عادي
حصار ميليشيات التمرد وقصفها يزدادان وطأة على خطى «مضايا» السورية

تعز.. تنام على أصوات المدافع وتصحو على أشلاء السكان

04:28 صباحا
قراءة 8 دقائق

تعز وئام الصوفي:

تعيش مدينة تعز أوضاعاً مأساوية صعبة، في ظل حصار خانق ومطبق من قبل ميليشيات الحوثي وصالح المتمردة وأحكام سيطرتها على كافة منافذ المدينة وقصفها العشوائي العنيف على الأحياء السكنية وما تخلفه من ضحايا مدنيين بشكل يومي. وفي تعز تزداد المعاناة يوما بعد آخر، في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية الصعبة وانعدام كافة مكونات الحياة الأساسية، فيما يسلك المواطنون طرقا وعرة وعلى ظهور الحمير لإيصال بعض حاجاتهم.. وعليه يؤكد ناشطون ان مدينة تعز تسير على خطى بلدة مضايا السورية بالجوع والعطش والإبادة الجماعية.

تمثل محافظة تعز أكبر تجمع سكاني في اليمن، وتحتل المرتبة الأولى من حيث عدد السكان في البلاد، إذ يشكل سكانها ما نسبته (12.2%) من سكان الجمهورية اليمنية، حيث وصل عدد سكانها إلى (2,885,000) نسمة، عام 2011، حسب آخر إحصائيه ذكرها المركز الوطني للمعلومات، يسكن (466988) نسمة في مديريات المظفر والقاهرة وصالة، مدينة تعز، وهي مناطق محاصرة حالياً. ومنذ شهر إبريل العام الماضي وميليشيات صالح والحوثي تشن أبشع حرب ضد مدينة تعز، مستخدمة مختلف أنواع الأسلحة لإخضاع المدينة التي فجرت ثورة 11 فبراير 2011م، التي أطاحت الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من رأس السلطة. صحيفة «الخليج» عاشت المعاناة مع أهالي مدينة تعز وتجولت في شوارع المدينة المحاصرة للاقتراب من معاناة هذه المدينة الصامدة.
يقول الناشط الشبابي ذي يزن السوائي ل«الخليج» إن الحرب البربرية على تعز من قبل ميليشيات صالح والحوثي، عوضاً عن انتهاكاتها لمبادئ القانون الدولي الإنساني الذي يحمي المدنيين من الصراعات، فإنها ترتكب جرائم تفوق خيال كتّاب المرجعيات القانونية الدولية، فالميليشيات تفرض حصاراً غاشماً على المدنيين وتمنع دخول المواد الغذائية والطبية، كما تواصل قصفها العشوائي للأحياء السكنية وبشكل يومي، وتخلف قتلى وجرحى لا ندري إلى أين نقوم بإسعافهم؟!.

ياقوت الصبري تحدثت من جانبها قائلة نحن في تعز صامدون دائماً ننشد الحرية ونناشد العالم والمنظمات الدولية الوقوف إلى جانب تعز.. تعز صامدة تعز تباد من قبل ميليشيات الحوثي وعلي صالح، نريد الحرية لأبناء تعز. أما الناشط الحقوقي عبد الستار الشميري فقال ل«الخليج» يرى أن «تعز تتعرض لنوعين من الانتهاك للقانون الدولي والإنساني، جرائم ضد الإنسانية ممثلة بالقصف المنهجي على المساكن والأسواق بشكل يومي وينتج عن مزيد من الضحايا المدنيين، كما أن المستشفيات استهدفت بمدينة تعز وهي تعج بالمرضى والجرحى.. أما النوع الآخر فهو تعرض أبناء تعز إلى جريمة إبادة جماعية عن طريق الحصار ومنع الغذاء والماء والدواء والوقود وكل الحاجات الأساسية، ويشمل الحصار المدينة من الجهات الشرقية والغربية، ووضع نقاط تفتيش ومنع دخول أية حافلة مساعدات، واحتجاز شاحنات الأدوية والمساعدات الغذائية، سواء أكانت تابعة لجهة دولية مثل برنامج الغذاء العالمي، أم لفاعل خير». وأضاف أن «الوضع الإنساني يزداد بؤساً، وترتفع الأسعار بنسبة 300%، مع التحول للأخشاب في الطبخ والحطب، وتحول «الحمير» إلى وسيلة المواصلات وعيش في الظلام بسبب انقطاع الكهرباء منذ 9 شهور، يوجد داخل المدينة مليون مواطن محاصر في معتقل كبير يعانون الجوع المختلط بالخوف من القذائف».
ومن جهته، قال الدكتور احمد فرحان ل«الخليج» إن «سكان تعز يرزحون تحت حصار فعلي، وإن عدداً من المستشفيات الرئيسية اضطرت لإغلاق أبوابها نتيجة انعدام المشتقات النفطية، وتسبب توقف المؤسسات الصحية في انتشار أمراض «حمى الضنك»، والكوليرا، والملاريا». وحسب الناشطة اشراق المقطري فإن «معاناة تعز ليس لها شبيه، فقد اضطر الناس هنا لتنظيف أسطح المنازل ليستقبلوا ماء المطر ويشربوا منه، بعد انعدام الماء وبعد حوادث مقتل وإصابة سائقي شاحنات نقل الماء وتعميد الحصار بالدم». وزادت: «كان ردهم على كل سائقي شاحنات نقل الماء: اتركوا «الدواعش» يموتون.. أنتم من قلتم ارحل. ووصل الحال بهم إلى التبول داخل صهاريج الماء، وصب حمولة بعضها على الأرض، حتى اضطرت محطات التحلية لإغلاق أبوابها. ولم يتوقف الأمر على الماء حتى الدقيق والبُر عاملوهما كالمتفجرات والمخدرات، فمنعت حتى الكميات القليلة، وتم نثرها أمام حامليها مع التهكم والسخرية والسب: خلوّا السعودية تنفعكم وهادي يعطيكم». وأضافت المقطري: «لا توجد أسرة لم تتحول لاستخدام الموقد البدائي بعد أن منع المتمردون أسطوانات الغاز، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر الحطب وندرته إلى أن تم منعه أيضاً.. وضع قاتل بكل معاني الكلمة يعانيه المحاصرون الفقراء بتعز في ظل مجتمع إقليمي ودولي لا يكترث بقضيتهم». وأشارت المقطري إلى أنه «مع بداية الحرب وضح للناس ضعف البنى التحتية التي تجاهلها علي صالح، وفضل بدلاً منها شراء أسلحة ليواجه بها الشعب الثائر ضد حكمه، ودعماً لأسرته ومطامعه».

استمرار الحياة على ظهور الحمير

تحاول ميليشيات الحوثي وصالح السيطرة على موقع جبل العروس (في أعلى قمة جبل صبر جنوب المدينة)، والذي يطل على كامل المدينة، في محاولة منها لإحكام حصارها الخانق على المدينة، والذي يترافق مع قصف لا يتوقف على الأحياء السكنية، وهو ما يعرض السكان للموت في أية لحظة، وخصوصاً بعد انعدام القدرة على علاج الحالات الخطرة ولا سيما بعد النقص الحاد في أنابيب الأوكسجين في المستشفيات نتيجة الحصار. أما أهالي المدينة فيعتمدون على الطرق الجبلية الشاقة لمحاولة تسريب الحياة ومستلزماتها إلى مدينتهم، تأكيداً منهم على رفض الاستسلام لتحالف الانقلاب والسياسة الانتقامية التي اختار انتهاجها ضد المدينة.
قبل ثلاثة أشهر حررت المقاومة الشعبية مديرية «مشرعة وحدنان»، إحدى المديريات التابعة لجبل صبر ومنذ ذلك الحين، مثلت المديرية المحررة المنفذ الوحيد لإدخال الدواء والغذاء إلى مدينة تعز المحاصرة، والتي تعاني نقصاً حاداً في مختلف مستلزمات الحياة ويحاصر سكانها الجوع والموت في آن معاً.
وغالباً ما تنقل المواد الضرورية لاستمرار الحياة على ظهور الحمير، نظراً لوعورة الطريق التي تمر عبر سلسلة جبلية ممتدة في الأجزاء الجنوبية للمدينة، فيما تستميت ميليشيات الحوثي وصالح الآن للسيطرة على الجبل وإغلاق الطُرق البديلة التي تتسرب منها الحياة إلى المدينة.
المواطن محمد شرف القدسي تحدث ل«الخليج» وقال: «حاصرونا وقتلونا وشردونا، لا نستطيع الحصول حتى «لحبة الطماط» ولا خضراوات ولا فواكه ولامياه صالحة للشرب ولا غذاء، ونحن في وضع انساني كارثي حتى الإغاثة التي أتت إلينا منعوها من الوصول وهي من منظمات خارجية، ولذلك سلكنا الطرق الوعرة لإدخال جزء بسيط من مستلزمات الحياة في ظل حصار ميليشيات الحوثي وصالح للمدينة،.. لكن الفرج قريب بإذن الله وبعزيمة الشباب وقيادتهم في المقاومة الشعبية الذين سطروا أعظم البطولات في كل الجبهات القتالية وسيتم دحر تلك الميليشيات قريباً من مدينتنا».

معبر الدحي في تعز

تحول منفذ الدحي في مدينة تعز إلى ما يشبه معبر رفح في فلسطين المحتلة من قبل «إسرائيل» وتغلقه ميليشيات الحوثي وصالح متى ما شاءت وتفتحه أمام المارة متى أرادت ويتم تفتيش المشاة بشكل دقيق وفردي. «الحياة أصبحت أكثر قسوة بالنسبة لنا سكان مدينة تعز» بهذه العبارات المأساوية تحدثت المواطنة الهام العديني ل«الخليج» وأوضحت: الخروج إلى منطقة «بير باشا» لجلب أسطوانة غاز أصبح مخاطرة حقيقية، ميليشيات الحوثي وصالح تمنع دخول المواد الغذائية إلى وسط المدينة ونضطر للمخاطرة والخروج إلى «بيرباشا» لجلب الحاجات الأساسية لأسرنا».

وأضافت العديني عناصر ميليشيات الانقلاب يعاقبون الناس في منفذ الدحي ويسجنون الشباب، أفعال تجعل المرء يكره الحياة، ويفتشون النساء بشكل قذر ويصطف الناس طوابير لأجل الدخول للمدينة ويطلقون الرصاص لإخافتهم.. الحياة أصبحت صعبة، لدرجة يتمنى المرء فيها الموت ولا«بهدلة» ميليشيات الحوثي وصالح في الدحي».
ووفقاً لما تحدث به عبد الله المخلافي ل«الخليج» فإن «ميليشيات الحوثي وصالح تتعمد إذلال المدنيين، بغرض تكوين نقمة على المقاومة الشعبية، وتقوم بعمليات تفتيش تطال حتى الأدوية الشخصية، ففي معبر الدحي تمارس الميليشيات أبشع عملية إذلال لأبناء تعز وتركيعهم». وأضاف: «إن المدينة تحولت إلى سجن إجباري منذ حصار ميليشيات الحوثي وصالح لها».
ومن جانبه هشام المغني يقول: «في ظل الحصار الذي تفرضه الميليشيا أثبت أبناء تعز للعالم، أن تعز هي الصمود وأن هدفهم هو دحر الغازي «الفارسي» الذي قتل الأطفال والنساء، وهم آمنون في منازلهم وطوق عليهم الحصار منذ أشهر ومنفذ الدحي أحد المنافذ الذي جعل الميليشيات أحياناً تعتدي علينا بالضرب والتلفظ بالفاظ جارحة ومسيئة لأبناء تعز، وبهذا ما زلنا نقاومهم ونقهرهم يوماً بعد يوم بصبرنا وثباتنا وعزتنا وقريباً سننتصر عليهم ونطهر تعز من هذه الميليشيات المتغطرسة التي قطعت الماء والدواء والغذاء ودمرت كل شيء جميل في مدينة الثقافة والعلم، وجعلتنا نحمل السلاح لمواجهة هذا العدو الغاشم».

نسخة من مضايا السورية

مدينة تعز تسير على خطى بلدة مضايا السورية من حيث سياسة التجويع والعطش التي انتهجها بشار الأسد بالمدنيين السوريين، وها هي الميليشيات الانقلابية تحول مدينة تعز كنسخة أخرى من بلدة مضايا في سوريا. وتقول الناشطة رفيقة الكهالي ل«الخليج»: «تعز تعاني ما تعانيه مضايا السورية، نحن محاصرون من قبل ميليشيات الحوثي وصالح، التي ترتكب جرائم ضد الإنسانية في المدينة، فأهالي تعز يقتلون ويبادون وسط صمت دولي». وأضافت الكهالي: «نطالب العالم أجمع وأحرار العالم بالوقفة الجادة مع تعز المحاصرة». أما الناشط الإعلامي زكريا الشرعبي فيرى: «في الحقيقة، المشروع الذي تديره إيران في المنطقة عن طريق أذرعها في سوريا وفي اليمن، بعد أن رفض الشعبان سيطرة هذا المشروع الطائفي العنصري وصمدوا صمودا أسطوريا في وجهه، عمدت إيران عبر أجندتها وعبر أذرعها في سوريا وفي اليمن إلى حصار المدن الرافضة أكثر، مثل مضايا وتعز وتجويعهما من أجل أن تركعا». وأضاف الشرعبي: «أتوقع أن هذا الصمود لأبناء تعز وصمود أبناء مضايا في سوريا سيكون له دور وسيكسرون هذا الحصار».

ومن جانبه محمد مهيوب قال: «تعز في هذه الأثناء في ظل ما تقوم به ميليشيات صالح والحوثي من حصار للمدينة وقطع كل الطرق النجاة فيه، حتما ستصل المعاناة فيها كما يعانيه أخواننا في سوريا». وأضاف: «تعز تباد بالحصار والتجويع وبقطع كل الإمدادات عنها، على مرأى من العالم.. العالم كله ينظر إلى مدينة تعز وكيف يعاني أبناؤها وكيف يقتلون وكيف يدمرون وكيف يقصفون ليلاً ونهاراً، ومع ذلك يستمر صمت المنظمات الدولية وصمت العالم الرهيب».
أما الناشط الحقوقي أيمن المخلافي فيرى: في ظل الحصار القائم الذي تفرضه ميليشيات الحوثي وصالح على منافذ مدينة تعز ويزداد وتيرته كل يوم، ربما تصل تعز إلى مضايا ثانية وأكثر من ذلك في ظل تخاذل المجتمع الدولي والصمت العالمي».

من جانبها حياة الذبحاني قالت: «تعز تسير بخطوات إلى أن تكون هي مضايا السورية الأخرى، الوضع في تعز مزر للغاية وكارثي والمستشفيات تطلق نداء استغاثة، الأوكسجين غير متوفر، والنساء تموت والأطفال يموتون بسبب سوء التغذية ووضع المستشفيات». وأضافت الذبحاني: «نناشد العالم الوقوف الى جانب مدينة تعز، فإذا استمر الحصار على هذه المدينة والمطبق من قبل ميليشيات الحوثي وصالح فإنها ستسير فعلاً لأن تكون مضايا الثانية».

وفيات مستمرة لانعدام الأكسجين

ميليشيات الحوثي وصالح الانقلابية تمنع دخول أسطوانات الأكسجين إلى مستشفيات المدينة، الأمر الذي أدى إلى وفاة أكثر من 18 شخصا، حسب إحصائية طبية في المدينة، توفوا بسبب انعدام مادة الأكسجين من المستشفيات. وقبل شهر تقريباً أطلق المواطن محمد الشهابي صرخة الحسرة والعجز وهو يفقد ابنه بسبب انعدام الأكسجين في مستشفيات تعز، حيث كتب الشهابي في صفحته في فيس بوك عبارة«اشهد يا الله ابني المولود مات بسبب عدم وجود الأكسجين.. اشهد يا الله». وفيما «الشهاري» يشهد الله، ترك المواطن «نصر أحمد» ابنته الرضيعة للمجهول وللقدر الذي بات يحصد الأطفال والنساء والرجال في محافظة تعز، بسبب غياب الأكسجين من مستشفيات المدينة. جملة الأب نصر أحمد السابقة وتوقيعه، تلتها ملاحظة انهت آمال الحياة وفتحت أبواب الجحيم والحرمان للأسرة الصغيرة، كما فتح حقد صالح والحوثي الجحيم لمدينة كاملة اسمها تعز.

وجع على كشوفات الموتى

عبارات قصيرة لخصت الوجع على دفتر كشوفات الموتى وألحقتهم بإعدادها التي فتحت لهم صفحات إضافية مرشحة للزيادة بسبب انعدام الأكسجين عن مدينة تعز. هذه إحدى المآسي التي تعيشها محافظة تعز اليمنية بسبب حصارها من قبل ميليشيات الحوثي وصالح. ويتحدث ل«الخليج» نور الدين المنصوري فيقول: «هكذا تبدو الحياة في مدينة تعز بعد أن فرض عليها الحوثيون وحليفهم صالح الحرب منذ أكثر من تسعة شهور، مدينة تنام على أصوات المدافع وتصحو على أشلاء سكانها وعلى خراب يتمدد كل يوم ولا يبدو أنه سيتوقف».

بين معاناة المدنيين وتحركات الساسة، تظل الآلة العسكرية لميليشيات الحوثي وصالح تحصد أرواح أبناء مدينة تعز، وتظل حناجر سكانها تشهد الله بطريقة محمد الشهابي وهو يودع مولوده فاقد الحيلة وعاجز عن فعل شي سوى توكيل السماء لتنصفه من أمراء حرب لا يستكينون سوى على جثث وأشلاء اليمنيين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"