عادي
دور مهم للأسرة والمدرسة في تنشئة طفل مبدع وعبقري

الجهل والإهمال يقتلان مواهب الطلبة في مهدها

00:15 صباحا
قراءة 6 دقائق

تحقيق: إيمان سرور
«أبناؤنا أكبادنا تمشي على الأرض»، وهم أمانة مُهداة من الخالق عز وجل، وهبنا إياها لنتعهدها بالرعاية ونقوم على تربيتها التربية التي ترضي الله عز وجل، وتصل بهم إلى مصاف الأمنيات التي نرتجيها لهم على كل الصعد التعليمية والسلوكية والخُلقية، وفي هذا الإطار يبرز مُسمى «الموهبة» الذي يُطل برأسه في شتى صنوف الحديث عن هؤلاء الأبناء، وهي تلك القدرات التي حبا الله بها أكثر من 90% من الأبناء، لتظهر في صورة مهارات، وتتلقفها الأسرة الممثلة في الوالدين، ودُور العلم التربوية الممثلة في المدارس والمجتمع المحلي والإعلام الهادف الناجح، ليقوم كل بدوره في تنمية تلك المواهب التنمية المدروسة، وصقلها بالأسلوب العلمي السليم في سياق تربوي ينم عن خبرة وعلم.

يؤكد بعض التربويين والمهتمين، أن المبدعين والعباقرة، يولدون وهم يحملون هذه الصفات والمقومات، فقد نجد الأطفال فائقي الذكاء في أي مكان، خاصة رياض الأطفال والمدارس التي تنطلق فيها طاقاتهم الإبداعية، وتظهر أولى علامات النبوغ والتفوق الذي يبشر بطفل عبقري مستقبلاً، إلا أن الواقع المرير في كثير من الأحوال، يشير إلى أنه وفي كثير من الأحيان، وفي أوج بروز تلك المواهب لدى الطفل، وظهور تلك الملكات، توأد في المهد، جراء الجهل والارتجال وعدم المعرفة والمسؤولية.

يركز التحقيق الآتي على دور الأسرة والمدرسة، وسيول من الأخطاء التي يرتكبها الآباء والمعلمون في كثير من الحالات، دون إدراك منهم لتربية الأبناء وتعليمهم، مثل ممارسة السلوكيات التي تتسم بالقسوة والزجر والنهر وأحياناً الضرب، وسلوكيات السخرية والاستهزاء بقدراتهم الإبداعية، ما يتسبب في تدمير روح تلك المواهب والإبداعات، كما نتعرف إلى مواصفات الطفل الذكي والموهوب ودور الأسرة والمدرسة في اكتشاف موهبة الطفل وتنشئة طفل مبدع وعبقري.

مؤشرات

ويؤكد الاختصاصي الاجتماعي أحمد محمد الطنيجي، أن هناك مؤشرات تدل على ذكاء الطفل، وعلى الوالدين أن يتنبّها لها، ويعملا على تحفيزها بكل الطرائق والوسائل، ومنها إصرار الطفل على أن يجيب عن كل شيء، أو يرد بنفسه على كل سؤال قبل الآخرين، كما أنه غالباً ما يبحث في البيت عن مصادر أو مجالات تعلم أخرى، تسمح له بإيجاد أجوبة عن تساؤلاته خارج الإطار المدرسي، مثل تفكيك الألعاب لاكتشاف ما بداخلها، ومطالعة الكتب إذا ما توافرت. ولأن الأسرة على وجه الخصوص هي الحاضنة الأولى للطفل، والمسؤولة عن تنمية مواهبة وقدراته، وجعله طفلاً موهوباً وعبقرياً، فينبغي عليها مساعدته على اكتشاف اهتماماته، وتطوير مهاراته الذهنية، وتوفير احتياجاته، فالعبقرية ليست قائمة على عامل الوراثة فقط، وإنما يمكن بالتربية خلق طفل عبقري مبدع.

دور الأسرة

صنعة السويدي، مديرة دائرة خدمة المجتمع بمؤسسة التنمية الأسرية/فرع العين، تؤكد أن الأسرة تكتسب أهميتها من أنها تعمل على تحقيق عملية البناء والإنماء، حيث تقدم للمجتمع أثمن ثروة يعتمد عليها في بنائه ونمائه، ألا وهي الثروة البشرية؛ لذلك ينبغي عليها مراعاة روح الحوار مع أبنائها عبر انتقاء الجلسات الأسرية، ومشاركتهم في الحديث لإكساب الطفل الثقة بنفسه، حتى يشعر بأنه فاعل في الأسرة من حيث طرح الأفكار والمشاركات المختلفة في الحديث أو إبداء الآراء، ما يتيح له الفرصة للتفكير والوصول إلى كثير من الاستنتاجات بنفسه، بمراعاة قدراته واتجاهاته وميوله ومستوياته الفكرية، أضف إلى كل ذلك دور المدرسة واهتمامها بالأطفال وتمكينهم من عيش طفولتهم الطبيعية، وعدم إغراقهم بالأنشطة التعليمية المتكررة التي تحشو أدمغتهم، فتؤثر في تشتيت أفكارهم وإضعاف مهاراتهم، والحدّ من قدراتهم ووأد مواهبهم للأسف، لافتة إلى أن الطفل الموهوب الفائق الذكاء أو العبقري، يحتاج إلى معاملة خاصة من الأهل والمدرسة، ومن الضروري حصول تعاون بينهما، ليستطيع التكيف مع المجتمع، وبلورة ذكائه، بوضع برامج تربوية ومنهجية تناسب ذكاءه.

القراءة أولاً

ويقول عمر الجنيبي، موجّه التربية الاجتماعية: «لكي نربي طفلاً عبقرياً، يجب أن نعلّم أطفالنا دروساً ومعلومات جديدة ومختلفة عما يتلقونه في مدارسهم، ونشجعهم على القراءة بحيث يبدأ الطالب اليوم الدراسي بدرس القراءة أولاً قبل كل الدروس، لكي نغرس فيهم حب التعلم والبحث عن المعلومة في كل وقت ومكان، بمختلف الطرق، ولكي يعلم الطفل أن البحث وحب القراءة والاطلاع، ليس مرتبطاً فقط بالدراسة المدرسية أو الجامعية، وإنما هو أسلوب حياة لمن يحب أن يكون متعلماً مدى الحياة».

رعاية

وتنصح فاطمة الحوسني، موجّهة نطاق في أبوظبي، أولياء الأمور بألا يكونوا عصبيين أثناء تعليم الطفل المبدع والذكي، فالعصبية والصرامة تجعله ينفر من التعليم برمته، كما ينبغي على الآباء رعاية هذا النوع من الأطفال ومتابعة مواهبهم وتنمية قدراتهم منذ الصغر، واختيار أفضل الفرص لتعليمهم وتطويرهم، مع دمج أساليب التعليم والتسلية معاً، لتحبيب التعلم إليهم، فالإبداع يبدأ من المنزل أولاً».

إحباط وفشل

وتشير الدكتورة رحاب الشافعي (مدرسة مجتمعات تعلم)، إلى أن هناك بعض المشكلات والعقبات التي تواجه الموهوبين، ومصدرها المباشر الآباء أو الأقارب، فعدم اكتراث الأسرة بمواهب الطفل العقلية أو الفنية، وتجاهل نشاطاته، وإكراهه أحياناً على عدم ممارسته لها، وعدم توفير الإمكانات المادية والمعنوية له مهما كانت قليلة، تكون سبباً في إحباط الطالب الموهوب وفشله، أو تعثر موهبته، وكل هذا يؤدي إلى معاناته مشكلات نفسية تؤدي به إلى سوء التوافق النفسي والاجتماعي، فعلى الرغم من تميزه بدافعية عالية نحو التعلم والرغبة في البحث والاستطلاع، فإنه في حالة مروره بمواقف مؤلمة، خاصة في مراحل حياته الأولى، وإخفاق البيئة المحيطة في إشباع حاجاته، فقد يصاب بالإحباط والفشل، وينتابه القلق والتوتر، وتتحول حياته إلى صراعات نفسية داخلية تدمر ذاته وتقتل الإبداع لديه، وهكذا قد تعمل الأسرة على وأد الموهبة في مهدها لدى طفلها الموهوب. فالموهوبون غالباً ما ينسحبون ويتخلون عن مواهبهم وممارسة هواياتهم في حالات الفشل المتكرر.

وتضيف الشافعي أن هناك مشكلات وصعوبات أيضاً تتعلق بالبيئة المدرسية، تؤدي إلى انسحاب الموهوب غالباً وتخليه عن موهبته وممارسة هواياته في حالات الفشل المتكرر، حيث تحتوي البيئة المدرسية على متغيرات متعددة ووسائط متنوعة، تؤدي دوراً مهماً في تنمية الإبداع وصقل الموهبة لدى الطلبة في المراحل الدراسية الأولى؛ إذ استغلت لمصلحة الطالب.

دور المعلم

وتوضح نعمة المرشودي مديرة المحتوى في المشاريع الخاصة في دائرة التعليم والمعرفة بأبوظبي، أن المدارس تعين مقرراً لفريق الإثراء لديها، ومنفذاً لإجراءات الكشف والرعاية، ومسؤولاً عن سرية المقاييس وبيانات الطلاب، يقوم بالكشف عن الطلاب الموهوبين باستخدام المحاكاة والمقاييس المعتمدة للبرنامج، كما أن هناك مؤشرات يمكن أن تساعد على اكتشاف الطفل الموهوب وتنمية موهبته، مثل: اجتيازه اختبارات نفسية بنجاح، وتمتّعه بقدرات ذاتية ملحوظة، وتفوقه في المنافسات والمسابقات المختلفة، والحرص على مشاركته فيها بشكل مستمر، فضلاً عن توفير أفضل البرامج التي تلبي احتياجات الطلبة، وإثراء مواهبهم نحو التميز والتطور، مثل إرسال المدرسة الطلاب في رحلات علمية، أو زيارة المكتبات المختلفة، أو تطبيق بعض برامج التفكير الإبداعي على المدرسة كلها، وليس على الطلاب المبدعين فقط.

ثلاثة مقومات

وتقول موجهة التربية الخاصة، هاجر الحوسني، إن الأطفال أصحاب الهمم، ربما يتمتعون بقدرات أو مواهب لا يمتلكها أقرانهم الأصحاء؛ لذا هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأسرة في الاكتشاف والتنمية والرعاية، عبر الملاحظة والمتابعة والتقرب منهم وتشجيعهم. ومن الضروري أن ندرك أن الموهوب يجب أن يتمتع بثلاثة مقومات أساسية: قدرة فوق المتوسط؛ لأن هناك من يخلط بين الموهبة والنبوغ أو العبقرية؛ إذ يكفي أن يظهر الطفل أفضل بشكل ملحوظ من أقرانه في مجال ما، حتى ندرك أن لديه موهبة، ونعمل على تحسينها.

أما الركن الثاني فهو الإبداع؛ أي إظهار قدرة مختلفة، وتقديم أداء خلاق وغير تقليدي. والركن الثالث المثابرة، بمعنى أن يتمتع الطفل بعزيمة تمكنه من ترقية موهبته والحفاظ عليها؛ لأن هناك أطفالاً مبدعين لكن غير مثابرين، وهناك متميزون لكنهم تقليديون، لذا إذا اجتمعت الأركان الثلاثة في طفل، فتأكد أن لديك مشروعاً لعالم أو رياضي أو فنان أو رسام موهوب

وتنصح الحوسني أسرة الطالب بالانتباه إلى الجوانب السلبية لدى الأبناء، ومحاولة إصلاحها سريعاً، خصوصاً لدى الموهوبين، مثل: التقاعس عن أداء واجباتهم، أو وضعهم في حالات اجتماعية سيئة، أو اختلاطهم بأصدقاء سيئين، فكل هذه العوامل كافية لقتل الموهبة فيهم، وتدميرهم بوصفهم مشروعاً للمستقبل.

متابعة وتأهيل

يرى مصطفى الجريدلي، اختصاصي غرف المصادر التعليمية، أن هناك ضرورة لاستمرار متابعة المواهب على مدار العملية التعليمية؛ إذ يكتشف طلبة موهوبون في سن مبكرة من المرحلة الدراسية الأولى، لكن يتجاهلون أو لا يتابع تطورهم في المراحل اللاحقة، خصوصاً عند انتقال الطالب من مدرسة إلى أخرى؛ إذ ربما يكون اكتشاف موهبته مرتبطاً بمعلم بعينه في المرحلة الأولى، وتهدر تلك الموهبة حين لا يوجد من يعيد اكتشافه، مؤكداً أن اكتشاف الموهبة هو حجر الأساس لكل مراحل تطوير الطالب الذي يتمتع بها، لذا فإن دور المكتشف ربما يكون الأهم على الإطلاق في مسار الموهوب، لأنه من يرسم له طريقه، ويلفت نظر الإدارة المدرسية والأسرة، والجهات المعنية، إلى تميز الطالب، ومن هنا تظل هناك حاجة ملحة إلى تأهيل المعلمين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"