الشارقة: علاء الدين محمود
«إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فتح عليه باب العملِ، وأغلق عنه باب الجَدل. وإذا أراد الله بعبدٍ شراً، أغلق عنه باب العملِ، وفَتح عليهِ باب الجَدلِ».
تلك الكلمات التي تفيض حكمة هي لـ«أبو محفوظ»، معروف بن فيروز الكرخي، المتوفي سنة 200 هـ الموافق 815 م، وهو أحد علماء أهل السنة والجماعة، ومن جملة المشايخ المشهورين بالزهد والورع والتقوى، وصفه الذهبي بـ «علم الزهاد بركة العصر» صحب داود الطائي، وسكن بغداد.
وتلك المقولة، تنتمي تماماً إلى منهج الكرخي، فهو يدعو فيها للإقبال على العمل، وترك الجدل، وبطبيعة الحال المقصود من الجدل في هذه الموعظة هو الثرثرة والاهتمام بالقول أكثر من أن ينصرف الإنسان نحو الطاعات والعمل الصالح الذي يرفع من مكانته عند ربه، وكان ذلك هو ديدن الكرخي الذي اتجه نحو العبادة وانصرف إلى الله تعالى بكل جوارحه، حتى أن الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله، رد على أحد الحاضرين في مجلسه، ذلك الذي وصف الكرخي بأنه قليل العلم، فكان أن قال له ابن حنبل: «أمسك، وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف»، وذلك القول بطبيعة الحال يشير إلى أن الكرخي كان من أهل العلم، ولكنه رغم ذلك فضل العمل وأغلق باب الجدل، فكان أن وصل إلى مكانة كبيرة بين الناس والعلماء؛ حيث أحبه العامة والخاصة، وقد روي عن سفيان بن عيينة أنه قد قال لبعض أهل العراق، ما فعل ذلك الحَبر الذي فيكم ببغداد، فقالوا من هو؟، قال أبو محفوظ معروف الكرخي، فقالوا: خيراً، فقال لهم: لا يزال أهل تلك المدينة بخير ما بقي فيهم.
والمقولة كذلك تحث على ترك الجدل، والذي هو نقيض العمل الصالح، والذي لا ينفع المؤمن في الآخرة عندما يلقى رب العالمين، ولعل من أسمى المعاني التي تحملها هذه المقولة هي الصدق مع الله تعالى، فكان الكرخي يقول: «ما أكثر الصالحين وما أقل الصادقين»، كما كان يحث الناس على التواضع لله، والتسليم له بالحول والقوة، فكان يقول: «من كابر الله صرعه، ومن نازعه قمعه، ومن ماكره خدعه، ومن توكل عليه منعه، ومن تواضع له رفعه».
وكذلك فإن الموعظة تدعو للعديد من القيم الفاضلة عن طريق العمل والعبادة وتهذيب النفس وتطهيرها، وقد اشتهر الكرخي بالتصدق والبذل، وقد روي في هذا الجانب عنه أن رجلاً أتاه بعشرة دنانير فأهداها له، فمر عليه سائل فناوله إياها، وكان يقيم الليل عابداً متقرباً من الله تعالى، وكان يقول في هذا الشأن: «قيام الليل نور للمؤمن يوم القيامة يسعى بين يديه ومن خلفه، وصيام النهار يبعد العبد من حر السعير»، وكان رحمه الله مشفقاً على نفسه من خشية الله، ومما يحكى عنه في هذا المجال أنه كان يبكي، ثم يقول يا نفس كم تبكين، أخلصي تُخلصي.
ولعل تلك الموعظة التي ترفع من شأن العمل الصالح، تريد للمؤمن السالك أن يحمل في طريقه إلى ربه زاداً ثقيلاً من الأعمال الصالحات، لذلك كان الكرخي يعمل على تذكير الناس بالموت حتى يحسنوا من أعمالهم، بترك المعاصي، ومما يروى عنه في هذا المقام أنه قد زجر رجلاً اغتاب آخر في مجلسه فقال له واعظاً: «اذكر القطن إذا وضع على عينيك»، حيث ذكره في ذلك القول بالموت.
وهذه الموعظة تحمل الجمال والمعاني السامية، فهي تدعو إلى السير في طريق الله تعالى، في رحلة الألق والمتعة الروحية؛ حيث يلقى فيها المحب الصوفي ما يلقى من فيوضات نورانية، تلك التي تشكل تجربة عظيمة لدى السالكين تنعكس على أقوالهم وأشعارهم، لذلك دائماً ما تتميز المقولة الصوفية بعبير خاص بها يفوح شذاه على المتلقين فيُحلّقون في عوالم من المدد النوراني؛ إذ تلامس الوجدان، وتصوّر حال الأنفس التي تهفو إلى طريق الله تعالى، ولعلّ من أكثر المواضيع التي تناولها الصوفيون، العمل والعبادة، وذلك هو الجانب الذي برز فيه الكرخي، فقد كان يعلي من قيمة العمل، فصار واحداً من الذين نذروا أنفسهم للتقرب لله في كل الأوقات، بالعمل ومحبة الناس، والرأفة بهم، والدعاء حتى للعصاة منهم بالهداية والقبول من الله.
«إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فتح عليه باب العملِ، وأغلق عنه باب الجَدل. وإذا أراد الله بعبدٍ شراً، أغلق عنه باب العملِ، وفَتح عليهِ باب الجَدلِ».
تلك الكلمات التي تفيض حكمة هي لـ«أبو محفوظ»، معروف بن فيروز الكرخي، المتوفي سنة 200 هـ الموافق 815 م، وهو أحد علماء أهل السنة والجماعة، ومن جملة المشايخ المشهورين بالزهد والورع والتقوى، وصفه الذهبي بـ «علم الزهاد بركة العصر» صحب داود الطائي، وسكن بغداد.
وتلك المقولة، تنتمي تماماً إلى منهج الكرخي، فهو يدعو فيها للإقبال على العمل، وترك الجدل، وبطبيعة الحال المقصود من الجدل في هذه الموعظة هو الثرثرة والاهتمام بالقول أكثر من أن ينصرف الإنسان نحو الطاعات والعمل الصالح الذي يرفع من مكانته عند ربه، وكان ذلك هو ديدن الكرخي الذي اتجه نحو العبادة وانصرف إلى الله تعالى بكل جوارحه، حتى أن الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله، رد على أحد الحاضرين في مجلسه، ذلك الذي وصف الكرخي بأنه قليل العلم، فكان أن قال له ابن حنبل: «أمسك، وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف»، وذلك القول بطبيعة الحال يشير إلى أن الكرخي كان من أهل العلم، ولكنه رغم ذلك فضل العمل وأغلق باب الجدل، فكان أن وصل إلى مكانة كبيرة بين الناس والعلماء؛ حيث أحبه العامة والخاصة، وقد روي عن سفيان بن عيينة أنه قد قال لبعض أهل العراق، ما فعل ذلك الحَبر الذي فيكم ببغداد، فقالوا من هو؟، قال أبو محفوظ معروف الكرخي، فقالوا: خيراً، فقال لهم: لا يزال أهل تلك المدينة بخير ما بقي فيهم.
- تقوى
والمقولة كذلك تحث على ترك الجدل، والذي هو نقيض العمل الصالح، والذي لا ينفع المؤمن في الآخرة عندما يلقى رب العالمين، ولعل من أسمى المعاني التي تحملها هذه المقولة هي الصدق مع الله تعالى، فكان الكرخي يقول: «ما أكثر الصالحين وما أقل الصادقين»، كما كان يحث الناس على التواضع لله، والتسليم له بالحول والقوة، فكان يقول: «من كابر الله صرعه، ومن نازعه قمعه، ومن ماكره خدعه، ومن توكل عليه منعه، ومن تواضع له رفعه».
وكذلك فإن الموعظة تدعو للعديد من القيم الفاضلة عن طريق العمل والعبادة وتهذيب النفس وتطهيرها، وقد اشتهر الكرخي بالتصدق والبذل، وقد روي في هذا الجانب عنه أن رجلاً أتاه بعشرة دنانير فأهداها له، فمر عليه سائل فناوله إياها، وكان يقيم الليل عابداً متقرباً من الله تعالى، وكان يقول في هذا الشأن: «قيام الليل نور للمؤمن يوم القيامة يسعى بين يديه ومن خلفه، وصيام النهار يبعد العبد من حر السعير»، وكان رحمه الله مشفقاً على نفسه من خشية الله، ومما يحكى عنه في هذا المجال أنه كان يبكي، ثم يقول يا نفس كم تبكين، أخلصي تُخلصي.
ولعل تلك الموعظة التي ترفع من شأن العمل الصالح، تريد للمؤمن السالك أن يحمل في طريقه إلى ربه زاداً ثقيلاً من الأعمال الصالحات، لذلك كان الكرخي يعمل على تذكير الناس بالموت حتى يحسنوا من أعمالهم، بترك المعاصي، ومما يروى عنه في هذا المقام أنه قد زجر رجلاً اغتاب آخر في مجلسه فقال له واعظاً: «اذكر القطن إذا وضع على عينيك»، حيث ذكره في ذلك القول بالموت.
- قصص وحكايات
وهذه الموعظة تحمل الجمال والمعاني السامية، فهي تدعو إلى السير في طريق الله تعالى، في رحلة الألق والمتعة الروحية؛ حيث يلقى فيها المحب الصوفي ما يلقى من فيوضات نورانية، تلك التي تشكل تجربة عظيمة لدى السالكين تنعكس على أقوالهم وأشعارهم، لذلك دائماً ما تتميز المقولة الصوفية بعبير خاص بها يفوح شذاه على المتلقين فيُحلّقون في عوالم من المدد النوراني؛ إذ تلامس الوجدان، وتصوّر حال الأنفس التي تهفو إلى طريق الله تعالى، ولعلّ من أكثر المواضيع التي تناولها الصوفيون، العمل والعبادة، وذلك هو الجانب الذي برز فيه الكرخي، فقد كان يعلي من قيمة العمل، فصار واحداً من الذين نذروا أنفسهم للتقرب لله في كل الأوقات، بالعمل ومحبة الناس، والرأفة بهم، والدعاء حتى للعصاة منهم بالهداية والقبول من الله.