عادي

اللقاحات.. هل تُنهي كابوس «كورونا»؟

01:03 صباحا
قراءة 5 دقائق
1

إعداد: بنيمين زرزور

بدأت القصة على حين غفلة من العالم قبل حوالي عام عندما نشرت وكالات الأنباء خبر ظهور فيروس جديد في الصين سريع الانتشار لا علاج له. ثم وقع العالم كله في شباك كابوس أغلق كل منافذ الأمل صحيّاً، وعطل مصالح البشر نتيجة انتشار الذعر، حتى من مجرد لقاء الآخرين أو التحدث إليهم.

وكان طبيعياً أن يتلفت العالم يميناً ويساراً؛ بحثاً عن حل طبي كثيراً ما تقاعست شركات الأدوية عن البحث فيه في مناسبات انتشار أويئة سابقة مثل إيبولا وإنفلونزا الخنازير، وهناك من برّر لها تقاعسها بدعاوى كثيرة، منها ضخامة التكاليف وطول الأمد الذي يمتد إلى ما بعد زوال الوباء، ما يفقد الاستثمارات جدواها، ونقص الدعم الحكومي، والقائمة تطول.

فداحة الخسائر الاقتصادية واتساع رقعة انتشار «كوفيد-19» الذي لم تنجُ منه دولة في العالم، شجعا الباحثين في الحقل الدوائي على التجرؤ على اقتحام التجربة، وسط سخاء ملزم فرضه الوباء على بعض حكومات العالم التي رأت أن انتعاش اقتصادها رهن بتوفير العلاج.

والحقيقة أن عدد تجارب اللقاحات التي دخلت المرحلة التجريبية الثالثة زاد على 16 لقاحاً، من أصل أكثر من مئتي محاولة على مستوى العالم. وأسفرت تحالفات خاصة بضخ الاستثمارات اللازمة لتمويل أبحاث وتجارب اللقاحات عن جمع ما يقرب من 38 مليار دولار حسب منظمة الصحة العالمية.

نتائج مشجعة

وكان من نصيب شركة «فايزر» بالتعاون مع شركة «بيونتيك» الألمانية، الفوز بالإعلان عن أول نتائج مشجعة للقاح الذي تطورانه؛ حيث كشفت البيانات هذا الشهر عن نجاح يتجاوز نسبة 90%، ثم عدلت النسبة في تجارب لاحقة حتى 95%. وتعتزم الشركتان إنتاج حوالي 20 مليون جرعة منه قبل نهاية العام الحالي.

وبعد أقل من أسبوع أعلنت شركة «موديرنا» الأمريكية عن نجاح مماثل حققته تجاربها كشف عن نسب تتجاوز 95% على حد زعم الشركة. ويعطى اللقاح الذي طورته شركة «موديرنا» على جرعتين تفصل بينهما أربعة أسابيع. كما يتطلب حفظه ونقله في درجة حرارة دون 20 مئوية سالبة (مقابل 70 درجة مئوية سالبة للقاح فايزر). أما تخزينه فيتطلب درجة حرارة ما بين 2 و7 مئوية سالبة لمدة لا تزيد على 30 يوماً.

واعتبر جو بايدن، الرئيس الأمريكي المنتخب، أن نجاح اللقاح الثاني يعتبر «سبباً إضافياً للشعور بالأمل، وما ينطبق على لقاح فايزر ينطبق على لقاح موديرنا، وهو أننا لا نزال على بعد أشهر من استخدامه بكثرة. وحتى ذلك الحين، يحتاج الأمريكيون إلى الاستمرار في التزام قواعد التباعد الاجتماعي، وارتداء الأقنعة للسيطرة على الفيروس».

وعلى الجانب الصحي سارعت حكومات العالم لحجز ما أمكنها حجزه من اللقاحات الجديدة؛ حيث أعلنت الحكومة الأمريكية عن عزمها إنتاج كمية كافية من الجرعات لتلقيح كل السكان بحلول إبريل/نيسان 2021. وفي أوروبا يراهن مسؤولون على بدء توزيع اللقاح في يناير/كانون الثاني في حال حصول أي من اللقاحات المطورة على ترخيص رسمي.

متابعة مستمرة

ومن وجهة النظر الطبية البحتة لا تزال فاعلية اللقاح بحاجة لمزيد من المتابعة؛ للوقوف على عدد من الخواص منها درجة فاعليته؛ حيث تشير مصادر وزارة الصحة الأمريكية إلى أن لقاحات الأنفلونزا بشتى فئاتها تراوحت فاعليتها بين 19% و60%. ثم هناك مسألة الأضرار الجانبية التي قد تترتب على تناول اللقاح، خاصة على الفئات الأشد حاجة إليه، وهم كبار السن والذين يعانون من أمراض محددة مثل السكري وأمراض القلب والجهاز التنفسي، فضلاً عن العاملين في الخطوط الأمامية لمواجهة الوباء. إلا أن هذه التطورات الإيجابية فيما يخص بارقة الأمل في وضع حد لفتك الفيروس بالبشر تحظى بترحيب واسع، سواء في الأوساط الطبية أو على صعيد إحياء النشاط الاقتصادي بكل قطاعاته. وقد يبدو من المنطقي أن يتقبل الناس أي خبر إيجابي في هذا الصدد، بغض النظر عن دقته أو مصدره بعد أن بلغوا درجة من الإحباط غير مسبوقة. فقد رحّب البروفسور أتول جواند، الأستاذ في جامعة هارفارد، الذي انضم إلى الفريق الذي يقدم توصيات للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن حول الجائحة قائلاً: «بدأنا نرى الضوء في نهاية النفق بوضوح. ستكون لدينا لقاحات عديدة فعالة وموزعة على نطاق واسع ربما في الربيع أو الصيف».

وطلبت شركة فايزر الأسبوع الماضي الحصول على ترخيص استخدامات الطوارئ للقاحها الناجح، وهو الترخيص الذي يجعل توزيعه ممكناً فوراً. وفي حال صادقت الوكالة الأمريكية للغذاء والدواء على اللقاحين، فإن تطويرهما بسرعة يعدّ إنجازاً علمياً رائعاً؛ حيث استغرقت التجارب والعمليات أقل من عام.

ارتفاع المؤشرات

ووقعت موديرنا عقوداً مع كل من كندا وسيويسرا واليابان وقطر، وتتفاوض مع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وبرنامج كوفاكس الدولي.

وتعتزم الشركة إنتاج ما بين 500 مليون ومليار جرعة في 2021، بالتعاون مع شركاء صناعيين في الولايات المتحدة وسويسرا وإسبانيا.

ورغم أن الكثير من المعلومات الطبية المتعلقة باستخدام أي من اللقاحين لا تزال قيد تجارب الاستخدام المستقبلية، وأهمها درجة المناعة التي يؤمنها اللقاح لمن يتناوله، إلا أن بوادر الأمل ظهرت في كثير من مظاهر الحياة في قطاعات الاقتصاد التي دبت فيها الحياة من جديد، وهو ما عكسه أداء أسواق الأسهم العالمية عشية الإعلان عن نجاح لقاح فايزر. فقد ارتفع مؤشر داو جونز بنسبة 4.8% عشية الإعلان عن اللقاح، كما ارتفعت أسعار النفط الخام بنسبة 11% في نفس اليوم.

وعلى صعيد توزيع اللقاح يبدو الأمل ضعيفاً جداً في وصوله إلى دول العالم الفقيرة أو حتى شرائح من سكان الدول الغنية التي لا تشملها قوانين التأمين الصحي ولا تغطيها برامج الرعاية الحكومية كالمهاجرين.

وفي البداية، لن يكون هناك ما يكفي من اللقاحات لمعالجة الجميع، وستحصل المجموعات ذات الأولوية القصوى على اللقاح أولاً، و تشمل العاملين في مجال الرعاية الصحية، وكبار السن، والأشخاص الذين يعانون من حالات طبية مسبقة.

وعلى الصعيد العالمي تسابق مجموعة من الدول الزمن لإنتاج لقاح حتى لا تقع ضحية الاحتكارات والمضاربات السياسية. وقد نجحت روسيا في تطوير لقاح خاص كما أعلن عن إنتاج لقاح صيني أيضاً. وهناك محاولات مستميتة في عدد من دول العالم لإنتاج لقاحات، ربما تعزز الأمل الجديد بالخلاص من الوباء، وعودة الحياة إلى طبيعتها، بعد أن سئم الناس الحجر المنزلي وارتداء الكمامات والقيود المفروضة على الترفيه والسفر والسياحة، ناهيك عمّا خلفته تلك القيود من أضرار بالغة على مصادر عيش الملايين من البشر في مختلف دول العالم. والكل يحدوه الأمل بنجاح اللقاح.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"