تأمّلات في السيادة التاريخية

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل للتاريخ أيضاً كيمياؤه الخاصّة؟ في الكون والحياة تَلعب الكيمياء أدواراً لا حدود لها ولا استثناءات. حتى في الموسيقى تجد الكيمياء حاكمةً: خفضُ درجة أو رفعُ درجة، ينقلك من مقام إلى آخر. علماء الأحياء والكيمياء الحيوية يقولون إن أوّل ظهور للورود على وجه الأرض كان نتيجة تعفّن حبّة فراولة. لك أن تعجب للطبيعة كم هي ضنينةٌ بالطفرات، وإلاّ فكم رأى الناس من الفراولة في مطابخهم تعلوها البكتيريا، لكن ثلاّجاتهم لم تصبح روضة ورد عابقة. أرباب البيان لا يستخدمون كلمات ليست كالكلمات، فمن أين يأتون بسحر أساليبهم؟
هل ابتعدنا قليلاً؟ وقائع التاريخ هي الأخرى كيمياء. يكفي العثور على جزئيّة تفصيليّة صغيرة لقلب الأحداث رأساً على عقب، لإعادة الألف ميل من البحث إلى الخطوة الأولى. لعلم الآثار أيضاً كيمياء، بقي أن صاحب الميدان أولى بأن يكون هو صاحب الاكتشاف. خبراء المؤسسات المعنية بالآثار والتراث المادي وصروحه يعلمون علم اليقين الأبعاد السياسية والسيادية والجيوسياسية لمكوّنات الماضي، بالتالي فليس من الحكمة ترك شؤونها بأيدي الغير خصوصاً أولئك الذين يعكّرون مياه الحاضر والماضي، ليصطادوا فيها ما يخدم أغراضهم. من الأفضل أن يكون الاكتشاف والتحليل والاستنباط والاستنتاج «بيدي لا بيد عمرو».
فريق بريطاني من علماء الآثار أثار ضجّة في شأن تحنيط ملوك مصر الفرعونية وملكاتها. المتعارف عليه في كل كتب علم المصريات هو أن الغاية من التحنيط هي الحفاظ على أجساد الذين ارتحلوا إلى العالم الآخر، الذي يسميه المصريون القدامى «الغرب» (كأنه استشراف لمآل حضارة الغرب). لكن علماء المصريات البريطانيين يرون أنها نظرية خاطئة، وأنها تأويل غير صائب للتحنيط. هم يعتقدون أن المصريين القدامى يرون ملوكهم وملكاتهم آلهة حيّة، وكانت التماثيل مقدسة لديهم ومؤلّهة.
أطروحتهم هي أن التحنيط يرمي إلى إكساب أجساد الفراعنة شكل التماثيل وإضفاء صبغة قداسة عليها، مع إضافتهم ملاحظة دقيقة وهي أن الأقنعة الذهبية التي تكسو رؤوس مومياوات الملوك الفراعنة، المقصود منها الطابع التقديسي وليس المحاكاة الواقعية للوجوه. مُحقٌّ من يرى هذا التحديث المثير للجدل غير ذي بال لكونه لن يقلب التاريخ، لكن لا يليق بالكثير من بلاد العالم العربي أن تكون الاكتشافات وتحديثات الأحداث في أغلب الأحيان بيد مستر أو مسيو لا بأيدي السّادة النُّجُب.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: يجب التفكير العميق في أبعاد أن ماضينا، آثاراً وتاريخاً وآداباً وفنوناً، كان أكبر روّاده في البحث العلمي أجانب. إلى متى؟ (الخبر من الموقع الفرنسي «سا منترّاس»، يهمّني).
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5xewjj5p

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"