عادي

فلسفة الحُكم عند محمد بن راشد

22:32 مساء
قراءة 12 دقيقة
Video Url
1
1
1

يكاد يتفق كل دارس لسنوات حكم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في دبي على أن لهذا القائد فلسفة خاصّة في الحكم والحكومة. فلسفة محمد بن راشد وتحويله كثبان الصحراء، إلى شاهقات باسقات، ليست مجرد نظريات وإنما فعل وواقع يومي يعاش، وإذا كان يمكننا استنباط الخلاصات والعمق الفلسفي لمحمد بن راشد في الحياة من قراءة كتابي صاحب السمو «ومضات من فكر» و«رؤيتي»، فإن ما نراه على أرض الواقع، إنما يحمل لنا المزيد من تجليات فلسفة الحكم لدى محمد بن راشد.

لدينا على أرض الواقع دانة الدنيا، دبي التي تبهر من مر بها ومن سكنها ومن لم يزرها بعد. لدينا دولة الإمارات العربية المتحدة، حكومة محمد بن راشد تؤسس للمستقبل اليوم، ولا تنتظر المفاجآت بل تسبقها بالمبادرات.
الأهم أننا أمام فكر وطموح وقيادة محمد بن راشد.. بها تتسع مساحة دولة الإمارات العربية المتحدة، لا بل وتتسع مساحة العالم العربي، بتأثير صاحب السمو الذي يقف على رأس حكومة الإمارات ويقود دبي ليشعرنا أننا أمام دولة في اتساع حدود العالم.
محمد بن راشد لا يفكّر إلا كبيراً، ولا يرسم إلا بطموح، وها هي الإمارات ودبي تحتضن في البناء أعلى الأبراج، وفي البحار أكبر الموانئ، وفي الطيران أكبر الناقلات والمطارات، في الإنسان وفي الإنسانية، ها هي على الأرض وفي السماء وفي البحر وفي الفضاء، تدرك أن الإنسان يصنع المعجزات، فقط بالرؤية والطموح وبالعمل.
طموح محمد بن راشد، لا يتوقف عند الإنجاز، ولا يكتفي بالرقم واحد، طموح سموه ينتمي إلى معادلات الأرقام القياسية، فالفارس عينه على خط النهاية واثق بخيله ولا يتردد. فلسفة محمد بن راشد في الحكم عنوانها، «الرؤية والإنجاز».

الصورة
تجليات فلسفية في 15 وصية

مبادئ للحكم في دبي

وبمناسبة مرور 50 عاماً على تولي سموه أول منصب في خدمة الإمارات ودبي، أعلن محمد بن راشد في يناير 2019، عن ثمانية مبادئ للحكم والحكومة في دبي، أوصى سموه جميع من يتولى مسؤولية في دبي أن يلتزم بها، مهما كانت الظروف، أو تبدلت الأحوال، أو تغيرت الوجوه.
خمسة عقود، وهبها محمد بن راشد لبلاده التي أعطته الخبرة والحكمة والمحبة، فوضع خلاصته في ثمانية مبادئ للحكم والحكومة في دبي، أوصى بها كل من يتولى مسؤولية في الإمارة أن يلتزم بها، ‬ويتمسك‭ ‬بما‭ ‬جاء‭ ‬فيها. وتالياً خلاصة المبادئ في حكم محمد بن راشد.
يؤمن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إيماناً راسخاً بأن الاتحاد‭ ‬هو‭ ‬الأساس وأن دبي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات،‭ ‬وركن‭ ‬في‭ ‬الاتحاد،‭ ‬ترابها‭ ‬تراب‭ ‬الإمارات،‭ ‬ومصيرها‭ ‬مصير‭ ‬الإمارات،‭ ‬وخيرها‭ ‬لكل‭ ‬الإمارات،‭ ‬وشعبها‭ ‬فداء‭ ‬لكل‭ ‬ذرة‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات. ‬ويشدد سموه على أن دبي في‭ ‬كنف‭ ‬وحمى‭ ‬الاتحاد، الذي «مصلحته‭ ‬فوق‭ ‬مصلحتنا،‭ ‬وقوانين‭ ‬الاتحاد‭ ‬فوق‭ ‬قوانيننا‭ ‬وتشريعاتنا،‭ ‬وسياسة‭ ‬الاتحاد‭ ‬هي‭ ‬سياستنا،‭ ‬وأولويات‭ ‬حكومة‭ ‬الاتحاد‭ ‬هي‭ ‬أولويات‭ ‬حكومتنا».‬
ودولة العدل عند محمد بن راشد، ضمان استقرار وازدهار، فلا أحد فوق القانون في دبي، «ولا استثناء للأسرة الحاكمة. ولا فرق بين مواطن ومقيم، أو غني وفقير أو ذكر وأنثى أو مسلم وغير مسلم في تطبيق القانون. والتأخر في العدالة ظلم. وكل عادل هو عندي قوي، وكل ظالم هو عندي ضعيف. والظلم بريء من كل ظالم، وستبقى الأسرة الحاكمة بريئة من كل ظلم ما بقيت تحكم هذه الإمارة».
وهدف حكومة دبي وغايتها وفق مبادئ محمد بن راشد، «تحسين حياة الناس بتحسين الاقتصاد. دبي لا تدخل في السياسة ولا تستثمر فيها ولا تعول عليها لضمان تفوقها. دبي صديقة لكل من يحمل لها ولدولة الإمارات الخير، وصديقة للمال والأعمال، ومحطة عالمية لخلق الفرص الاقتصادية».
ويلخص صاحب السمو مبادئ الحكم الاقتصادية بأن نمو دبي تقوده ثلاثة محركات، هي الحكومة ذات‭ ‬المصداقية،‭ ‬وقطاع‭ ‬خاص‭ ‬مفتوح‭ ‬للجميع،‭ ‬وقطاع‭ ‬شبه‭ ‬حكومي‭ ‬ينافس‭ ‬عالمياً.
وفي تنويع الاقتصاد كقاعدة في دستور دبي غير المكتوب منذ عام 1833، يرى صاحب السمو أن تغير الزمن وسرعة التطورات يفرضان الالتزام بهذا المبدأ دائماً وأبداً. فيما الهدف‭ ‬الجديد «استحداث قطاع اقتصادي جديد على الأقل كل 3 أعوام، قطاع منتج ومساهم في ناتجنا المحلي وموفر للوظائف وقادر على الاستمرار بقوة دفعه الذاتية».

شخصية متفردة

ويؤمن محمد بن راشد، أن مجتمع الإمارات يتميز بكثرة العمل وقلة الجدل، وبالانضباط والالتزام في وعوده ومواعيده وعهوده، «متواضعون عند النجاح، مثابرون عند التحديات، ناشرون للخير، منفتحون على الجميع. مجتمع يسوده الاحترام ويربط كافة مكوناته التسامح، ويبتعد عن العنصرية والتمييز».
وفي حين أن دبي قامت على الموهوبين من التجار والإداريين والمهندسين والمبدعين والحالمين، فإن بقاء دبي متفوقة مرهون ببقائها قبلة للمتفوقين، وهذه قناعة لدى صاحب السمو، فاستمرار تنافسية دبي مرهون باستمرار استقطابها لأصحاب العقول والأفكار. ويرى سموه في هذا المبدأ أنه «لا بد من تجديد سياساتنا وإجراءاتنا بشكل مستمر لتجديد جاذبيتنا للمواهب، ولا بد من بناء الحياة الأفضل في دبي لأصحاب العقول والأفكار الأفضل».
ولا يترك محمد بن راشد، مصير الأجيال القادمة مرهوناً بتقلبات السياسة الإقليمية ودورات الاقتصاد العالمية، «بل نستثمر لهم، ونخلق أصولاً استثمارية من أجلهم. وقاعدتنا في ذلك أن تمتلك الحكومة في كل الأحوال أصولاً تعادل 20 ضعف ميزانيتها السنوية على الأقل. نسعى لضمان المستقبل ونفكر من اليوم في رخاء أجيالنا القادمة».

ومضات من فكر 

في كتاب سموه، «ومضات من فكر محمد بن راشد»، أفكار وآراء من وحي الجلسة الحوارية في القمة الحكومية 2013. تتجلى فلسفة الحكم لا بل والحياة لدى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في خلال التجارب الحيّة التي حوّلها سموه إلى كتاب من مبادئ الإدارة والعيش يستفيد منها كل إنسان في حياته الشخصية والعملية، كما أنها تعتبر أطراً للقيادة الناجحة القائمة على النموذج الإيجابي في ممارسة القيادة.
الفارس والشاعر والقائد الذي يعطي للفروسية معنى أسمى، وللشعر طعماً أغنى، وللقيادة أسلوباً أرقى، يعيد تعريف المفاهيم ويبسطها لتصل إلى منتهى غايتها. في كتاب «ومضات من فكر محمد بن راشد»، تغيير في مفهوم القيادة وتبسيط للحياة وتأسيس لفلسفة نجاح تقوم على المعرفة، والثقة، والحكمة، والتميز. 
فلا يكتفي صاحب السمو بقوله: «من حقنا أن نحلم لدولتنا بأن تكون أفضل دول العالم»، بل يقدّم الأسس والمنهجية التي تحول الطاقات السلبية إلى طاقات إيجابية، ما يمهد الطريق للتغلب على التحديات، فتكون «رحلة النجاح كلما وصلت قمة تطلعت للقمة التي تليها». 
من مبادئ القيادة لدى محمد بن راشد الحزم والقضاء وتقديم أفضل الأنظمة في مجالات التعليم، الصحة، الرعاية الاجتماعية، وصولاً إلى الرفاهية والرضا بين المواطنين كأحد المقاييس العملية للتنمية، وسن القوانين ومتابعتها. وهنا، يقدم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، شكلاً جديداً من أشكال الحكومات يعتمد على الدقة، والإبداع، والمساواة، والسرعة، أطلق عليه «حكومة المستقبل» التي تقدم خدماتها 24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، 365 يوماً في السنة، «حكومة لا تنام»، تتفوق على الفنادق بحسن الاستقبال والبنوك في الدقة، ويستطيع المرء من خلالها إنجاز أي معاملة حكومية له من خلال أي من مراكز الخدمة الحكومية، بغض النظر عن الجهة التي يتبعها، تعمل على راحة المواطنين ويمكن أن تقدم الخدمات عن طريق الهواتف المتحركة الذكية للمتعاملين، تعمل على توليد الأفكار الإبداعية: «إذا عودت نفسك على الإبداع في الأشياء الصغيرة فستبدع أيضاً في الأشياء العظيمة»، تعتمد على تقنية متطورة في إنجاز المعاملات: «حكومة ذكية تمتلك أنظمة تقنية مترابطة وفعالة والحكومة الذكية ستكون أسرع بكثير في إنجاز المعاملات». 

زايد وراشد

لا شك في أن المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، هما المدرسة الأولى للشيخ محمد بن راشد، ولطالما كان المغفور لهما جزءاً من فكر ووجدان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فبدل الأب معلمان وبدل القائد قدوتان ملهمتان.
ويقول صاحب السمو: «بعد الاتحاد عرفت زايد، طيب الله ثراه، عن قرب، ونشأت بيني وبينه علاقة الابن بأبيه، والطالب بمعلمه. عرفت مجلسه، وعرفت أخلاقه، وعرفت تقديره للناس. مجلسه كان مدرسة.. وحديثه كان مدرسة.. وتعامله مع الناس مدرسة. زايد استضاف الجميع في مجلسه على اختلاف أصولهم وقبائلهم وطوائفهم ومذاهبهم وحتى دياناتهم. زايد أعطى الجميع، وعلّم الجميع، وأحب الجميع، فأحبوه جميعهم على اختلافاتهم، ودعوا له جميعاً بعد رحيله، بل وأورثوا حب زايد لأبنائهم وأحفادهم، هذا هو ميراث زايد وراشد».
وتابع سموه: «أعظم ما تركه لنا زايد وراشد هو هذه القيم وهذه الروح وهذه الأخلاق. أكثر ما نفاخر به الناس والعالم عندما نسافر ليس ارتفاع مبانينا، ولا اتساع شوارعنا، ولا ضخامة أسواقنا، بل نفاخرهم بتسامح دولة الإمارات.. نفاخرهم بأننا دولة يعيش فيها جميع البشر - على اختلافاتهم التي خلقهم الله عليها - بمحبة حقيقية وتسامح حقيقي.. يعيشون ويعملون معاً لبناء مستقبل أبنائهم من دون خوف من تعصب، أو كراهية، أو تمييز عنصري، أو تفرقة بناء على لون، أو دين، أو طائفة، أو عرق».

القائد والمعلم الأول

وفي سؤال لسموه خلال القمة العالمية للحكومات حول قدوة وقائد سموه، أجاب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: «أما قدوتي نبيي وحبيبي، وقدوة كل الحضور، أما قائدي فهما الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، والشيخ راشد آل مكتوم، طيب الله ثراه». ويقول سموه: «تعلمت الكثير من زايد وراشد.. فقد كان راشد يأخذني معه وعمري 6 سنوات للمدن الأوروبية والأمريكية، ومنذ قيام الاتحاد كان الشيخ زايد يطلبني لأرافقه في كل رحلاته الخارجية، وهذا علمني الكثير، وتعلمت من زايد أكثر مما تعلمت في المدارس والكليات، وهو أوصاني وأعطاني أمثلة بالصعوبات والتحديات من خلال مرافقته والمقابلات مع كل السياسيين».
وفي كتابه «قصتي»، يفرد صاحب السمو، فصولاً للحديث عن والده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، باني دبي الحديثة، والدروس التي تعلمها منه في الإدارة والقيادة، مؤكداً أن «تجربة الشيخ راشد لامست قلوب الجميع، وأن بصمته التي تركها في كل حجر وزاوية في دبي التي أشرف على بنائها بنفسه ستبقى في ذاكرة بلده وشعبه إلى الأبد».
لم يكتف الوالد بإرسال ابنه إلى المدارس لتعلم القراءة والكتابة، بل حرص على أن يلحقه بمدرسة أخرى أكثر اتساعاً، وهي مدرسة الحياة، إذ كان الشيخ راشد يحرص على حضور ابنه مجالسه وجولاته ورحلاته، وهو في سن ما بين الرابعة والثامنة، كما علمه الكثير عن الصحراء: «بين الرابعة والثامنة، علمني والدي كيفية تعقب الأثر أو قراءة الرمال كما لو أنك تتصفح كتاباً. كان يريني آثار الإبل، ويقول: كل بدوي يمكنه تمييز إبله من آثار أقدامها، ولو كان عددها بالمئات!».
دروس كثيرة، تعلمها الابن في مدرسة الوالد الأولى، بداية من ترويض الصقور، مروراً بالرماية والصيد، وصولاً إلى علامات السماء، وكيفية قراءة بوصلة السماء: النجوم، وكيفية العيش بين هوام الصحراء، وكذلك كيفية العيش في المدينة بين البشر. فكان الشيخ راشد «مدرسة، وكان معلماً، وكان حاكماً، وكان أباً للجميع».
ويقول صاحب السمو: «تعلمت من راشد منذ نعومة أظفاري بأن القائد هو الشخص الأكثر نشاطاً والأقدر على تنفيذ المشروعات بكل كفاءة. تعلمت من راشد أن كل درهم في دبي له قيمة كبرى، ولا يتم صرفه إلا في مكانه الصحيح. ثقافة الحكم التي رسّخها راشد بن سعيد هي ثقافة تقوم على صرف المال بحكمة، والابتعاد عن التبذير الحكومي، أياً كان شكله. أحد أهم أسرار تفوق دبي هي القيم التي أرساها الشيخ راشد في منظومة الحكم. فعلاً، الحكم الصالح فيه صلاح البلاد والعباد».

الوصايا العشر 

ويرى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أن أزمة العالم العربي أزمة إدارة وليست أزمة سياسة، وأننا بحاجة لإداريين أكثر من السياسيين يستطيعون إصلاح جزء من الخلل التنموي في المنطقة. وفي ذلك، كتب صاحب السمو، 10 وصايا في الإدارة الحكومية للمسؤولين في العالم العربي، وملخصها «خدمة الناس»، و«لا تعبد الكرسي» و«ضع خطتك»، و«راقب نفسك»، و«ابتكر أو انسحب»، و«تواصل وتفاءل»، «اصنع فريق عملك» «لا تكن من غير منافس»، و«اصنع قادة مستقبلاً». و«انطلق لبناء الحياة».

الأهداف والرسائل 

في كتابه «ومضات من فكر» تظهر فلسفة الحكم عند صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في كل قصة يرويها، عن الحكومة، والفرد، وعن الطاقة الإيجابية وحتى الرياضة والمنافسة والمخاطرة، وعن النجاح والفرح، ومن هذه القصص تلك الطفلة التي سألت سموه عن قصة بناء برج خليفة، أطول بناء في العالم، فيروي صاحب السمو قصة بناء البرج، ليظهر للقارئ كيف ينظر القائد إلى بنيان كأطول برج في العالم، فهو ليس بناءً عمرانياً فقط، وإنما هو رسالة وهدف.
ويقول سموه: «خرج المبنى جميلاً شامخاً كبيراً، فسميناه «برج خليفة»، لأننا أحببنا أن يرتبط باسم قائد كبير». وعن سؤال البعض: لماذا الأعلى؟ وهل فعلاً استفادت دبي من بناء برج بلغت تكاليفه أكثر من 1.5 مليار دولار؟ يجيب سموه ملخصاً رؤيته في ثلاث نقاط، تلخص فلسفة رؤية بناء دبي التي نعرفها:
«أولاً: تنفيذ أعلى بناء هو عمل وطني، ومحطة تاريخية، ومنعطف اقتصادي رئيسي. وهو ليس فخراً لأبناء الإمارات فقط بل هو لكل العرب. قبل أربعة آلاف عام كان أعلى بناء عرفه الإنسان يوجد في منطقتنا. كانت الأهرام مصدراً للفخر ورمزاً للتقدم الحضاري للمنطقة بأسرها، وظلت كذلك حتى عام 1311 ميلادي، حين تفوّقت عليها كاتدرائية لنكولن ببريطانيا في ارتفاع البنيان، وكان ذلك أيضاً رمزاً لمرحلة جديدة من التحول الحضاري الذي عرفه العالم».
وأضاف سموه: «أتمنى أن يكون برج خليفة اليوم أيضاً رمزاً للتغيرات العالمية الجديدة: عالم جديد يتلاقى فيه الشرق بالغرب، وتتمازج فيه الحضارات، ويسود فيه الإبداع البشري...»
وقال صاحب السمو أيضاً: «لقد شارك في هذا البناء العظيم آلاف المهندسين والعمال والاستشاريين وغيرهم من أنحاء العالم. وكذلك هي الإمارات، مركز عالمي جديد، تجتمع فيه أفضل العقول لتحقيق أكبر الأحلام. وستلعب الإمارات خلال السنوات المقبلة دوراً محورياً متزايداً على الخريطة العالمية، لأننا ندرك أن عالماً جديداً قد بدأ، المستقبل فيه لمن يجرؤ أن يحلم، ويملك الشجاعة لتنفيذ حلمه».
ويتابع سموه: «نحن لا نتطلع إلى تحقيق جدوى اقتصادية مباشرة، بل إن عوائد البناء هي على الاقتصاد الكلي. فقد أصبحت لدينا مدينة متكاملة هي معلم إنساني يعرفه القاصي والداني...» ويضيف: «زوار مول دبي وبرج خليفة أكثر من زوار مدينتي نيويورك ولوس أنجلوس، وهذا جانب واحد فقط. كما أن العلامة التجارية لدبي والإمارات تعززت بشكل كبير، وهذا يغنينا عن صرف مئات الملايين سنوياً من أجل تسويق دبي والإمارات. لا نذكر هذه الأرقام للتفاخر ولكن لنوضح الصورة، ونقول للمترددين: إن أكبر مخاطرة ألا تخاطر».
وثالثاً يتابع صاحب السمو: «بناء البرج هو رسالة، رسالة للداخل ورسالة للخارج. أما داخلياً، فنحن نقول لأبنائنا: إننا نستطيع. نحن نستطيع أن ننجز الكثير، ونستطيع أن نكون الأول عالمياً في الكثير من الميادين، ونستطيع أن نبهر العالم. لسنا طارئين على التاريخ، ولسنا غريبين على حركة الحضارة، ولا نريد أن نستمع إلى من يقلل من ثقتنا بأنفسنا وطاقاتنا وأبنائنا. وهو رسالة للعالم نقول فيها: الإمارات رقم جديد في الاقتصاد العالمي، رقم راسخ رسوخ برج خليفة».

فن البساطة في كتاب «قصتي» يروي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في فصل يحمل عنوان: «بحار.. صحراء.. سماء.. ورجال» قصة تأسيس شرطة دبي، وفيها يظهر سموه فلسفة البساطة، فيبدأ القصّة بمقولة شهيرة للعالم والفيلسوف والرسام العبقري ليوناردو دافنشي، يقول فيها: «البساطة هي أرقى درجات الاحترافية». ويقول صاحب السمو: «أنا من أكبر المؤمنين بهذا المبدأ، لا يمكن أن تبسط خطة معقدة إلا إذا استوعبتها بشكل كامل أولاً، لا يمكن أن تشرح نظرية معقدة لطفل صغير إلا إذا فهمت تفاصيلها بشكل حقيقي، لا يمكن أن تكون لديك حكمة في الحياة إلا إذا استوعبت آلاف الحقائق والمواقف والعبر، ثم استطعت أن تختصرها بكلمات بسيطة يستطيع آلاف الناس استيعابها والاستفادة منها لتكون حكمة خالدة». ويضيف سموه: «بعد تفكير عميق، وضعت خطتي في بناء قوة شرطة داخلية تمهيداً لبناء قوة الدفاع كالتالي: بحار، صحراء، سماء، رجال. لدي حدود بحرية تحتاج بشكل عاجل لحماية عن طريق قوارب سريعة، إضافة إلى مجموعة متنوعة من أجهزة الاتصال والرادارات، لدي صحراء والحدود البرية وحمايتها بالحصول سريعاً على مجموعات متنوعة من ناقلات الجند والدبابات وأجهزة الاتصال، وغيرها. ولدينا السماء والأجواء، وهي الأصعب والأكثر أهمية. وهي القوة الضاربة الحاسمة في أي صراع، أو حرب. والبداية ستكون بالتدريب على المقاتلات الحربية، ثم الانتقال لبناء القوة الجوية عندما تكون الظروف المالية مواتية. وفي كل محور من هذه المحاور هناك آلاف التفاصيل التي يتم التعامل معها، بناء على ما تلقيته من تدريبات، وما يمكن الحصول عليه من خبرات داخلية وخارجية». ويضيف سموه: «المحور الأصعب في الخطة كان «الرجال»، وهم دائماً المحور الأهم والأكثر حسماً في أي عمل، في الجيش، أو الحكومة، أو القطاع الخاص. إذا لم تكن دقيقاً في اختيار مواردك البشرية، إذا لم تبن قدراتهم ومهاراتهم بشكل حقيقي، إذا لم تزودهم بقيم العمل التي تريدها، إذا أخفقت في تحفيزهم وبث روح الحماسة الدائمة فيهم، إذا لم تفعل كل ذلك فعملك محكوم بالفشل منذ اليوم الأول». ويتابع: «كان لدينا في أواخر الستينات عدد قليل لا يتجاوز العشرات من عناصر الشرطة في دبي، ومثلهم أيضاً في قوة دفاع دبي، كنت أريد أن أبدأ بقوة من ألف شخص على الأقل، ولكن لم أكن أريد أي ألف. كنت أريد ألفاً يكونون نواة لعشرات الآلاف ممن سيأتون بعدهم، كنت أريد ألفاً يستطيعون بناء كافة أفرع قواتنا المسلحة لاحقاً، كنت أريد ألفاً من النخبة. كان يهمني كثيراً صيت وسمعة هؤلاء النخبة داخل البلاد وخارجها. كنت أريد ألفاً بعشرة آلاف». وتم تأسيس قوة دفاع دبي في العام 1971، ويروي صاحب السمو تفاصيل التأسيس لتظهر إرادة صاحب السمو في التغيير والتطوير، ومما رواه: «كانت معنويات الرجال عالية، لأنني كنت معهم في كل مراحل التدريب، لن يسمع الرجال كلام قائد كسول... أعطيتهم كل طاقتي، فأعطوني أفضل قوة فتاكة في تلك الفترة...» ويختم سموه بالقول: «العمل الشاق قد آتى ثماره، في غضون عامين فقط.. قوة ضاربة: الألف رجل فيها بعشرة آلاف».
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"