عادي
عرض مغربي في رابع أيام «الشارقة للمسرح الصحراوي»

«الخيمة».. حكاية رمزية تطرح أسئلة الهوية

00:31 صباحا
قراءة 6 دقائق
مهرجان المسرح الصحراوي/المسرح المغربي/ تصوير محمد الطاهر/١٢/١٢/٢٠٢٢
مهرجان المسرح الصحراوي/المسرح المغربي/ تصوير محمد الطاهر/١٢/١٢/٢٠٢٢

الشارقة: علاء الدين محمود

ضمن فعاليات الدورة السادسة من مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، شهد جمهور كبير العرض المغربي «الخيمة»، لفرقة أنفاس، تأليف عالي مسدور، وإخراج أمين ناسور، وتمثيل: قدس جندول، وعلية طوير، وسالم بلال، سهام الحلو، وسعيد الوغيري.

احتوى العرض على ممارسات مسرحية مميزة ومختلفة بعض الشيء على مستويات الفكرة الموضوع والمعالجة والتصور، بل وحتى الأداء التمثيلي، فلئن كانت معظم العروض السابقة في المهرجان قد جنحت نحو أفكار وثيمات مثل الحب والأسطورة وغير ذلك، فإن «الخيمة» قد حلقت بعيداً نحو أفكار تتعلق بالهوية والجذور والانتماء، كما أن العرض تضمن الكثير من الرمزيات والعلامات من خلال قصة صحراوية تنتمي إلى الثقافة والتراث الحساني المغربي، ووظف العمل ذات المفردات والمؤثرات والتقنيات التي قدمت في العروض الأخرى وفي مقدمتها الغناء والموسيقى والرقص، وغيرها من مفردات الصحراء بطريقة خلاقة ومميزة.

ولعل من أهم الدلالات الرمزيات التي حملها العرض هي «الخيمة»، والتي هي عنوان العمل وعتبته المهمة، وتنتمي إلى الثقافة الصحراوية، حيث إنها بمثابة علامة من علامات التراث بالنسبة للبدو الرحل والمقيمين وسكان الصحراء فهي تعبر عن خصوصيتهم، حيث كانت على الدوام بيتهم الثابت والمتنقل حسب الحاجة والظروف التي يحددها المرعى والمشرب والأمن في تنقلات البدو في طول الصحراء وعرضها، كما تمثل الخيمة تجسيدًا للعلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية، فخيمة الشخص تعني أسرته؛ إذ يقال «تخيم الشخص» أي تزوج وصار رب بيت، وهذا هو الجانب الأساسي في هذا العرض الذي تميز بالكثير من الإشراقات الفنية والإبداعية، مما جعله ينسجم بالفعل مع معاني وأهداف المهرجان الذي تركز فكرته على الإيمان العميق بثقافة الصحراء وتنوعها وثرائها، ويحاول أن يكتشف الكنوز والدرر الكامنة في أعماقها من قصص وحكايات وأمثال، وذلك ما عالجه العمل بصورة أكثر ابتكاراً.

أم الفركان

ينفتح العرض على قصة «مغلاها»، تلك الفتاة العربية ذات الأصول الصحراوية المغربية، والتي عادت من غربتها التي عاشتها بعيداً من أجل أن تبدأ في رحلة بحث عن «أم الفركان»؛ وهي خيمة الجدود، حيث إن الاسم في الأصل هو الفرجان؛ أي المكان الذي يحتوي على عدد من الخيم، ومنها الفريج؛ أي الحي، بالتالي فإن أم الفركان هي الخيمة الكبيرة البارزة.

ويأتي ذلك البحث عن «أم الفركان»، من قبل مغلاها بعد أن أوصاها جدها وحضّها على البحث عن تلك الخيمة وأن لا تنسى ذلك الأمر، وحتى يساعدها في الوصول إلى غايتها، ترك لها أحجيات وشعر حتى يسهل لها الأمر لتتمكن من اكتشاف مكان الخيمة، ولأن لكل رحالة صاحباً، فقد اختارت مغلاها صديقة لها تدعى «تيبة»، لتكون رفيقتها في رحلة البحث في صحراء المغرب.

ولم يكن لمغلاها وصديقتها من زاد في ذلك السفر في الفيافي العجيبة الغريبة غير تلك الألغاز والأشعار التي تركها الجد، حيث لم يكن لهما مرشد يدلهما على الأماكن، فقد كانتا شبه تائهتين تتطلعان إلى الأفق علّهما تجدان شخصاً من أجل سؤاله عن كيفية حل الألغاز العجيبة التي تحملانها، ولكن ليس أمامهما سوى السراب والفضاء الممتد الذي لا يكاد ينتهي، وكانت صديقة مغلاها، تيبة تحمل مفكرة فقد منّت نفسها بأن تستمتع بالرحلة وتسجل تفاصيلها وأحداثها، لكن لا جديد يلوح في الأفق حتى تقوم بتدوينه، حيث تستمر رحلتهما رتيبة لا شيء غير الرمال.

وتستمر الرحلة، ويلوح في الأفق شبح قوم قادمين نحوهما، ويترجل عن صهوة جواده رجل تبدو عليه سمات الشجاعة والفروسية، ويبدو أنه قائدهم يسأل الفتاتين عن ما جاء بهما إلى الصحراء وما هي وجهتهما؟ فتحكي له مغلاها قصتها وأنها تبحث عن خيمة «أم الفركان»، وتطلعه على الشعر والألغاز، ويحاول الرجل أن يفك الرموز التي في الأحجية، فيخبرهما أن المقصود هو خيمة معينة غير أن الخيم كثيرة في الصحراء وطلب من مغلاها وصديقتها الاتجاه نحو إحدى المضارب ربما تجدان ضالّتهما، وذلك ما فعلته كل من الفتاتين حيث اتجهتا إلى إحدى المضارب القريبة وهنالك وجدتا رجلاً تبدو عليه الحكمة، وقام بتزويدهما بالنصح والإرشادات اللازمة حتى تعينهما في رحلة بحثهما عن الخيمة المنشودة.

ألمّت الحيرة بمغلاها، لكنها قررت أن تواصل سعيها في البحث عن تلك الخيمة حتى تستطيع أن تفي بوعدها لجدّها، وبينما هي وصديقتها في تلك المضارب ذهبتا إلى حيث توجد امرأة تجلس وحدها في إحدى الخيام، حيث رحبت بهما في مجلسها، وأطلعتها مغلاها على قصة بحثهما عن الخيمة، وصارت هي الأخرى تحكي لهما عن قصص الصحراء والأمثال التي تحمل المعاني، وطلبت منهما التوجه نحو رجل حكيم عليم بالألغاز والحكايات.

كان ذلك الرجل الذي دلتهما عليه المرأة، ويدعى «شنتاز»، ينشد أشعاراً تحمل هي الأخرى ألغازاً قريبة من التي عند مغلاها، فأخبرهما في البدء عن حياة البدو ومكانة الشعر عند العرب وسكان الصحراء العربية التي يتميز إنسانها بصفات خاصة به نادراً ما توجد عند غيره في مختلف أنحاء العالم، مثل الكرم والشجاعة والأخلاق الرفيعة والاعتزاز بالتاريخ المجيد والأصالة، وعندما اطّلع هذا الرجل الحكيم على أشعار وأحاجيّ مغلاها سعى في تفكيكها، وأخبرهما أن الخيمة هي مجرد أركان وزوايا، فهي بيت يسكنه العربي، بالتالي هي جزء من سكان الصحراء، كانت في يوم من الأيام وطنهم الذي تركوه فتفرقت بهم السبل، ويخبرهما ذلك الحكيم بأن القصيدة التي تركها الجدّ ترمز إلى اللغة العربية وضرورة صونها والحفاظ عليها، وأشار إليهما بضرورة مواصلة بحثهما من أجل الوصول إلى مقصدهما، موضحاً لهما بأن معاني الألغاز والأشعار والأحاجي التي معهما باتت أكثر وضوحاً، وأن هدفهما قد صار قريباً.

اغتراب

وتستمر رحلة مغلاها وصديقتها لكنهما في الأخير لم يعثرا على الخيمة المحددة، فهي لم تكن شيئاً سوى الأصل والهوية العربية التي قصد من خلالها الجدّ في وصيته ضرورة التحلي بها، والتشبث بالخصوصية والقيم والأخلاق العربية رغم تبدل المكان وأحوال الزمان، فمهما كان حجم المتغيرات فإن هنالك قيماً هي عبارة عن ثوابت من المهم والضروري التمسك بها حتى لا يغترب الإنسان العربي عن جوهره فيضيع تراثه وتذوب هويته، حيث إن العمل يحمل في رسالته ومعانيه المتعددة أن هناك الكثير من التحولات التي حدثت في حياة العرب وهي التي جعلتهم غرباء وأن نهاية تلك الغربة تكمن في العودة إلى الأصل والجذور والحفاظ على الهوية في وجه التشرذم والتشظي الذي يعانيه العالم حالياً، فتلك القيم العربية ترياق ضد الانقسام والذوبان في الثقافة العالمية المهيمنة التي تريد أن تمحو الخصوصيات وتقضي عليها وما تحمل من ثقافة وفنون وأدب وإبداع وطريقة عيش وحياة.

دلالات

العمل حفل بالرموز والعلامات، وابتعد عن الطرق التقليدية في فكرته وتناوله، وقدم قصة متخيلة تحمل الرسائل والمعاني المتعددة، ففي هذا العمل التقت الفكرة بالإبداع وامتزج الخيال بالواقع، في حوارية رفيعة وقالب أدبي يزاوج بين الشعر الصحراوي الحساني وطريقة إنشاده، وكذلك الأدب الشعبي الكامن في المثل والكلام المأثور والحكايات الشعبية المؤسسة لفعل الفرجة في التراث، وقدم تطوافاً بديعاً في عالم لغة الضاد وأهميتها لكونها تجمع بين العرب.

حلول إخراجية

قدم مخرج العمل أمين ناسور العديد من الحلول الإخراجية لتمرير عوالم النص، وبصورة خاصة الموسيقى التي لعبت دوراً رئيسياً في العرض، خاصة الأشعار الحسانية التي أضافت بعداً جمالياً وقيمة كبيرة، وكذلك الراوي للربط بين الأحداث، والغناء الذي لعب دوراً كبيراً في مسألة الانتقالات من مشهد إلى آخر، كما تم توظيف الأزياء المعبرة عن الإنسان البدوي بطريقة مبتكرة، بديكور مقتصد وينتمي إلى الصحراء، وبصورة عامة لعبت السينوغرافيا دوراً أساسياً في إنجاح العرض، من إضاءة وديكور وجميع مفردات العرض المسرحي. وجاء الأداء التمثيلي ليرفع من قيمة العمل من خلال أدائية رائعة لجميع الممثلين، غير أن العرض لم يخلُ في بعض منعطفاته من المباشرة والخطابية، إلا أن المسرحية بصورة عامة جاءت جيدة وحققت شروط الفرجة من خلال التفاعل الجماهيري الكبير، حيث حمل العرض عناصر الإثارة والمتعة، كما احترم عقول المشاهدين عبر تلك الحدوتة الذهنية التي تحرض المتلقي على التفكير، وذلك ما ذهب إليه المتحدثون في المسامرة النقدية التي أعقبت العرض، والتي أدارها عبد المجيد أهري، حيث أشاد النقاد بالنص والمعالجات والمقاربات التي قدمها مخرج العمل، وبصورة خاصة توظيفه للشعر الحساني والأهازيج والأغاني التراثية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdeer9fs

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"