عادي

الجهة الأخرى للمتوسط

23:12 مساء
قراءة دقيقتين
ميسون أبو بكر

ميسون أبوبكر

العالم رغم الحدود التي تقطع أواصره، فإن مناطقه تتعانق وتكسر القيود.

تلك الحدود تكاد تتلاشى وأنت تتجول على سبيل المثال في الريفيرا الفرنسية وتنتقل إلى موناكو من جهة وإيطاليا من جهة أخرى وكان ونيس وأنتيب وسانت تروبيه، في مناطق تتشابه ملامحها وتضاريسها وطبيعتها وطقوس سكانها.

في الريفيرا الفرنسية يسورها البحر المتوسط، ذلك الذي تطل ضفته الأخرى على القسم العربي لبنان وسوريا وفلسطين والجزائر وغيرها، المدن الأوروبية تحتفي بثقافتها وتاريخها في كل صغيرة وكبيرة من منتجاتها، على سبيل المثال مونتون بلدة الليمون تقيم مهرجان الليمون والبرتقال السنوي في موسم الحصاد، نيس مدينة السياح والشواطئ الدافئة تقيم كرنفالها السنوي الشهير على الساحل، وفي المدينة القديمة عروض راقصة وقوافل تجول المدينة.

أمّا كان مدينة اليخوت فهي تقيم سنوياً أشهر المهرجانات السينمائية العالمية «مهرجان كان السينمائي» المقام على سواحلها اللازوردية.

على ساحل المتوسط تلتقي مدن تنتمي لدول مختلفة إيطالية أو فرنسية أو إمارة موناكو لكل منها طابعها الخاص ومطاعمها وثقافتها، كل منها تحاول تقديم طابع خاص بها وسكانها يعتدّون بتراثهم وتاريخهم ويتسارعون لعرضه في المهرجانات المختلفة أو في مناطقهم السياحية مع فارق بسيط أن «كان» مثلاً أغلبية سكانها يتقنون الانجليزية بينما في نيس - التي تبعد عنها مسافة ربع ساعة بالسيارة - قلة منهم يتحدثون الانجليزية، بالرغم أن نيس مدينة سياحية بامتياز ويقصدها السياح الخليجيون والأمريكيون وبها مطار دولي مهم هو الوحيد في المنطقة.

نيس تبهرك بآثارها وقلعتها المنحوتة على الصخر قلعة هيل ونصب شهداء الحرب العالمية الأولى الذي شيد على سفحها، كما الكنائس القديمة أشهرها كاتدرائية نيس والمتاحف الكثيرة وميدان مايسينا، إضافة إلى القرى الكثيرة المتناثرة على أطرافها والتي تشتهر بمطاعمها التي تقدم الطعام التقليدي للمنطقة والحلوى البيتية الصنع.

نيس حلقة الوصل بين مدن الريفيرا الفرنسية، كما أنها على مقربة من إيطاليا التي يزورها أهل نيس في العطلات الأسبوعية للتبضع وتناول الطعام الإيطالي اللذيذ، في تعانق جميل للثقافات التي تعبر الحدود ويتعاطاها البشر الذين لديهم الرغبة والشغف لسبر عوالم أبعد من مكان ولادتهم وإقامتهم.

الغرب تواق للتنقل، ولديه فضول كبير لمعرفة أدق التفاصيل، لذلك يسأل ويتحرى ويشاهد ويقارن ويسافر ليس للمتعة فقط بل للمعرفة.

أوروبا العجوز هي اليوم قارة هرمة أنهكتها كورونا التي تغير العالم من بعدها، ثم الحرب الروسية الأوكرانية ثم التظاهرات العمالية في فرنسا مؤخراً اعتراضاً على قرار الرئيس الفرنسي لتغيير سن التقاعد، فحياتهم الصعبة وكدهم المتواصل لم تستوعب ضغطاً أكبر، فبعد ثقافتهم الحياتية التي كانت لديهم في النظافة والتزام الأنظمة في قيادة السيارات على سبيل المثال؛ غدا مجتمعهم هرماً، والإضرابات ولدت فراغاً في مهن كثيرة ما تسبب عنها الفوضى وقذارة الأمكنة وشح الموارد وطوابير تقف في محطات الوقود.

الحياة ثقافة.. والأناقة نتاج ثقافي، والتعرف إلى الآخر أمر مهم في كوكب يتعانق اليوم شرقه مع غربه وشماله مع جنوبه، وفي زمن أذابت فيه وسائل التواصل الجليد عن كل شيء ليصبح من السهل الرؤية دون عوائق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/nhbz99ap

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"