الولع بأخبار الحوادث

00:27 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

هل توجد أي متعة في مطالعة الأخبار السلبية؟ سؤال إشكالي، ربما يستفز البعض منا، لكنه السؤال الذي حاول تقرير ل«بي.بي.سي» تقديم إجابة واقعية عنه، نعم يجد البعض لذة في البحث عن الأخبار السيئة؛ بل ومتابعتها، هذا ما يقوله التقرير، وخاصة في فترة «كورونا». ولكن هل ترتبط المسألة بوباء، وإصابة الملايين من البشر بدرجة ما من التوتر والقلق؟ وهل يتعلق الأمر بالأخبار وحسب؟ هذا إذا وسعنا الدائرة وتأملنا تعامل البشر ورؤيتهم لمختلف أنواع المنتج الإعلامي والثقافي المقدم إليهم ويلامس الأخبار السيئة.

يشير الفرنسي روجيه غرنييه في كتاب «قصر الكتب» إلى أن هناك ولعاً ما داخل معظم البشر بقراءة أخبار الحوادث، ومن هنا تأتي أهميتها في أولويات وسائل الإعلام. قد يرفض البعض ذلك قائلاً، أن هذا الولع صنيعة تلك الوسائل، فالإنسان يميل إلى الهدوء، وهنا لا ينبغي علينا أن نذهب بعيداً، فمعظمنا شاهد تلك التجمعات البشرية في الشارع عند وقوع أي حادث، تجمعات في الأغلب تهدف إلى الفرجة، وهو ما تطور بعد ذلك إلى هوس تصوير تلك الحوادث عبر كاميرات الهواتف المحمولة، الأمر الذي يحتاج إلى مزيد من التحليل، الأهم من ذلك أن كتب التاريخ تحدثنا عن تجمعات بشرية مماثلة تابعت وقائع مشابهة، للاستمتاع بمشاهدتها، وذلك قبل وسائل الإعلام الحديثة بقرون عدة.

إذا تركنا حقل الحوادث الحقيقية، وانتقلنا إلى السينما، سنعثر على تلك الجماهيرية الطاغية لأفلام العنف والقتل، والغموض، أي الحوادث المعقدة والمتخيلة والتي تتضمن دراما. يبرر البعض ذلك بأن هذه النوعية من الأفلام، تداعب غرائز الجمهور ومن هنا الإقبال عليها، لكن كما وقف المؤرخ القديم أمام الكوارث مشاهداً ومدوناً تفاصيلها، وربما مستمتعاً بها في العمق، جلس الناقد المعاصر ليكتب ويقرظ بعض تلك الأفلام التي حصلت على أرفع الجوائز الفنية، ووصل الأمر إلى تقديم ما يشبه القراءات الفلسفية لها. أما إذا تجولنا في الأدب فعلينا تذكر مسرح شكسبير الذي تدور أهم أعماله حول ثيمة الانتقام، وشخصيات روائية اعتبرت دلالة على روح عصر بأكمله، فلا يحضرنا القرن التاسع عشر إلا مصحوباً بتلك الحوادث المرعبة لكل من «فرانكنشتاين»، «مصاص الدماء» و «دكتور جيكل ومستر هايد». 

إذاً، هناك متعة في تلك المسألة لا تتعلق بطبقة دون أخرى، أو تقتصر على عصر معين أو حدث محدد وعابر، ويؤكد الواقع والتاريخ أنها عامة، تشعر بها الأغلبية. وفي الوقت الراهن تجاوزنا الولع بمتابعة الأخبار والحوادث السلبية الحقيقية أو الفنية، إلى رغبة البعض في صناعتها، من خلال مواقع التواصل. أي أن تفسيرات علم النفس وتحليلات بعض الفلاسفة التي ربطت بين هذه المتعة، وفعلي التلقي والتأثر: القراءة أو الفرجة أصبحت قديمة، فلم تعد جرعة العنف التي كان يشاهدها البعض تنفسياً لشحنة غاضبة، أو تدفع إلى ممارسة العنف في موقف ما، لكنها باتت تغري بصنع هذا العنف ومن دون مبرر، وهي الظاهرة التي ستتضخم في المستقبل وتستدعي التفكير قبل فوات الأوان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"