عادي

«الواو» و«النون».. مدار الحرف

23:14 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: عثمان حسن

لا تتوقف إبداعات الخطاطين العرب والمسلمين عن تقديم لوحات خطية وحروفية في الثلث، وأيضاً الثلث الجلي كما هو في لوحة الخطاط التركي داود بكتاش التي استند فيها على الآية القرآنية «وكلٌ في فلك يسبحون» ذلك أن خط الثلث وتفريعاته الكثيرة، خاصة «الثلث الجلي» تمنح الخطاط سعة أكبر في إبراز جماليات هذا الخط من الناحية الجمالية والتشكيلية، وما هو مهم في هذا الإطار، براعة الخطاط في تشكيل لوحة تستثمر بلاغة النص وتحليل معناه بصرياً ودلالياً.

1
داود بكتاش

وهنا، لا بد من وقفة تحليلية عند النص القرآني الذي استخدمه داود بكتاش، فهو يتحدث عن الفلك بضم الفاء، وهو في التفسير الاصطلاحي أو المعجمي المدار الذي يسبح فيه النجم، والخطاط البارع هو الذي يترجم دلالة الحرف في اللوحة بحسب ثقافته، أو ما يسر له من معرفة بطاقة الحرف وأهميتها في الحسابات المقدسة أو الروحية، فالحروف كما الأرقام هي مكونات أساسية في بداية خلق الله عز وجل للكون، كما ترتبط هذه الحروف والأصوات بعلاقة قوية من وجهة نظر باحثين كثيرين.

رمزية الحرف

في الآية القرآنية التي أبدع داود بكتاش في تشكيلها، ثمة رمزية للحرف، من حيث موقعه، ودلالته، والخطاط بكتاش في هذه اللوحة البديعة يستخدم الآية ضمن دائرة كبيرة تحتضن النص، ما يجعلنا نتتبع مثل هذه القوة الإيحائية للحرف في جسد اللوحة، وأولى هذه الدلالات، نجده في تشكيل حرف الواو على جسد اللوحة، بكل ما يعنيه هذا الحرف من شمولية، فكل شيء في الكون له حسابه المقدر، وكل شيء في الوجود موصول بوحدة الخالق، وكل يسبح بقدرة هذا الخالق الذي أبدع فضاء دائرياً غير متناه، كما هو حال المدار أو الفلك السماوي، الذي يشبه حجر الرحى الذي يستخدم في مطحنة الحبوب خاصة الرحى الدائرية التي تحتوي على ثقب صغير في وسطها توضع فيها المادة المراد طحنها.

قوة الإيحاء

من يدقق في اللوحة يكتشف أن بكتاش قد استخدمها –على الأقل- في مستويين دالين يخدمان أو يفسران تلك القوة الدلالية للحرف من جهة، ولموضع الحرف في الآية من جهة ثانية، وأولى الملاحظات هي استخدام بكتاش للآية الكريمة سبع مرات وفي شكل دائري، وهناك جهد واضح في تشكيل حرف «النون» في الآية، الذي جاء بدوره مكرراً سبع مرات في شكل دائري.

هذه الطاقة الروحية للحرف، جاءت مزينة بالألوان الذهبية في تدرجات متنوعة وبزخرفة نباتية إسلامية مشرقية في كافة اتجاهات اللوحة وخاصة في الأطراف.

داود بكتاش هو من أشهر الخطاطين الأتراك، يوصف ب «أحد عمالقة الخطاطة الإسلامية في العصر الحديث لاسيما في خط الثلث»، ولد سنة 1963م في قرية اكولك في محافظة أضنة جنوب تركيا، وحصل على الشهادة الجامعية في القانون سنة 1992. شغف بالخط الإسلامي منذ دراسته الأولى في أضنة، وحين وصل إلى استنبول بدأ بتعلم خط الثلث فتابع دراسته في الثلث والنسخ والرقعة، وحصل على إجازته في هذه الخطوط سنة 1994.

أقام داود بكتاش الكثير من المعارض الخاصة والمشتركة، وقد حصل على العديد من الجوائز، أهمها الجائزة الأولى في الثلث الجلي في المسابقة الأولى التي أقامها مركز بحوث التاريخ الإسلامي والفنّ والثقافة (أرسيكا) بإسطنبول سنة 1986، والجائزة الأولى في الثلث سنة 1989في مسابقة أرسيكا الثانية، والجائزة الأولى في المهرجان الإسلامي سنة 1993م في مسابقة أرسيكا الثالثة. كما حصل على الجائزة الأولى في مهرجان طهران الدولي سنة 1997، ونال أيضا جائزة بينالي الشارقة الثاني سنة 2006.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yhprbrmp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"