عصر الفكر الدرامي

23:28 مساء
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

نعيش الآن في مناخ يحتاج ليس إلى التنظير والنقد فحسب، ولكنه يتطلب التعريف والتوصيف بالدرجة الأولى، حيث لم يشهد التاريخ خلال القرون الأخيرة، ربما منذ بدايات التنوير الأوروبي، فوضى في المفاهيم والرؤى مثل التي نشهدها الآن، ومن الصعوبة بمكان إطلاق وصف يمكن من خلاله مقاربة روح العصر.

 في كتابه «الثقافة في عصر العوالم الثلاثة»، يتوقف المؤرخ اليساري الأمريكي مايكل دينينج عند سقوط سور برلين وتفكلك الاتحاد السوفييتي، بوصفهما نهاية مرحلة متكاملة عاشها الجميع في أعقاب الحرب العالمية الثانية، مرحلة اتسمت بمفاصل يمكن من خلالها قراءة ملامح ثقافية متكاملة في: السياسة و الفكر والاقتصاد، وهي الركائز التي قسم من خلالها مؤرخنا العالم إلى ثلاث مناطق واضحة: البلدان الرأسمالية، البلدان الشيوعية، والبلدان التابعة، التي نالت استقلالها  وتعيش مرحلة ما بعد الكولونيالية على المستويات كافة، ولكل منطقة تعاطيها المميز في الشأن الداخلي وعلاقاتها مع الآخرين، فضلاً عن مذاق شديد الخصوصية في مختلف نواحي الحياة.

 تعود أهمية كتاب دينينج إلى ذلك التناول اللافت لرصد تأثير الفترة التي درسها على حياة البشر اليومية والملموسة، وإدراك سمات تلك الحياة في نظريات يمكن الإحاطة بها، وتمثلها عند التحليل وقراءة المشهد، و لا يعد مؤرخنا متفرداً في تناوله هذا، بل كان هناك العشرات من الكتاب الذين وصلوا إلى توصيف شبه جامع يعبر بشمولية عن عصرهم.

 الآن هناك صعوبة في توصيف روح العصر، فبرغم تلك الكتابات اللا نهائية عن العولمة، إلا أن الكلمة تحولت إلى مصطلح ضبابي، يثير الاستفهام أكثر مما يمنحنا معنى صريح الدلالة، و يحتاج العالم إلى تقسيم جديد من حيث مراكز القوى ومناطق النفوذ السياسي والاقتصادي، والحال نفسه سنجده إذا انتقلنا إلى الإعلام، فهل تنطبق على مواقع التواصل والمنصات الإلكترونية تلك النظريات المستهلكة حول المرسل والمتلقي والرسالة والوسيلة والتأثير ورجع الصدى؟ لقد تجاوز الإعلام ما بعد الحداثي في أبعاده كل هذه المفردات التقليدية التي طرحها منظرو الإعلام في الماضي، أما إذا تطرقنا إلى الثقافة فالضبابية تهيمن على المشهد.

 هل نعيش مرحلة تحولات؟ ولكن كلمة «تحولات» نفسها تؤشر إلى جديد يلوح في الأفق، يعاني آلام المخاض الآن، لقد حاول البعض اختراع هذه التحولات اختراعاً مع «كورونا»، بوصفه الحدث الذي سيغير العالم، ولكن لم يستطع أحدهم سرد أبعاد هذا التغيير بدقة ولو من باب التنبؤ.

 يبدو أن ملامح الراهن الذي نصفه بالتحولات، حيث تختلط المفاهيم، هي روح ذلك العصر الذي نعيشه، وربما يمتد بالوتيرة نفسها إلى عقود أخرى مقبلة، إن لم يشهد تغيرات فكرية دراماتيكية تصبح فيها المعاني الواضحة إرثاً من الماضي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"