عادي
يحب الضباب والضحك وسباق الجري

فدريكو فلليني.. شاعر السينما الإيطالية

23:43 مساء
قراءة 4 دقائق
1

يوسف أبولوز

يوصف المخرج فدريكو فلليني 1920-1993 بشاعر السينما الإيطالية، وإذا أردنا أن نبالغ في الاحتفاء بهذا الفنان المثقف، ربما نجيز لأنفسنا القول بأنه شاعر السينما الأوروبية أيضاً، وإذا كان بعض المخرجين يقصر حياته خلف الكاميرا في السينما، أو يختصر حياته على الخشبة في المسرح، فلا يعرف من الثقافة الكونية إلاّ ثقافة الصورة، فإن فلليني قارئ في الفلسفة وعلم الجمال والشعر والموسيقى وعلم النفس والحضارات والأديان، وسوف تظهر هذه «الخلطة» الكيمائية إن جازت العبارة، وأقصد بها خلطة فلليني الثقافية في كتاب بالغ الأهمية في رأيي هو عبارة عن حوار-كتاب أو حوار أكثر من مطوّل مع فلليني أجراه: جيوفاني جرازيني، وترجمه إلى العربية الكاتب البحريني: أمين صالح، وصدر الكتاب تحت عنوان «حوار مع فدريكو فلليني» في عام 2007 ضمن سلسلة كرّاسات السينما في إطار مسابقة أفلام من الإمارات «الدورة السادسة».

لنر أولاً ماذا يقول عن إيطاليا، وعن الشخصية الإيطالية في هذه المادة الاحتفائية هي الأخرى بهذا البلد العبقري في صناعة الفرح الكوني العام ومن أسماء هذا الفرح: السينما.. نعم السينما ذاتها التي عرّفته ببلاده إيطاليا..

يقول:.. «.. تصوير الفيلم في أماكن مختلفة أتاح لي فرصة اكتشاف إيطاليا، قبل ذلك لم أشاهد سوى مناطق قليلة في بلادي: فلورنسة، روما، وبعض الرحلات الوجيزة في الجنوب عندما كنت أتجوّل عارضاً الأفلام. مدن صغيرة مغلقة في ليل القرون الوسطى..»، غير أن هذا الرجل حين عاش فترة وجيزة من حياته في أمريكا بدا كما لو أنه اكتشف بلده في أمريكا. هنا اشتغلت ماكينة الحنين كما يقولون، وهو يقول إنه لا يزعم أنه يعرف كل شيء عن بلده.. «.. لكن على الأقل هنا استحضر جهلي، عواطفي ومشاعري، هنا أنا سيّد حتى تلك الأشياء التي لا أعرفها..».

إجابات

يسأله الصحفي.. هل تشعر بأنك تنتسب إلى روما.. هل أنت حقاً روماني؟ فيجيبه فلليني: أنا نصف روماني. أمي من روما، ويستطرد بعد ذلك في الكلام في شخصية الروماني.. يقول: «المعروف عن الروماني أنه شخص حسّي، سخي، اجتماعي، يوجّه انتباهه نحو ما هو خارج عن الذات.. شخص محب للرفقة والمحادثة وموائد العشاء، سريع الاستجابة تجاه السعار السياسي، والروماني أو الإيطالي هو التجديفي الذي يُعلن إلحاده، لكنه، يرسل زوجته إلى الكنيسة لأن شخصاً ما في العائلة يتوجب عليه أن يبقى على اتصال مباشر مع ذلك الشيطان الذي خلقه الرب..».

ولكن، ماذا عن مزاج فلليني السياسي؟ هل فيه شيء من غرامشي مثلاً المعجون كله بطين السياسة والإيديولوجيا؟ سنعرف أن فلليني على العكس تماماً من غرامشي يقول.. «.. لست فرداً سياسياً، ولم أكن كذلك، السياسة والرياضة تسببان لي حالة من الفتور واللامبالاة، وتنعدم مشاركتي في أي حديث يتناول - مثل هذه الموضوعات..»، ومثلما ينفر فلليني من السياسة والرياضة مع أن الإيطاليين مجانين رياضة.. ينفر أيضاً من قائمة أخرى من المتطلبات.. يقول إنه لا رغبة له في التملك، التجميع، الادخار، التخزين، ويقول: «.. أنا اكسب المال على نحو سريع وبسهولة نسبية لست غنياً ولا أعرف كيف أخطط لكي أصبح ثرياً، لأن ذلك لا يثير اهتمامي، وليس لدي ميول تملكية. أمر مزعج بالنسبة إلي أن أمتلك أشياء..».

يصنع فلليني أفلامه من عناصر عدة، أولها القراءة السيكولوجية والثقافية والفكرية للبطل المركزي الذي يبحث عنه ليكون العمود الفقري للفيلم غير أن فلليني يعوّل على الإضاءة في الفيلم، بل، ويفلسفها.. يقول.. «.. الإضاءة هي الجوهر الحقيقي للفيلم. في الفيلم وقد سبق أن قلت هذا - الإضاءة هي إيديولوجيا:.. شعور، لون، نغمة، عمق، جو، سرد قصة، ويقول في مكان آخر حول الإضاءة. «الإضاءة ترسم محيط الجسد، وتحدّد أناقته، تبجّل الريف الذي ربما لا يكون ذا قيمة بذاته. بل وأكثر من ذلك يشعرن فلليني الإضاءة في السينما. يقول بلغة شعرية أو أنه يقول الإضاءة شعراً على هذا النحو الغنائي.. «الإضاءة هي ملح الهذيان الذي، مُشْتَعلاً يحرّر الرؤى»، ويقول كل من يحيا في الفيلم يحيا في بواسطة الإضاءة، ولعلّنا - ندرك الآن جيداً أن عبارة «فلليني شاعر السينما» إنما هي عبارة عملية، وليست عبارة أدبية أو إنشائية أو مجازية، فمن يرى أن الإضاءة هي ملح الهذيان، إنما، هو شاعر، وإن كانت لغته الشعرية هي لغة الصورة السينمائية.

أربع ظواهر مرتبطة بالإنسان لا بد أن تلفتك في هذا «الكتاب - الحوار» وهي: الخوف، الرائحة، والصوت، والضحك.

شعور حسي

يقول فلليني عن الخوف «الخوف شعور حسّي يمنح متعة لطيفة. كنت دائماً مفتوناً بكل ما يخيفني. أظن أن الخوف إحساس صحي. ضروري للاستمتاع بالحياة. من السخف والخطورة أن يخلّص المرء نفسه من الخوف. المجانين لا يشعرون بالخوف..». والغريب أن فلليني الذي يتحدث عن الخوف بهذه المرونة والقابلية له - لا يظهر في الحوار أنه يخاف من الوقوف خلف الكاميرا حين يصنع فيلماً يتوسل فيه الطمأنينة مثلاً التي هي عكس الخوف.

قلت قبل قليل إن فلليني يصنع أفلامه من عناصر عدّة، منها الإضاءة التي قرأنا كيف أن فلسفتها وشعرنها، ولكن فلليني أيضاً في صناعة فيلمه.. يعوّل على الصوت.. يقول.. «أشعر بالحاجة إلى إعطاء الصوت الخاصية التعبيرية نفسها التي تمتلكها الصورة، والإبداع نوع من تعددية الصورة والصوت، وبما أنهما متعارضان فإنني أقاوم استخدام وجه وصوت الممثل ذاته.. الشيء المهم هو أن يكون للشخصية صوت يجعلها معبّرة أكثر»..

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc6686u9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"