عادي
عمل من العصر الذهبي للفن الإسباني

«بائع الماء في إشبيلية».. لوحة تداعب الضوء

23:34 مساء
قراءة 4 دقائق
دييغو فيلاسكيز - لوحة «سقّاء إشبيلية»

الشارقة - عثمان حسن
دييغو فيلاسكيز، هو أحد أبرز الرسامين الإسبان في القرن السابع عشر على الإطلاق، اشتهر بلوحاته الواقعية التي تظهر التناقضات الحادة للضوء، كانت لديه عين حاذقة في الرسم ميّزته عن غيره من فناني عصره، عمل في بلاط الملك فيليب الرابع ملك إسبانيا والبرتغال، فأنجز الكثير من اللوحات الملكية، على وجه الخصوص العمل الشهير باسم لاس مينيناس (1656). في بواكير حياته الفنية عرف برسوماته الواقعية لمشاهد حياتية كما في عمله «عجوز تقلي البيض» (1618)، و «سقّاء إشبيلية (1618- 1620) وغيرهما الكثير.درس دييغو فيلاسكيز في بداياته تحت إشراف فرانسيسكو هيريرا الأكبر، ثم تدرب على يدي فرانسيسكو باتشيكو لمدة ست سنوات، وعندما اعتلى فيليب الرابع العرش في عام 1621، سعى فيلاسكيز للحصول على رعاية ملكية، فاز بها في عام 1623، وأصبح الرسام الوحيد المسموح له برسم الملك.

عاش فيلاسكيز في العصر الذهبي الإسباني بين (1599 - 1660)، فولد في إشبيلية لخوان رودريغز وخيرونيما فيلاسكيز، وتفرد برسومات الباروك وطور أسلوباً ميزه عن غيره، فوصف بأنه بفرشاته الجريئة ما أهّله ليصبح مثالاً للرسامين الواقعيين والانطباعيين في القرن التاسع عشر. في القرن العشرين أشاد به فنانون معروفون مثل: بابلو بيكاسو وسلفادور دالي وفرانسيس بيكون وغيرهم.

دخلت معظم أعماله في المجموعة الملكية الإسبانية، وكانت أفضل مجموعة موجودة في متحف ديل برادو في مدريد، على الرغم من إرسال بعض رسوماته كهدايا دبلوماسية إلى الخارج.

تعتبر لوحة «سقّاء إشبيلية» لفيلاسكيز من أكثر أعماله تميزاً، خاصة في مرحلة الشباب، وقد رسمها في السنوات الأخيرة من إقامته في إشبيلية، وهي محفوظة حالياً في متحف ويلينجتون - نيوزيلندا، كما أنها معلقة في متحف «قصر أبسلي هاوس» بلندن، بعد أن تم تقديمها كهدية، من قبل فرناندو السابع للجنرال آرثر ويلسلي تقديراً لمساعدته في حرب الاستقلال.

تفاصيل

«سقّاء إشبيلية» أو كما يطلق عليها أحياناً «بائع الماء في إشبيلية» تصور رجلاً عجوزاً يظهر بعباءة رديئة وممزقة بنّية اللون، ويظهر تحتها قميص أبيض نظيف، السترة تكشف صدر وبطن الرجل العجوز، وبجانبه ولد يشرب الماء، وبسبب الشهرة الفائقة التي حازتها هذه اللوحة، فقد احتفظ بها قصر«بوين ريتيرو» في إسبانيا.. كما حرصت كثير من متاحف العالم على اقتنائها بعد ذلك، ويقدر خبراء الفن أنها واحدة من ثلاث لوحات بذات الاسم، وأن فيلاسكيز أتمها بين عامي 1618 و 1622، وجاءت بعد لوحة «امرأة عجوز تقلي البيض» وهاتان اللوحتان من أبرز أعماله في فترة الشباب.

يظهر الصبي وهو يتسلم كوباً من الكريستال الشفيف مملوءاً بالماء، وهو يرتدي ثياباً سوداء مع ذات ياقة بيضاء عريضة، يحني الصبي رأسه، في وضع مشابه لرأس الصبي في لوحة «المرأة العجوز التي تقلي البيض» يلتقط الصبي الكأس بإيماءة جادة، دون أن تلتقي عينا العجوز والصبي، ويبدو المشهد بين الاثنين مربكاً، تؤكده تلك الظلال الداكنة في خلفية المشهد الترابي اللون، في الصورة يظهر رجل في منتصف العمر يشرب، مما يبدو أنه إبريق خزفي. تم رسم الذراع اليسرى للرجل العجوز بتخطيط بارز في اللوحة، حيث يضع العجوز يده على إبريق خزفي كبير، وحرص فيلاسكيز في هذه اللوحة أن يكون دقيقاً في إبراز تفاصيل المشهد لجهة تقديم فلسفة خاصة باللون، ومن يدقق في اللوحة يلحظ بعض قطرات من الماء اللامعة التي تسيل على سطح الإبريق الفخاري كبير الحجم، وفي المشهد أيضاً إناء أصغر من الفخار مغطى بكوب خزفي أبيض.

يصر فيلاسكيز على إبراز الضوء في اللوحة، في محاولة منه لخلق تمثيل قوي، يظهر الجوانب اللمسية للأشياء بدقة أكبر مما كانت عليه في الأعمال المبكرة الأخرى، ويؤكد ذات الفكرة بكسره لإطار اللوحة، فيظهر الإبريق الفخاري وكأنه خارج المساحة المضمنة في اللوحة القماشية، وأكثر دقة في موضع أقرب لفضاء المشاهد، حيث تقع يد العجوز اليسرى على الإبريق.

من هنا، فالسقّاء أو حامل الماء كما يظهر الرسم، وعلى الرغم من الطبيعة الواضحة للمشهد، فإنها من جهة أخرى تعبر عن منحى، أو دراسة دقيقة لحرفة الرسم، وإمكانيات الرسم لإعادة خلق الطبيعة من خلال إجراءات تصويرية حصرية، يعير فيلاسكيز الاهتمام ذاته في تمثيل أو تصوير الأشكال البشرية المختلفة، مع تفاوت الأعمار، في رؤية تعبر عن مشاعر كل فئة على حدة، كما هو الحال في تحليل الصفات اللمسية للأشياء، وربما استجابة للاهتمام العلمي بتأثيرات الرؤية، التي يلعب فيها الضوء دوراً أساسياً في انعكاساته على السطوح والكائنات المختلفة.

تجربة

وصف الرسام فرانسيسكو باتشيكو يقوله: «يبدو أن فيلاسكيز كان يحبذ مثل هذه المواقف الصعبة التي يختبر من خلالها قوة الرسم، مما يدل على حرصه على الإتقان والكمال التقني الذي حققه بالفعل فيلاسكيز في جميع الأوقات، فقد كان مبدعاً في ابتكار الحلول التصويرية كما هو في بقعة الماء التي تتدفق على سطح الخزف في لوحة «سقّاء إشبيلية»، ومثل التمثيل الدقيق لحجم الضوء، في محاكاة منه لنظرية الفن الإيطالي، وأعمال الفنانين الكلاسيكيين الذين حققوا إتقاناً كبيراً في تمثيل الحياة باستخدام موضوعات منخفضة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4y3uf5da

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"