عادي

أدب الحوار.. قيمة تمنع الكراهية

23:39 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني
حض الإسلام على مكارم الأخلاق، وإشاعة لغة الحوار الراقية بين عموم الناس، وعلى الرغم من ذلك، فإن الواقع وساحات مواقع التواصل الاجتماعي غصت بمشاجرات كلامية، ومعارك وإسفاف لفظي، وانساق وراء ذلك الكثير، ما أشاع لغة خطاب وأسلوب حوار يجلبان الكراهية؛ لذا، ليس غريباً أن تكثر دعاوى السب والقذف وقضايا التشهير، ليس بين عامة الناس فحسب؛ لكن بين متعلمين ومثقفين، ينبغى عليهم أن يكونوا مثالاً وقدوة في أدب الحوار.

1

يؤكد د. شوقي علام، مفتي مصر، «أن الإسلام يربي أتباعه على أدب الحوار، فلا إسفاف ولا سخرية، ولا إهانة لأحد حتى ولو اختلفنا معه في الرأي أو الفكر أو الثقافة، وكل تعاليم الإسلام وآدابه تصب في هذا الاتجاه؛ لذلك فواجب الإنسان وفقاً لتعاليم دينه أن يتحاور بأدب، ويختلف دون شجار، ويتناقش برقي وتحضر، ويتجنب النزاع الذي ينتهي إلى إفساد علاقات المودة والرحمة، وإهدار فرص التواصل المثمر بين الناس».

ويضيف: «لا شك أن الإسلام يرفض ويدين ما نشاهده كل يوم في حياتنا العامة من مشاجرات كلامية هنا وهناك، فالحوار العقلاني المفيد لا ينبغي أن يكون مصحوباً بانفعالات، أو ممزوجاً بكلمات وأوصاف قاسية، ولا ينبغي أن يخرج عن حدود الأدب واللياقة كما نرى في حوارات ومناقشات كثيرة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، يتورط فيها للأسف أشخاص من المفترض أنهم قدوة طيبة للآخرين وخاصة للمراهقين والشباب».

ويوضح مفتي مصر أن الكلمة التي ينطق بها الإنسان في نظر الإسلام أمانة؛ لذلك لا تجد شريعة من الشرائع، أولت الكلمة هذه الأهمية والخطورة قدر ما أولتها شريعة الإسلام، حتى إنها جعلتها مناط تحريم وتحليل؛ لذا كان التحذير منها ومن خطورتها من أعظم ما ورد فيه تحذير في القرآن العظيم، يقول الحق سبحانه: «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد»

ويشدد د. علام على أن كثيراً من المعاصي تنشأ من اللسان، وخطورتها تكمن في أنها كلام يحاسب الإنسان عليه حساباً شديداً، وللأسف يقع المسلم فيها من دون أن يدرك خطورة ما يفعل.

ضبط النفس

يؤكد د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن تعاليم وأخلاق ديننا تعلمنا أدب الحوار، واحترام المخالفين لنا في العقيدة أو الفكر أو الرأي، ويقول: «كل ما نشاهده من إسفاف لفظي ولغة خطاب متدنية بين الناس يأتي نتيجة عدم الحرص على الآداب والأخلاق الإسلامية في الحوار، والاستسلام للغضب، وعدم ضبط النفس عند الغضب، بمعنى السيطرة عليها والتحكم فيها وعدم تركها تسبب إساءة للآخرين».

ويقول د.هاشم: «من أعظم الآداب التي ينبغي أن يتخلق بها الإنسان السوي في كل المواقف والأحوال، اعتدال المزاج، وعفة اللسان، والتسامح والعفو عند المقدرة في التعامل مع الآخرين، وكل من يحرص على ذلك فهو من المؤمنين الصادقين؛ حيث يقول الحق سبحانه في القرآن الكريم: «الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين»، ومن هذا النص القرآني يتضح أن من صفات شخصية الإنسان المؤمن «الاتزان النفسي والسمو الأخلاقي»، فهو في أحلك الظروف التي يمر بها، وفي أشد حالات الغضب، ينبغي أن يتحلى بضبط النفس، فلا يغضب إلا لانتهاك حرمات الله، ولا ينساق وراء سقطة لسان من آخرين، ؛ ذلك أن الغضب والانسياق لأهواء النفس خلال سيطرته على الإنسان هو الذي يؤدي إلى كثير من المصائب والكوارث، فما أكثر ما يحدث في حياتنا من جرائم قتل بسبب الاستسلام للغضب.

وينتهي عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر إلى تأكيد أن السيطرة على النفس عند الغضب خلق إسلامي كريم ينبغي أن يتحلى به كل مسلم، فقد كانت توجيهات رسولنا العظيم دائماً لصحابته الكرام ولعموم المسلمين: «لا تغضب»

ومن هنا، كان النهي عن الغضب أبرز وصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ، وكان عليه الصلاة والسلام، يوصي أصحابه دائماً بحسن الخلق، الذي هو أثقل شيء في الميزان يوم القيامة، وهو هنا يدلهم على باب عظيم من مكارم الأخلاق، وهو: ترك الغضب، وكف النفس عند الغضب.

القول الحسن

يؤكد د. محمود الصاوي، أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر ضرورة أن يكون المسلم عفيف اللسان لا ينطق بما يجرح به مشاعر الآخرين، راقياً في حواره مع الآخرين، فهكذا علمنا القرآن الكريم في العديد من نصوصه، وقد خاطب الحق سبحانه وتعالى المسلمين جميعاً وعلى الأخص الذين يتولون تقويم سلوك الآخرين ووعظهم وتوجيههم من الدعاة وغيرهم بقوله في كتابه الكريم: «وقولوا للناس حسناً»، وهذا يعني أن عفة اللسان التي نشر ثقافتها القرآن الكريم بين الناس تشمل القول أيضاً والعفة في القول تفرض على المسلم ألا يتكلم إلا بالطيب من القول وإلا بما يتفق مع روح الإسلام وتعاليمه ومبادئه قال الله تعالى: «وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد»، وبيّن سبحانه أن العفة في القول بالكلام الطيب تجعله عند الله مرفوعاً، موصول الثواب فقال: «إليه يصعد الكلام الطيب والعمل الصالح يرفعه».

عفة اللسان والقرآن

يرى د. الصاوي إلى أننا في أمسّ الحاجة الآن إلى «عفة اللسان» بكل صورها، فقد أدى غياب هذا الخلق القرآني عن حياة الكبار والصغار إلى انتشار قبائح النفس والسلوك في مجتمعاتنا؛ حيث شاع الإسفاف اللفظي الذي يدنس الأعراض دون خوف من عقاب خالق، أو ردع قانون، كما انتشرت عبارات ومصطلحات قبيحة بين بعض الشباب في بعض بلادنا العربية والإسلامية، وتدنت نفوس أناس وأهانت شرفاء وأبرياء بألفاظ متدنية، ولم يعد يمنع هؤلاء دين ولا خلق من ممارسة الإسفاف اللفظي سواء في وسائل الإعلام أو في علاقاتهم ومعاملاتهم اليومية. وينتهيإلى تأكيد حقيقة مهمة وهي أن علاج هذا الإسفاف السلوكي والتدني اللفظي يكمن في القرآن؛ حيث الأخلاق الفاضلة التي تضبط سلوك الانسان قولاً وفعلاً، وترقى به وتوفر للمجتمع كله الحماية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3pk84das

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"