عولمة أخرى خيالية

03:50 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

يقرأ سايمون هارفي التاريخ الأوروبي من منظور مختلف، خاصة تلك الفترة الممتدة من القرن الخامس عشر وحتى الآن، والتي شملت الكشوف الجغرافية والاستعمار والثورة الصناعية نهاية بالعولمة.

يتخذ هارفي من موضوع التهريب نقطة انطلاق لرصد الثروات الخرافية التي راكمتها الدول الأوروبية من التجارة المحرمة، وفي كتابه «التهريب..سبعة قرون من نقل الممنوعات»، يتجول بنا بين حروب طاحنة نشأت للهيمنة على بحار آسيا و توابل الهند وإندونيسيا، وحروب أخرى لتوزيع الموارد المكتشفة في الأمريكتين.

يثير الكتاب عدة ملاحظات تتعلق بالراهن، فالقوى البحرية الكبرى التي بدأت الكشوف الكبرى: البرتغال وإسبانيا ولاحقا هولندا فبريطانيا وفرنسا، كانت تفرض قوانين تجارية صارمة فيما يتعلق ببحارها الوطنية، أما بحار الآخرين فساد فيها التهريب من دون قيود وفي أحيان كثيرة بتشجيع من سلطات تلك القوى.

هناك أيضا ظاهرة الشركات العملاقة التي تشكلت وكانت تمتلك ما يشبه الجيوش الخاصة مثل شركتي الهند الشرقية الهولندية والهند الشرقية البريطانية، أما الأرقام والإحصاءات التي يوردها هارفي بخصوص الثروات المنهوبة والمهربة من الأرض الجديدة فتذكرنا بمرارة إدواردو جاليانو عندما تحدث يوماً عن جبال الفضة التي نزحها الإسبان من أمريكا اللاتينية والتي كانت تكفي لصناعة عدة جسور بين ضفتي الأطلسي من الفضة الخالصة.

يقولون كثيراً أن ظاهرة العولمة قديمة، حيث لم يتوقف البشر يوما عن التجارة وتبادل السلع والأفكار والثقافات، ولكن العولمة في مرحلتها الغربية جاءت بمذاق مختلف، وهناك حاجة ضرورية لمقارنة تلك العولمة بتجارب أخرى سابقة لها، مثل طريق الحرير القديم، أو تلك البحار الضخمة التي جابها التجار العرب والمسلمون بعد ذلك، ومقارنة أخرى بين ثروات وموارد الصين والعالم الإسلامي بثروات أوروبا. ويمكننا ملاحظة أن القارة العجوز كانت شديدة الفقر وكثيفة السكان ما أدى إلى ظاهرة غريبة، ففي العصور الوسطى المظلمة حاول الأضعف حضارياً ومعرفياً غزو الأقوى فيما عرف بالحروب الصليبية، وهي مسألة ذات دلالات مختلفة، يأتي في مقدمتها الدافع الاقتصادي، فضلا عن عوامل تتعلق بالشرق كهاجس جغرافي وحضاري لابد من الهيمنة عليه.

لا يعترف الكثير من الكتاب والمفكرين ب«لو» في التاريخ، ولكن لنتجاوز عن ذلك قليلاً، ونسأل: ماذا كان سيحدث لو اكتشف الصينون أو العرب تلك الأراضي التي وصل إليها الإسبان بالصدفة؟ وهناك من يقطع بمرور السفن الصينية على العالم الجديد وعدم الاهتمام به إطلاقاً، بالتأكيد فإن العالم كان سينخرط في واقع سياسي وحضاري مختلف تماماً عن أوضاعه الآن، وبرغم أنه سيناريو فانتازي يحتاج إلى خيال جامح في التاريخ والجغرافيا والسياسة والثقافة، إلا أنه سيكشف في العمق عن جذور وحدود العولمة الغربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"