وقفة مع رؤيتنا للتاريخ

00:53 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

كتب المؤرخ الشهير ول ديورانت يوماً تحت عنوان: «هل التقدم وهم؟» عن رؤية الإغريق للتاريخ الذي كانوا يتصورونه كالحلقة المفرغة، يتكرر ويعيد نفسه حتى يعجز عن السير إلى الأمام. ويرصد ديورانت شك الغرب خلال حقبة النهضة في تلك الرؤية وتجاوزها إلى قناعة مفادها بأن الراهن لا يمكن أن يكون نسخة من الماضي، وأن المستقبل لابد أن يكون بدوره أفضل من الحاضر والماضي، تلك القناعة كانت ضرورية، لكي تنهض أوروبا في مختلف مجالات الحياة.

 أما إذا تطرقنا إلى رؤيتنا نحن لمسار التاريخ، فسنجد أنفسنا أمام دائرية تتأسس على الأشباه والنظائر، فما يحدث الآن نسخة مطابقة لما وقع بالأمس، دائرية في حالة حنين أبدي إلى تلك النقطة التي كنّا فيها في مقدمة الحضارة، تلك التي وصلت إلى الذروة ولم تلبث أن اضمحلت، وفي حالة بكاء دائم على حالة التدهور التي نعيشها، ما يعني أن الماضي كان أفضل من الحاضر والمستقبل، مع المقارنة دوماً، ففي كل نقطة ضوء قد تسطع في الراهن، نعود إلى شبيه لها في التاريخ، وكل محنة تصادفنا لها نظير في الماضي.

 هي رؤية لا تهيمن على النخب في الفكر والدراسات التاريخية وحسب، ولكن هناك الزمن الجميل كما نقرأ في الأخبار الخفيفة، زمن الفن الجميل، وهي ماثلة حتى في تذكر كل فرد فينا لماضيه، وعدم قدرته على الفصل بين حنينه إلى طفولته أو شبابه، وبين تقييم تلك الفترة بموضوعية وحيادية. أي رؤية حاكمة للثقافة والمجتمع في العالم العربي.

 لقد غرق بعض مفكرينا في التنظير للدائرية، وفي البكاء على الماضي، وفي تمني النهوض مرة أخرى، وفق قانون تبادل المواقع بين الحضارات، وانتجوا مقولات ربما تبدو صادمة، ولا تتفق مع المنطق وما يحيط بنا في العالم، فالمفكر حسن حنفي مثلاً قسّم تاريخنا إلى ثلاث مراحل، الأولى تمتد لسبعة قرون، حملت الحضارة العربية فيها مشعل الحضارة، ولم تلبث أن أعقبتها سبعة قرون أخرى من الأفول، ونحن على أعتاب سبعة قرون ثالثة لابد أن تعود فيها الحضارة إلينا، أما محمد عابد الجابري فذهب إلى أنه لا أمل في أي نهوض حضاري عربي في ظل هيمنة الغرب، ومن ثم لا بد من اضمحلاله حتى تتاح لنا فرصة الصعود. 

 مثل هذه المقولات كانت تهرب من مجموعة من الأسئلة الأكثر إلحاحاً: هل تذهب شعلة الحضارة إلينا إذا خبت في أماكن أخرى؟ هل نحن على استعداد لذلك؟ وما الذي قدمناه كإضافة مميزة إلى الإنسانية في العصر الحديث؟ وكلها أسئلة تحتاج إلى مراجعات مطولة، ووقفة صريحة مع النفس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"