عادي
«محبوبة» إحدى أفضل الروايات الأمريكية في القرن ال 20

توني موريسون.. سيرة لكاتبة شجاعة

22:20 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة – «الخليج»

لم تكن الروائية الأمريكية الكبيرة توني موريسون (1931 – 2019) مجرد كاتبة أو روائية ذات خصوصية عرقية، باعتبارها أيقونة الكاتبات السود، فحسب، بل كانت امرأة شجاعة، حفلت حياتها بكل صنوف المجالدة والممانعة، التي يمكن أن تميز امرأة ذات عزيمة فولاذية، أرادت رؤية حلمها متحققاً، على أرض الواقع، فضلاً عن أنها كانت عنصراً فاعلاً في حقل الدراسات العرقية والجندرية، ليس على الصعيد الأمريكي فحسب، بل على المستوى العالمي كله.

هكذا تؤكد الروائية والمترجمة العراقية الكبيرة لطفية الدليمي في مستهل ترجمتها وتقديمها لكتاب «توني موريسون سيرة موجزة لكاتبة شجاعة» موضحة: «شدتني علاقة روحية خاصة إلى توني موريسون منذ أن قرأت لها روايتها الأولى «العين الأكثر زرقة» ثم توطدت وشائج هذه العلاقة مع رواياتها اللاحقة، وبخاصة روايتاها المميزتان «جاز» و«فردوس»، بالإضافة إلى أعمالها الرصينة في حقل الدراسات الثقافية، التي شاعت وترسخت مفاعيلها بفعل المؤثرات العولمية المعروفة».

توجت موريسون بحصولها على جائزة نوبل للأدب عام 1993 كما قلدها الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وسام الحرية الأمريكي، وهو أعلى تقدير يمكن أن يحصل عليه فرد من الأمريكيين من غير العسكريين، وتعد من أعظم الروائيين الأمريكيين، كما يرى كثير من النقاد أن روايتها «محبوبة» واحدة من أفضل الروايات الأمريكية التي كُتبت في الربع الأخير من القرن العشرين.

ولدت موريسون ونشأت في منطقة الغرب الأوسط الأمريكي وسط عائلة تُكِنُّ حباً لا حدود له لثقافة السود، وقد شكلت القصص المروية شفاهياً مع الأغاني والحكايات الفولكلورية المعين الذي نهلت منه معظم خبرتها الطفولية، حيث مارست فيما بعد التعليم الجامعي في عدة جامعات أمريكية حتى انتهى بها المطاف أستاذة في جامعة برينستون الأمريكية، كما عملت محررة للنشر في فترات مختلفة من حياتها في بعض دور النشر الأمريكية.

نشرت موريسون روايتها الأولى «العين الأكثر زرقة» عام 1970 وفيها تحكي عن فتاة سوداء بالغة، تقع ضحية فكرة هوسها بمعايير الجمال، طبقا لمواصفات المجتمع الأبيض، إلى حد قضت فيه حياتها، وهي تتوق لامتلاك عيون زرقاء، ثم نشرت روايتها الثانية «سولا» عام 1973 وتناقش فيها ثيمة ديناميكية الصداقة، والتوقعات الخاصة بالتوافق مع المعايير المجتمعية، ثم ظهرت روايتها الثالثة «أنشودة سليمان» عام 1977.

تروى «أنشودة سليمان» على لسان شاب، يحكي رحلة بحثه عن هويته الذاتية، وقد جعلت هذه الرواية من موريسون اسماً ذائعاً بين الأسماء الروائية في المشهد الثقافي الأمريكي، وتوالت أعمالها الروائية إلى أن أصدرت آخر رواياتها عام 2016 «ليكن الرب في عون الطفلة»، كما نشرت بالمشاركة مع ابنها الذي توفي بعمر 45 سنة، نتيجة إصابته بسرطان البنكرياس، بعضاً من الأعمال الروائية المخصصة للأطفال.

تشير لطفية الدليمي إلى أن موريسون كانت تتحدث عن أهمية أن يعرف الكاتب الجمهور الذي يتوجه إليه في كتابته، وتطرح في هذا الشأن مثالاً: «إن تولستوي لم يوجه رواياته لفتيات ولاية أوهايو، بل كان يخاطب الشعب الروسي، وأنا أخاطب في رواياتي زنوجنا، وعنهم ولهم أكتب، وإذا كانت رواياتي جيدة إلى حد معقول، فسوف تقرأ ويحتفي بها أناس آخرون غير الأمريكيين الأفارقة».

عندما تتحدث توني موريسون عن الفن تبدو وكأنها ترتل أنشودة روحانية – على حد تعبير لطفية الدليمي – فهي ترى أن الإبداع الفني يسمو فوق تفاصيل حياتنا العادية، وفوق تصوراتنا، وترى أن اشتغالنا في الفن والإبداع، يجعلنا نرتقي دوماً فوق التفاصيل الصغيرة، وتؤكد أن «الفن بحق هو رؤية علوية، أو ما بعدية، ويتملكني اعتقاد بأن الفنان – سواء كان رساماً أم روائياً – هو أقرب ما يكون للإنسان الروحاني المبجل، وأن للفن رؤية ترقى فوق تفاصيل حياة البشر المألوفة».

طاقة سردية

الثيمة الأساسية في روايات موريسون – كما توضح لطفية الدليمي – هي السعي الحثيث للأشخاص السود، لإيجاد ملامح هويتهم على المستويين الذاتي والثقافي، وسط مجتمع تشيع فيه مظاهر اللاعدالة واللامساواة، ويعد استخدامها للفانتازيا والأسلوب الشعري ومزاوجة الواقع بالأجواء الأسطورية إحدى المميزات التي منحت رواياتها طاقة سردية عظيمة.

لم تكتف لطفية الدليمي في ترجمتها لسيرة توني موريسون بالمادة الأصلية، بل دعمتها بمقال كتبته الروائية والكاتبة زادي سميث التي ترى نفسها، مع كاتبات أخريات، واحدة من بنات توني موريسون، وتضيف «الدليمي» إلى ذلك: «نستطيع القول من غير مواربة أو استحياء إن كل الكاتبات الأمريكيات الإفريقيات قد خرجن من جلباب توني موريسون».

ومما جاء في مقالة زادي سميث التأبينية أن «كل القراء والكتاب مدينون لتوني موريسون وجهدها العظيم في صناعة ذلك الفضاء الثقافي، الذي صار علامة مميزة لاسمها، في التأريخ الأدبي الأمريكي والعالمي، على حد سواء».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/452pa56x

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"