عادي
قراءات

الثقافة الثالثة تقاوم مافيا الفكر

23:53 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

يضم كتاب «الثقافة الثالثة» الذي صدر عن دار المدى للنشر والتوزيع، وترجمته إلى العربية وقدمت له الكاتبة والروائية العراقية لطفية الدليمي، مقالات لنخبة من المفكرين والفلاسفة، في موضوع «الثقافة الثالثة» التي تضم العلماء، والذين يجاهدون عبر أعمالهم وكتاباتهم للحلول محل المثقفين التقليديين، وهم إذ يفعلون هذا، فإنهم يسلطون أضواء جديدة على المعاني الأكثر عمقاً، التي تنطوي عليها حياتنا، فضلاً عن أنهم يعيدون تعريف (من نحن؟) في سياق ما يُعرف بالأسئلة الكبرى، التي تتناول طبيعة الكون والحياة والوعي.

يرى ستيفن جاي جولد (وهو عالم بيولوجيا تطورية)، أن الثقافة الثالثة فكرة مؤثرة، خصوصاً أن هناك ما يقرب من الإحساس بالمؤامرة، يشيع بين المثقفين، يدفعهم إلى الاعتقاد بأنهم وحدهم الذين يحوزون مفاتيح المملكة الفكرية، ويتعمق هذا الإحساس بالمؤامرة في كل مرة تطرح فيها طائفة من الكتّاب (من حقل العلوم) عدداً من الأفكار الجديدة، ويدعون الناس إلى قراءتها والتمعن في خلفياتها الفكرية.

كان العالم البريطاني بيتر مدور، وهو عالم مثقف ومتمرس في الكلاسيكيات والدراسات الإنسانية، قد صرّح بأنه ليس من العدالة في شيء عندما يحسب العالم الذي لا يتوفر على معرفة رصينة بالموسيقى والفن، جاهلاً، بحسب رؤية المثقفين، في حين أن هؤلاء المثقفين أنفسهم لا يرون نقيصة، إذا لم يحصلوا على أبسط مفاهيم العلم، ففي رأيهم: لكي تكون مثقفاً، فإن ما تحتاج إليه هو أن تعرف الكثير عن الفن والموسيقى والأدب، ولا شيء من العلم.

وقد سبق لهذا العالم البريطاني أن صرّح بوجود بعض الحقول المعرفية الصعبة بطبيعتها، ولو أراد الباحث المتمرس فيها الكتابة عنها فينبغي عليه العمل بمشقة، لجعل اللغة المكتوبة سهلة مستساغة للقرّاء.

وفي رأي موراي جيلمان (وهو عالم فيزياء نظرية)، فإن العلماء اعتادوا كتابة كتب موجهة إلى العامة من القرّاء، الذين يمتلكون معرفة بالأبجديات العلمية إلى حد مقبول، ويقول: «من المؤسف أن نشهد بعض المشتغلين في حقول الفنون والإنسانيات؛ بل حتى بعض العلوم الاجتماعية، وهم ينتشون عندما يصرحون بضحالة معرفتهم في حقول العلم والتقنية والرياضيات، ويرون في هذه الضحالة المعرفية أمراً محموداً».

ويرى الفيلسوف دانييل سي. دينيت أنه عندما يكتب الأساتذة المتمرسون لزملاء لهم في حقول علمية أخرى، أو للقرّاء الشغوفين فيتوجب عليهم أن يكتبوا بلغة بسيطة واضحة ومباشرة، لكي يتجاوزوا تعقيدات الرطانة المفاهيمية التي يحفل بها حقلهم الخاص.

ويشير بول ديفيز و(هو عالم فيزياء نظرية)، إلى أن واحدة من أبرز المعالم المميزة للحياة الفكرية البريطانية هي هيمنة جامعتين بريطانيتين عليها، أكسفورد وكامبريدج، وقد ترتبت الأمور (حتى صارت أمراً مفروغاً منه)؛ بحيث يكون معظم السياسيين البريطانيين وأعضاء الهياكل المؤسساتية المؤثرة، هم من خريجي آداب أكسفورد.

وكنتيجة لهذه الحقيقة تجسّد مفهوم (المثقف) لدى العامة بأنه رجل يشوب شعره بعض الشيب، لا تفارقه النظارة، وسبق له أن درس الأساطير الإغريقية، ويقود قارباً في أحد الأنهار الصغيرة المحاذية لجامعته، ومن الطبيعي أن إدراكاً جماهيرياً لصورة المثقف، ستكون كفيلة بتدعيم شعور لدى عامة الناس بأن المثقفين لهم سطوة مطلقة، مبعثها قوة تتسامى على البشر، وبهذا سيكون لهم الحق وحدهم في تناول موضوعات الوجود البشري.

يشير الكتاب إلى أن قليلاً من المثقفين في بريطانيا، يبذلون جهداً لفهم العلم، ويجدون أنفسهم خارج نطاق عمقهم المعرفي المفترض، إذا ما قرأوا موضوعات تعرضها بعض الكتب العلمية مثل كتاب «موجز تأريخ الزمان» لستيفن هوكنج.

تقوم مقاربة المثقف الأدبي الكلاسيكي إزاء الأدبيات العلمية على الفرضية التالية: «أنا مثقف عالي المقام ومتمرس في ثقافتي، ولا أستطيع فهم هذه المادة العلمية المعروضة أمامي، إذن لا بد أن تكون هذه المادة هراء محضاً» وعلى الرغم من أن العلماء ظلوا لسنوات طويلة عاكفين في زوايا مظلمة، فإن أصواتهم راحت تعلو ويسمعها الجمهور، ويتفاعل معها، وصار بإمكانهم تخطي كل العقبات التي تفرضها «المافيات» الفكرية الممسكة بزمام الثقافة السائدة في عصرنا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrwc6nas

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"