مداعبة آمال القارئ

03:06 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

عندما ندخل أي مكتبة في السنوات القليلة الأخيرة سنلاحظ ظاهرة ربما لا يوليها الكثيرون أهمية، تتمثل في كتب «تطوير الذات». بدأت الظاهرة خجولة وعلى استحياء، كانت تقتصر على عدة كتب مترجمة، ثم تضخمت لتحتل المساحة الأولى في بعض المكتبات الكبرى مقارنة بأنواع المعارف الأخرى، والأهم دخول بعض الكتّاب العرب هذا الفضاء الجديد على ثقافتنا، فضلاً عن واقع افتراضي إلكتروني تكثر فيه المدونات التي تعالج موضوعات مماثلة.

اللافت للنظر أن هذه النوعية من الكتب تركز في عناوينها على مداعبة آمال القارئ، فهذا كتاب عن النجاح أو الانتصار على القلق، أو استثمار القدرات. والكثير منها ليس أكثر من نصائح توجيهية وإرشادات نفسية، وبعضها يتكون من جمل متتالية لا رابط بينها تلخص في كلمات قليلة الرسالة التي يود المؤلف نقلها إلى من يطالع كتابه، وكلها مزينة بإشارات إلى أن هذا الكتاب باع ملايين النسخ، أو ترجم إلى عشرين أو ثلاثين لغة، أو أنه سيحقق لك السعادة أو سيغير وجهة نظرك في الحياة.

هي ظاهرة لا تؤشر على تدني الثقافة أو تدهور ذائقة جمهور القراء، كما يتبادر إلى ذهن النخبة، ولكن المسألة أعقد من ذلك، فانتشار هذه الكتب يؤكد أن هناك حاجة مجتمعية لمناقشة مثل هذه الموضوعات التي أصبحت غائبة في ممارساتنا اليومية.

ولنتأمل مثلاً تلك العناوين العديدة المتعلقة بالإدارة، لماذا يذهب هذا الموظف أو ذاك إلى كتاب يرشده إلى الوسائل المثلى للإدارة الناجحة إلا إذا كان هناك خلل في المؤسسة التي يعمل بها لا يسمح له بتعلم تلك الوسائل، والمسألة أكثر تعقيداً إذا طالعنا عناوين أخرى كثيرة تحدثنا عن السعادة والنجاح في الحياة، فهي تؤكد أن هناك أجيالاً محبطة أو تتوقع الفشل.

إن المقبل على قراءة هذه الكتب هو في الحقيقة هش على المستوى النفسي، ولن يستفيد فعليا من أي كتاب، ربما شعر بالراحة إزاء هذه العبارة أو تلك، أو يستلهم فكرة من هنا أو هناك، وربما تؤثر فيه قصة نجاح ما، ولكنه لن يتغير بالكامل ولن يحقق له الكتاب ما يصبو إليه.

لقد كانت قيم مثل السعادة أو الأمل منوطة يوماً بالفلسفة أولاً، وبعلم النفس ثانياً، ولكن كانت هناك مؤسسات مجتمعية قادرة على ملامستها وإشاعتها بطرائق صحية وسليمة: الأسرة ودور العبادة والنوادي المختلفة، وهو الأمر الذي يتطلب انتباه علماء الاجتماع لأدوار تلك المؤسسات.

أما ما يتعلق بجوانب أخرى لتلك الظاهرة مثل غياب الأفكار الكبرى التي تحرك العقل فتنتظر مناخاً تنتشر فيه رؤى جادة لتطوير الذات الجمعية، ففي هذا التطوير نهوض للذات الفردية أيضاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"