الاستدامة في الخدمات اللوجستية

20:35 مساء
قراءة 5 دقائق

سوهام تشوكشي *

انطلاقاً من حرص الإمارات العربية المتحدة على الريادة في كل ما يتعلق بمواضيع الاستدامة تماشياً مع رؤية دبي لعام 2030، ونظراً لامتلاكها بنية متينة من ناطحات السحاب الصديقة للبيئة، بالتزامن مع اعتمادها لأحدث التقنيات المتطورة لرقمنة عملياتها وإطلاق موارد التنقل الذكي، بات اليوم من الضروري أن نسأل كيف بالتحديد يمكن للعمران العمودي في دولة الإمارات العربية المتحدة التأثير في عمليات الخدمات اللوجستية المستدامة؟

بلغ عدد المباني السكنية الشاهقة في إمارة دبي نحو 581166 وحدة سكنية (بواقع نسبة 79%) في عام 2020، ويعتبر هذا النوع شائعاً في الإمارة. ويواصل هذا الرقم تزايده مع توسع المدينة في آفاقها العقارية. ونظراً إلى العدد الهائل من الأشخاص ممن يقطنون هذه الأبراج السكنية الشاهقة، فهناك احتمالية كبيرة لتلقي طلبات متعددة من كل برج من هذه الأبراج. وهذا بدوره يقلل من الوقت الذي يستغرقه مندوبو التوصيل على الطرق لتوصيل أحد الطلبات، فضلاً عن تميزه بتقليل عدد الرحلات والمسافة المقطوعة، ما يعمل على خفض انبعاثات الكربون للوفاء بالتزامات التوصيل. وعند مقارنتها مع نظيراتها من المدن التي تضم بنية تحتية أفقية، فهذا يثبت فاعلية أكبر مع دعم جهود الحكومة في العمل نحو تحقيق أهداف الاستدامة.

ويحظى هذا المفهوم بدعم وتعزيز نهج المدينة متعددة المراكز الذي تتبناه مدينة دبي، حيث تتمثل المدينة متعددة المراكز في منطقة تضم ثلاثة تجمعات أو أكثر من المباني التي يزيد ارتفاعها كثيراً على النسيج الحضري المحيط بها. وقد أصبحت أحياء ناطحات السحاب ملتقى المجتمعات السكنية، من أمثلة وسط مدينة دبي وأبراج بحيرة جميرا والخليج التجاري ونخلة جميرا وغيرها العديد من الأحياء الأخرى، تغطي أهم أجزاء البنية التحتية من المدينة في الوقت الراهن، كما أنها أيضاً تسهم في تقليل وقت الانتقال لإتمام عمليات التوصيل في تلك المجمعات. وفي حين ستشهد أعداد عمليات التوصيل زيادة كبير، سيؤدي ذلك إلى التطلع إلى قصر حيز مسافات التوصيل ليكون أولوية مفاهيم التنقل الذكي، من أمثلة مركبات التوصيل المكوكية بدون سائق والدراجات الكهربائية وغيرها أمراً ممكناً.

تعتبر 61% من المؤسسات العاملة في الخدمات اللوجستية وخدمات النقل الميل الأخير من الرحلات هو الأكثر تكلفة في عملية تقديم الخدمة اللوجستية بأكملها.

ويعتبر التسليم مكوناً مهماً في تجربة التسوق الإلكتروني. فعلى سبيل المثال، يرغب 64% من العملاء في معرفة الوقت المقدر للوصول الخاص بطلباتهم، في حين يعتمد 28% من العملاء وقت التوصيل في تحديد مدى جودة بائع التجزئة، بينما يقرر 61% من العملاء مواصلة التسوق من العلامة التجارية إذا ما حظوا بتجربة توصيل ممتعة. وبالتالي، فقد أصبحت خدمات التوصيل عنصراً مهماً وحيوياً في ترسيخ ميزة تنافسية في قطاع التجارة الإلكترونية وصناعة التجزئة.

وتتميز العديد من الشركات بتقديم خدمات التوصيل في نفس اليوم لعملائها ممن يبحثون عن خيارات توصيل أكثر سهولة وسرعة. وهذا بدوره أسفر عن إقدام شركاء التوصيل على زيادة أعداد المركبات العاملة على الطرق لها وزيادة أعداد الرحلات للوفاء باتفاقيات مستوى الخدمة الخاصة بالتوصيل في اليوم ذاته، وبالتالي زيادة الانبعاثات الصادرة عنها من الكربون.

أضف إلى ذلك، أن زيادة أسعار الوقود يعد أحد الأسباب الرئيسية لإثارة القلق، حيث إنه يؤدي إلى تضخم التكاليف الكلية للخدمات اللوجستية. وعليه، تضطر الشركات إلى دفع مزيد من الأموال لكل ميل مقطوع، الأمر الذي يؤثر سلباً وبشكل مباشر في أرباحها. كما أن الإخفاق في مواجهة مثل هذا التحدي قد يؤدي إلى انتقال عبء التكلفة ليصل إلى المستهلك، ما يمكن أن يؤثر في الحفاظ على ولاء العملاء. وعلاوة على ذلك، أصبح 65% من المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط أصدقاء للبيئة خلال فترة الجائحة، حيث أقدموا على الانخراط في سلوكيات مستدامة. وبات من الطبيعي في يومنا هذا أن نرى العملاء يقبلون على شراء علامات تجارية تركز على مفهوم الاستدامة.

وفي سبيل التغلب على توقعات العملاء المتطورة باستمرار والمتغيرات غير المسبوقة، ينبغي على الشركات الاستثمار في التقنيات المبتكرة والمتسارعة. فبإمكان مثل هذه الحلول تحسين كفاءة العمليات وخفض التكاليف مع الدفع بعمليات الخدمات اللوجستية المستدامة في الوقت ذاته.

وتعمل منصة إدارة الخدمات اللوجستية الذكية على رقمنة رحلة المنتجات، حيث تتيح للشركات إمكانية العمل على تحسين مواضع التقصير في الخدمات اللوجستية. فالتوثيق الرقمي يعمل على التخلص من المعاملات الورقية، بالإضافة إلى عمل محركات تحسين وتخطيط المسارات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي والتعليم الآلي على وضع الخطة لأكثر الطرق كفاءة في عمليات الخدمات اللوجستية. وهذا بدوره يسفر عن تقليل الوقت المستغرق على الطرق، حيث تسهم أدوات تحسين المسار الذكية في التخلص من الأميال الشاغرة وتقليل المسافة المقطوعة بواقع 5% مع منع تباطؤ المركبات وتقليص أعداد الرحلات بحوالي 6%.

ومن شأن دقة الوقت المقدر للتوصيل مع التتبع في الوقت الفعلي ومرونة عمليات التوصيل من تمكين العملاء من البقاء على اضطلاع لحظة بلحظة خلال عملية التوصيل أو طلب إعادة جدولة عمليات التوصيل حسب الفترات التي يفضلونها. وهذا من شأنه مساعدة الجهات المعنية في الخدمات اللوجستية على زيادة معدل نجاح التوصيل الأولى لهم مع تقليل أعداد إعادة محاولة التوصيل المتعددة وخفض أعداد الرحلات وانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.

كما تمكن مثل هذه الحلول المسؤولين عن التسليم من تكوين وتحديد الأولوية لاختيار طرق التوصيل الصديقة للبيئة، والتي تتميز على الأغلب بقصرها، الأمر الذي يعتبر المفضل نظراً إلى نموذج المدينة متعددة المراكز الذي تتمتع به مدينة دبي. وباستخدام منطق التغذية المسبقة هذا، يعمل النظام تلقائياً على تخصيص الدراجات أو المركبات الكهربائية أو المركبات بدون سائق لتنفيذ عمليات التوصيل ذات المسافات القصيرة.

ويمثل سوء جودة العنوان أو عدم قدرة السائق على الوصول إلى موقع العميل في الوقت المحدد أحد العقبات الكبيرة التي يعاني منها مقدمو خدمات توصيل البريد السريع. وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة استهلاك الوقود وزيادة انبعاثات غاز ثاني أكيد الكربون. وعليه، يلجأ 51% من المتسوقين إلى إعادة طلباتهم التي لا تصل في الوقت المحدد، ما يسفر عن إهدار كافة الجهود اللوجستية المبذولة.

ومن شأن الترميز الجغرافي المساعدة على تحويل سوء جودة العناوين إلى إحداثيات دقيقة، حيث يظهر ذلك كخط واضح على التطبيق الإلكتروني الموجود على هاتف السائق، والذي يقوده مباشرة إلى موقع العميل المحدد.

طريقة أخرى لتعزيز أداء عمليات التوصيل تتمثل في التخطيط الآلي للسعة، حيث تستفيد أدوات إدارة الخدمات اللوجستية العاملة بالذكاء الاصطناعي من الخوارزميات الذكية التي تتميز بدورها بتخطيط بيانات المركبة والشحنة بسلاسة. كما أن بإمكانها زيادة قدرة المركبة من خلال مراعاة المعايير مثل موقع التسليم والوزن والحجم ووقت التوصيل ونوع التخزين وغيرها، ما يسهم في تحسين كفاءة سعة التوصيل بدون إعاقة المسافات المقطوعة أو عمر المركبات من خلال تشغيلها بسعتها القصوى، وبالتالي زيادة استغلال المساحات في المركبات بنسبة 31%.

تعمل منصات إدارة الخدمات اللوجستية العاملة بالذكاء الاصطناعي على تحسين مستوى إنتاجية عمليات التوصيل من خلال تمكين عمليات التوصيل والنقل متعددة التوقفات للسائقين في الرحلة الواحدة، حيث تتميز عملية تجميع الطلبات على الطريق بضم عمليات النقل والتوصيل لتقليل أعداد الرحلات مع تحسين إنتاجية السائق بواقع 14%.

ويمكن للمزيج الصحيح من البنية التحتية والتكنولوجيا من إحداث فرق كبير في إدارة عمليات الخدمات اللوجستية الصديقة للبيئة، فضلاً عن تعزيز أهداف الاستدامة التي تتبناها دولة الإمارات العربية المتحدة، بعملية توصيل واحدة في المرة الواحدة.

* الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة «شيبسي»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2pptdpfb

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"