ثغرات في قصة الركود

20:41 مساء
قراءة 4 دقائق

جيم أونيل*

كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن قضايا الركود والتضخم وحتى الركود التضخمي، وفي غمار ذلك، حريّ بنا التساؤل، هل هناك فعلاً ما يبرر هذا التشاؤم السائد؟

على الرغم من أنني كنت ممن شارك في الكآبة الحاصلة عندما حذرت مبكراً من أنه قد يكون «عاماً سيئاً للأسواق»، فإنني بدأت أعيد النظر في آرائي السابقة، اعتماداً على أربعة أسباب أراها جوهرية.

أولاً: لقد أدهشني مدى انتشار رواية الركود الاقتصادي والتنبؤ بها. ويبدو أن الجميع تقريباً يعتقدون أن البلدان المتقدمة تتجه إلى الركود، أو هي بالفعل في حالة ركود. كنت قد أجريت عدة مقابلات مع مستشاري الأعمال الذين يرغبون جميعاً معرفة كيفية الاستعداد الجيد للركود. وكما أشرت إلى أحدهم، لا أعرف أي ركود سابق (كان متوقعاً من حيث حجم اليقين)، يشبه الركود الذي من المفترض أن نمرّ به الآن.

وخلاصة تجربتي أن السبب الرئيسي وراء كون «الركود» كلمة مرعبة، هو أن فترات الركود عادة ما تكون غير متوقعة، ولا يشعر بها المتنبئون الاقتصاديون إلا بعد وصولها بالفعل. وهذا ما حدث في عامي 2007 و2008 الفريدين إلى حد ما. وحدث مرة أخرى في عام 2020، مباشرة بعد ضرب فيروس كورونا العالم على حين غرّة ودون استئذان أو تنبؤات. حتى الآن، هناك بعض البنوك المركزية (وبالتحديد بنك إنجلترا)، تتوقع علانية حدوث ركود في وقت لاحق من هذا العام. فهل تحسنت التوقعات الاقتصادية فجأة أم إن هناك شيئاً آخر يحدث؟

صحيح أن ربعين متتاليين من النمو السلبي للناتج المحلي الإجمالي يُؤخذان عادة كإشارة إلى دخول الاقتصاد في نفق الركود، ويبدو أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة قد انتهج بالفعل هذه السلبية في الربعين الماضيين، لكن بالتأكيد يجب أن نأخذ في الاعتبار الأسباب المحددة للانكماش الظاهر. فبعضها، مثل الانخفاض الكبير في المخزونات، يعكس قصة الاقتصاد الأوسع الذي يتناقض مع بعض المؤشرات الأخرى. خذ على سبيل المثال، تقرير الوظائف الأخير لشهر يوليو الصادر عن مكتب إحصائيات العمل في الولايات المتحدة، الذي كان أقوى بشكل ملحوظ مما كان متوقعاً. وفي ضوء هذه البيانات، لن أتفاجأ إذا أعلن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية أن البلاد ليست في حالة ركود.

السبب الثاني وراء شكي في السرد السائد، هو أن جميع المؤشرات على المدى المتوسط وطويل الأجل لا تشير إلى تضخمٍ أعلى ومستدام. قد يكون مؤشر توقعات التضخم لخمس سنوات من جامعة ميشيجان، المراقب عن كثب، قد ارتفع لفترة وجيزة فوق 3%، لكنه تراجع منذ ذلك الحين إلى 2.9%، مما يشير إلى أن المستهلكين العاديين يعتبرون الارتفاع الهائل في التضخم هذا العام أمراً عابراً. نعم. إذا كنت عضواً في مجلس الاحتياطي الفيدرالي، فمن السابق لأوانه أن تكون واثقاً جداً بهذه النتيجة. ولكن إذا استمرت معنويات المستهلكين إيجابية خلال الأشهر المقبلة، فأعتقد أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيصبح أقل تشدداً.

ثالثاً: في حين أن أسعار العديد من السلع الأساسية لا تزال مرتفعة بشكل ملحوظ منذ عام تقريباً، إلا أنها شهدت تراجعاً أيضاً في الأسابيع الأخيرة. وإذا ظلّت مستقرة نسبياً، فإن التضخم الرئيسي في العديد من البلدان سيبدأ في الانخفاض، وربما بشكل كبير. ومن المثير للاهتمام كذلك، أنه بينما حظيت توقعات بنك إنجلترا للتضخم المرتفع والركود باهتمام كبير، يبدو أن القليل فقط لاحظ أن توجهات البنك المركزي هناك رأت أيضاً أن التضخم سينخفض في النهاية بشكل حاد عن أعلى مستوى متوقع له خلال معظم فترات عام 2023.

أما السبب الرابع والأخير لعدولي عن التشاؤم بخصوص توقعات الركود، فهو أنه في معظم ملاحظات أبحاث البنوك الاستثمارية في الوقت الحاضر، هناك افتراض أن البنوك المركزية ستكافح بقوة أي انتعاش في الأسواق المالية؛ لأنها لا تستطيع السماح بتخفيف الظروف المالية في البيئة الحالية للبطالة المنخفضة، وضغوط الأجور المتزايدة، ومخاوف التضخم. ومع ذلك، وفي حين أن هذه كانت بالتأكيد الرسالة التي يسمعها الجميع من محافظي البنوك المركزية، فإنني أميل إلى الاعتماد على القول المأثور: «إذا كان بإمكانك التأكد من أي شيء، فهو أن محافظي البنوك المركزية سيغيرون رأيهم حتماً في مرحلة ما بشأن المناخ الاقتصادي»، لذلك لا داعي للقلق المبالغ فيه. والدليل على ذلك أنه طوال عام 2020 ومعظم فترات عام 2021، كان الإجماع بين محافظي البنوك المركزية على أن التضخم أمر مؤقت، لكنهم غيروا النغمة منذ ذلك الحين.

مرة أخرى، من السابق لأوانه أن نكون متفائلين للغاية، كما لا أريد أن أعطي الانطباع بأن مخاوف الركود لا مبرر لها. فإذا انعكس الانخفاض الأخير في الإشارات التضخمية، مثل أسعار السلع والمنازل والسيارات المستعملة، وانحرفت التوقعات التضخمية طويلة الأجل للأعلى، فقد يتعين عليّ التراجع، لكن بعد أن عشت وتنفست الأسواق المالية على مدى 40 عاماً، كنت دائماً مفتوناً عندما يكون هناك إجماع قوي حول شيء ما، خاصة عندما تتعارض بعض الأدلة الفعلية معه.

على أي حال، آمل بالتأكيد أن يكون التشاؤم مبالغاً فيه، في وقت تواجه فيه الاقتصادات المتقدمة تحديات كبيرة، ليس أقلها ضعف نمو الإنتاجية المستمر وما له من آثار سلبية في العديد من المجالات الأخرى للحياة الاجتماعية والاقتصادية. سنواجه تحديات هائلة ومتكررة في السنوات المقبلة، لكن مهما كانت الظروف، علينا ألا نترك الكآبة تتغلب علينا.

*الرئيس السابق لشركة «جولدمان ساكس» لإدارة الأصول، وزير الخزانة البريطاني السابق.

«بروجيكت سينديكيت»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr2xxnva

عن الكاتب

الرئيس السابق لشركة «جولدمان ساكس» لإدارة الأصول، ووزير الخزانة البريطاني السابق

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"