النقود تظل ضعيفةً. يتوجب العثور على موجّهات لقناة بالغة التعقيد.وفي حقيقة الأمر فإن بعض القنوات البالغة التعقيد تصبح خطيرة وبعض المختصين بِعِلم واجبات المهنة البنكية سيطرحون أسئلة حول الحقيقة الاقتصادية لهذا النوع من العمليات المالية. يبدو لي، مثلا، أن الدورات التي وضعت من خلال Dresdner Bank يتوجب استخدامها في أكثر الأحوال من أجل هذا النوع من العمليات.

الاستخبارات الفرنسية ليست غبية، وحين تبحث عن الوثائق المؤيدة لما يزعمه عماد لحود، يأتي الجواب: لقد وضع في مأمن في لبنان، عند والدته وعند اثنين من أصدقاء طفولته وثائق تتعلق بالعمليات المالية التي أجراها لحساب شبكات بن لادن، وهنا ندخل في مسرحية مضحكة اسمها تسلم الوثائق من قبل والدة عماد في بيروت. الوالدة (والدة عماد) اقترحت على ابنها الحضور لتسلم الوثائق ولكن أنطوان (الضابط الفرنسي المرافق) غير متحمّس. فيقترح عماد إرسال أخيه مروان لتسلم الوثائق. لكنّ مروان يرفض التوجه إلى بيروت بسبب تناقض عمله على رأس شعبة حساسة في EADS مع هذه المهمة. ولكنه في المقابل يعده بتسهيل الأمر عليه في بيروت. بعد عشرة أيام يتصل الضابط أنطوان من بيروت بمروان لحود ويسأله التدخل لدى والدته. ولكن المفاجأة كانت كبيرة: الوالدة تؤكد أن لا وثيقة لديها، وأنها تجهل كلية طبيعة الموضوع. لم يُلح مروان كثيرا وأخبر أنطوان على الفور بأنه سافر سدى، وبعد أن يعود الضابط ويلتقي بمروان ويبدأ في الحديث عن شكوك تنتابه فيما يتعلق بمعلومات عماد، يجيبه مروان: ليس لأنه أخي، لا يتوجب اعتباره مصدراً عادياً، وقبل أن يتم إخبار عماد لحود أنه تم التخلي عن خدماته في اختراق شبكات تمويل بن لادن، دعا الجنرال شمبتيو وأنطوان مروان لحود إلى لقاء عشاء. وحين تم إخبار مروان بالتخلي عن أخيه، كرر ما قاله من قبل للضابط أنطوان: ليس لأنه أخي، لا يتوجب اعتباره مصدراً عادياً.

لم يتفاجأ عماد لحود من تسريحه. فقد كان الجنرال روندو قد أخبره بالأمر، بل وأمره بالاشتغال معه بصفة مباشرة وباتفاق مع الوزيرة ميشيل أليو ماري.وبالفعل كان عماد محظوظا، فعلى الرغم من هذا الفشل المدوي، رأى الجنرال روندو أن الفشل مردّه عجز الاستخبارات الفرنسية عن امتلاك قدرة تقنية لتناول المعلومة، وبدأ الجنرال روندو يهتم شخصيا بهذا المصدر(عماد) على الرغم من أنه وصفه في مذكرة بتاريخ 11 ابريل/نيسان 2003 بشخص غريب الذي ليس من اليسير عنده التمييز بين الصحيح والخطأ في تصريحاته. وفي السياق نفسه كتبت أسبوعية ماريان الفرنسية بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2003 مقالاً من توقيع فريديريك بلوكين وإيريك ميرلين يمكن تلخيص مضمونه بالكشف عن انتصارات ضخمة للاستخبارات الفرنسية التي استطاعت حسب المجلة: اكتشاف عمليات مالية غامضة لشبكات القاعدة، ولكن الأمر سرعان ما يظهر أنه من وحْي عماد لحود (على الرغم من أنه نفى الأمر بشكل قاطع أمام الجنرال روندو)، الذي تعرّف على الصحافي (موقع المقال) إيريك ميرلين مع أخيه مروان.

لا شيء يغيّر من إرادة الجنرال روندو، الذي كان لا يزال يعتبر بصدق أن عماد يمتلك وثائق في بيروت، وهو ما كتبه لوزيرته. لقد طلبت منه (أي من عماد لحود) أن يسترجع الوثائق التي لا تزال في مأمن في لبنان، وهو ما يمكن أن يتمّ من طرف أخيه مروان في الصيف، وأن يكشف لي، كتابيا، عن الشروط المحدَّدَة التي أقام فيها أسامة بن لادن في بيروت في فبراير/شباط 2001.

أثر الاستخبارات العامة

يتحدث المؤلف صراحة عن دور خفي للاستخبارات العامة في القضية، ويشير إلى أن بريجيت هنري لم تكن الوحيدة من أعضاء الإدارة المركزية للاستخبارت العامة، التي احتفظت طيلة تَكوّن قضية كليرستريم بعلاقات منتظمة، بل وودية، مع عماد لحود. هذه المعلومة كتبها الضابط أنطوان في فقرة من مذكرة تعود إلى تاريخ 24 فبراير/شباط 2003. وفي مادة اتصالات عماد لحود مع أجهزة الاستخبارات أو مع الشرطة نكتشف أن لحود، أو اسمه الحركي: تيفوز، ربما له شخصٌ يتصل به غير مُشار إليه في الإدارة المركزية للاستخبارات العامة، ومعنى هذا في نظر المؤلف أن غير مشار تعني أن الإدارة العامة للأمن الخارجي جهلت هذا الاسم، وهو مخالفٌ لكلّ ما هو معمول به في المقر، كما تؤكد على ذلك موظفة سابقة في الجهاز. فإمّا أن الإدارة العامة للأمن الخارجي لم تحترم قواعدها الخاصة بها أو أنها تخفي شيئا ما.من هو هذا الشخص؟

يذهب عماد لحود في كتابه المذنب المثالي إلى أن الشخص الذي كان يتعامل معه هو فرانسوا كازانوفا. وهو يذكُره كثيرا في حين أنه لم يذكر لقاءاته مع بريجيت هنري. ويقول الكاتب لكن للأسف، لا يمكننا التحقق من الأمر، خصوصا وأن عماد لحود لم يتوقف عن الكذب والادعاء، لأنّ فرانسوا كازانوفا توفي نهاية صيف 2004 وبالتالي حمل سرَّه معه.

لقد مات كازانوفا الذي كان قد لعب دورا كبيرا في القبض على الكورسيكي إيفان كولونا، لأنه هو الذي قدّم لبرنار سكارسيني، المكلف من قبل ساركوزي بموضوع القبض على كورونا، المُخبر الذي سيساعده فيما بعد في القبض على إيفان كولونا.

إذاً فإن التحقيق أثبت أن هذا المُقرَّب، (وليس الحميم) من برنار سكارسيني، التقى عماد لحود في نهاية 2002 وبداية ،2003 أي في الفترة الأساسية لقضية كليرستريم.

يركز التحقيق القضائي على معرفة قضية إدارة مراقبة التراب الوطني وأجهد نفسه، عبثا، من أجل معرفة الشخص الذي زار عماد لحود في السجن. أن يكون لحود التقى أم لم يلتق شخصا في السجن ليس مسألة تافهة في سياق قضية كليرستريم. إلا أنه يبقى أنه لو حدثت هذه الزيارة ستترك بالضرورة آثارا، لأن الدخول إلى السجن لا يشبه الدخول إلى طاحونة، لأن هوية أي شخص زائر للسجن يتم تدوينها بعناية، سواء كان يحمل اسما مغلوطا أم أنه يحمل بطاقة شرطة مزورة. هكذا طلبت العدالة أن تسلَّم لها سجلاّت سنة 2002 التي تتضمن قائمة كل زوار سجن لا سانتي. لكن المفاجأة هي أن مديرة سجن لا سانتي أرسلت جوابا، بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني ،2007 على طلب العدالة تسليمها القائمة، تقول فيه: يستحيل علينا تحقيق البحث المطلوب لأن سجلّ مكتب إدارة السجن لسنة 2002 لم يتم الاحتفاظ به في أرشيفات السجن.

بمرارة يتساءل الكاتب: ما الذي تعنيه جملة لم يتم الاحتفاظ به (السجل)؟ هل يمكن أن نفهم أنه تم إضاعته، أو سرقته أو إتلافه؟ على كل، فإن الأمر يتعلق بمصادفة معاكسة، اللهم إلاّ إذا كان لحود قد تلقى خلال صيف 2002 زوّارا كانوا أقوياء إلى درجة إخفاء وثائق معرّضة للشبهة... ما يدعو للريبة هو أنه يتم القيام بتحقيق من أجل العثور على سجلّ سنة 2002. ربما هذا الأمر لا يستحق العناء، مثل أثر الاستخبارات العامة.

بينما تم إغلاق التحقيق القضائي في 27 نوفمبر/تشرين الثاني ،2008 نقلت صحيفة لوبوان الفرنسية اعترافات عماد لحود التي يقول فيها إنه التقى إيف برتراند ست مرات... وأن آخر مرة يلتقي فيها إيف برتراند كانت في مكتبه من أجل إضافة اسم ساركوزي في القائمة المزورة. إنه الاسم الوحيد الذي قمتُ بإضافته. وحدث الأمر بحضور شخص ثالث، الذي أفضل لحد الساعة عدم ذكر اسمه.

في البداية رفض عماد الاعتراف بإضافته لاسم ساركوزي وها هو الآن يقبل الأمر. بل إنه فعل ذلك في مكتب المدير العام للاستخبارات العامة. لكن بأي مكتب يتعلق الأمر؟ هل بالمكتب الذي كان إيف برتراند يحتله في الإدارة العامة للاستخبارات العامة الذي يطلّ على حديقة الوزارة أم بالمكتب الذي سيحتله ابتداءً من فبراير/شباط 2004 في المفتشية العامة للإدارة؟ في كتابه الذي نشره سنة 2006 عن منشورات بريفي، يؤكد (لحود) زعم لقاء أسامة بن لادن في لبنان، أنه التقى ساركوزي مرتين، أول مرة حدث الأمر في وزارة المالية في صبيحة 16 سبتمبر/أيلول من سنة ،2004 وقال له ساركوزي: أود أن أعرف هل أنت أم دونيز روبرت من قدم الوثائق إلى القاضي فان رويمبيك؟. وكان ساركوزي قد علم ابتداءً من 5 سبتمبر/أيلول، وعن طريق مدير إدارة مراقبة التراب الوطني، أن جون لويس جيرغورين هو كاتب الخطابات المجهولة.أما اللقاء الثاني، فيصفه المؤلف بأنه كان لقاء رومانسيا. وحدث في البرلمان، في يوم 8 ديسمبر/كانون الأول من سنة ،2004 وهو اجتماع لم يسفر عن شيء. وبسخرية يعقب الكاتب على الأمر: ولكن عماد لحود لم يستطع أن يبرهن على لقاءاته مع بن لادن ومع ساركوزي.

شخصيات المسرحية

شخصية جديدة تدخل المسرحية هي صحافي سبق أنه أن أشرف في جريدة ليبراسيون الفرنسية على خلية البحث والتقصيّ فيها.وهو يخوض معارك ضد شبكات تبييض الفساد.وعلى وجه الخصوص المتعلقة بغرفة المقاصّة كليرستريم. ولكن انتقاداته واتهاماته القاسية لكليرستريم والتي تضمنها كتابه تبين أنها لم تكن صحيحة. بعد التحقيقات ظهر ما يأتي: كليرستريم لا يمكن أن تُتَّهَم بأنها لجأت إلى أنشطة تبييض منتظمة...، وهكذا فإن الثقب الأسود الشهير لعاَلَم المال العالمي الذي تحدث عنه كتاب R#233;v#233;lations بدا وكأنه تبخَّرَ: انقلبت كليرستريم على متهميها، وبشكل خاص على دونيز روبرت. ولكن الشبهة، في نظر البعض، ظلت موجودة.روبرت دونيز لا يزن شيئا في مواجهة القوة المفرطة والعالمية لكليرستريم التي تنتقل من خلالها يوميا عشرات المليارات من الدولارات، وقد انهار دونيز روبرت أمام المتابعات القضائية التي انهالت عليه على الرغم من أنه لا يزال يعتقد بصدق رؤيته. يريد أن يبرهن على حسن نيته، وأنه، على الرغم من الخلاصات القضائية، لم يخطئ. وهو يكرر: لقد فتحت الباب أمام الذين يهتمون بكليرستريم، وهذا ما سيتبين لاحقا من خلال التقاطع مع خيوط لحود.

منذ خروج لحود من السجن لم يعد يفترق عن صديقه الصحافي إيريك ميرلين، فأراد الصحافي معرفة رأي لحود في موضوع غرفة المقاصّة كليرستريم وأيضا معرفة رأي من يعتبره متخصصاً في ميكانزمات البورصة بخصوص كتاب دونيز روبرت. لم يكن لحود قد قرأ الكتاب ووعد بشرائه. واتصل إيريك ميرلين بزميله (اشتغلا معا لفترة في صحيفة ليبراسيون) دونيز روبرت وحدّثه عن صديق حميم جدا قادر على مساعدته في محاكمته. ولكن عند اللقاء لم يكن دونيز يعرف أن لحود يشتغل مع الاستخبارات الفرنسية ولم يكن قادرا على تصوّر أن لحود اقترح على الإدارة العامة للأمن الخارجي أن يتسلموا في بيته قوائم كليرستريم التي يمكن أن تكون مفيدة في تجميع المعلومات التي يمتلكها بخصوص الشبكات المالية لأسامة بن لادن، كما أن دوني لم يكن يعلم أن الضابط المرافق لعماد لحود نصحه باتخاذ الحذر من دونيز، ولا أن الإدارة العامة للأمن الخارجي هي من سيدفع تكاليف تنقل من سيستقبله يوم 26 فبراير/شباط 2003 في محطة مدينة ميتز، ولحود المنتفخ كبرياء في ميتز، من كان يتصوره قابعا في السجن قبل أسابيع في لاسانتي؟

أخفى لحود سر مجيئه للقاء دونيز وطفق يحدثه عن ظروف السجن القاسية وعن الفضيحة العائلية، ولكنه كان في حقيقة الأمر يريد الحصول على الوثائق التي انطلق منها دونيز في كتاباته. وكي يخدع روبرت دونيز تحدث عماد لحود عن كليرستريم التي ادّعى اكتشافها حين كان في السجن، من خلال قراءة كرّاس صغير حول الفراديس الضريبية لمنظمة أتاك وأنه لم يقرأ كتابه إلا بعد خروجه من السجن.

يتذكر دونيز أنه خلال ذلك اللقاء سأله عماد إن كان ألان غوميز، مدير مجموعة طومسون، يوجد في القائمة. وقد كان الجواب بالنفي.

ذكاء عماد وسهولة كلامه جعلت الصحافي روبرت دونيز يفكر في كتابه القادم. فاقترح على لحود أن يشتغل معه على الجزء الثالث من مغامرات في بلاد المال. لم يبد لحود اعتراضا على الأمر، لكنه ارتأى أن يقوم مسبقا بدراسة الوثائق عن كليرستريم التي توجد بحوزة روبرت دونيز كي يستطيع تحديد رأي خاص به. كان دونيز يجهل أن عماد لحود أتى لرؤيته من أجل الحصول على جذاذات كليرستريم، ولم يجد روبرت دونيز مانعا من منح لحود نسخا من قاعدة المعلومات، وتتضمن 33 ألف إشارة مرجعية للزبائن، أي مجموع الحسابات البنكية التي افتتحت في كليرستريم بتاريخ أكتوبر/تشرين الأول ،2001 كما أنه منحه نسختين من قرصين يتضمنان قائمة الحسابات التي سلمها له سنة 2002 بعد صدور كتابه R#233;v#233;lations فلوريان بورجيس وهو شاب متخصص في المعلوميات ساهم ما بين يوليو/تموز ونهاية سبتمبر/أيلول 2001 في التدقيق الذي أجرته جماعة أندرسون، لفائدة شركة كليرستريم، وفي اليوم التالي من هذا الاجتماع المثمر التقى عماد بضابط الاستخبارات الفرنسية أنطوان، وسلمه القُرْصين. وسوف يكتب أنطوان في تقريره أن عماد سلمه قرصين يتضمنان قائمة حسابات مرقمة وغير مرقمة لدى كليرستريم (غرفة المقاصّة للقيم المنقولة في لوكسمبورغ). لكن السؤال الذي يظل ملحا: ما العلاقة بين بن لادن وبين هذين القرصين؟

سيعترف زعيم الإدارة العامة للأمن الخارجي بيير بروشارد Pierre Brochard: فحصٌ سريع للقرصين بيّن أن ليس ثمة أي علاقة مع موضوع علاقتنا مع السيد لحّود ما دام أنهما يتضمنان فقط أسماء مؤسسات بنكية من دون أن يسمح المقام بإقامة أدنى علاقة مع تمويل الإرهاب الدولي. وقد قمنا بأرشَفَتِهما من دون إعارتهما أهمية.

الشخصية الأخرى التي تدخل في الحلبة هو جون لويس جيرغورين، المولود سنة 1946 من أم سلافية وأب فرنسي. يقول عنه الكاتب: إنه كبر وترعرع في الأحياء الباريسية الراقية، ويتحدث الكاتب عن مؤهلاته وشواهده المدهشة. وترقى بطريقة أكثر إدهاشا حتى أصبح نائباً لرئيس مؤسسة الدفاع والفضاء الأوربيين EADS. أصبح جيرغورين، أكثر من أي وقت مضى، رجلا يُحسب له حسابٌ وشخصية في مرأى عين عالَم السلاح الأوروبي، وقادرا على شد الخيوط في كل الاتجاهات. (...) يجذب من حوله العديد من المتملّقين الذين يلتفون حول هذا الرجل القوي الذي يمتلك وفرة مالية لعملاق التسلح كما يمتلك سلطة في الصحافة وفي عالم النشر، ولكن بوفاة لاغاردير أحسّ جيرغورين أن جزءاً من عالمه قد انهار، بعد أن ظل إلى جانبه ما يقرب من عشرين سنة، وهو يساعده إلى درجة أنه أصبح أكثر مستشاريه قربا منه. وقد ظل جيرغورين طويلا، وهو يشكك في وفاة لاغاردير(الطبيعية)، وظل يرى فيها يدا خفية.وهو ما رأى فيه الكاتب تصرفا مثيرا للريبة: لماذا يحسّ نائب رئيس EADS بكثير من الصعوبة في تقبّل ما يراه الجميعُ مسألة بدهية: موت جون لوك لاغادير ليست سوى ضربة من القدر؟ لماذا يرى فيها نسجا من مؤامرة إجرامية وروسية؟ وكما يقول المثل: لا دخان من دون نار.

في نهاية أبريل/نيسان 2003 سيلتقي أخيرا جون لويس جيرغورين مع عماد لحود. وكان اللقاء وديا، وتحدث جيرغورين عن نظريته حول مقتل لاغاردير، والتهمة التي تتوجه نحو الثلاثي الروسي: شميت- ماندجوكوف كايكارا. وقبل أسبوعين من اجتماع مجموعة لاغاردير الذي جرى 13 مايو/أيار 2003 تم تكليف عماد لحود من قبل جيرغورين ب بمهمة تقييم مخاطر زعزعة مجموعة لاغاردير بتحريض المصالح الأمريكية التي تسيطر على حقوق التصويت الحاضرة...، ولكن المسألة كانت في نهاية المطاف عبارة عن تنافس شديد بين جون لوك لاغاردير وألان غوميز، رئيس طومسون، لم تستطع العدالة الفرنسية أن تبُتَّ فيه.

ويكتب المؤلف: وخلال كل هذه السنوات لم تتوقف التهجمات من هذا الطرف أو من ذاك. وقد تعرض جون لويس جيرغورين للعديد من التهديدات (...) وكان يتلقى في أوقات متأخرة من الليل تهديدات بالموت (وقد اعترف أحد مساعدي ألان غوميز المُقرّبين، في تلك الفترة، أنه أجرى العديد من المكالمات التهديدية). وقد انتهى به الأمر إلى الانهيار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"