في متاهات نائب الفاعل

00:13 صباحا
قراءة دقيقتين

هل سيختلط الحابل بالنابل في شؤون العربية على الشبكة؟ الاجتهادات كثيرة، وحسن النوايا أحياناً يزيد الطين بلّة: «جئنا به يشفع في حاجةٍ.. فصار محتاجاً إلى شافعِ». كثيرون من الجنسين اقتحموا ساحات اللغة في أكثر من مجال. منهم من يخبط خبطَ عشواءَ في ميز الخطأ من الصواب، فلا يُحصي لحنَه إلا الحاسوب، وآخرون يتجشمون إلقاء الشعر، فلا يَسلم لهم وزن، ولا يستقيم لهم نطق، ولكنّ جودة الإخراج تحصد نقرات الإعجاب، فتُوهم غير العارف بأنه عارف، وهكذا تيّار الفوضى جارف.

ثمّة نوع آخر من النوادر، وفيه فنّ وذوق وجهود جرافيكية معلوماتية رقمية مضنية، لكن انعدام الجدوى في المحصّلة، يجعل العمل كلّه بلا فائدة. لا ينصرفنّ الذهن إلى أن القلم يقصد الانتقاص من الجهود المبذولة بقصدٍ خيّرٍ وقلبٍ سليم. لقد تصوّر هؤلاء أن الأساليب التقليدية في تعليم النحو، تغدو سلسةً سائغةً بمجرّد جريانها على ألسنة شخوص من الرسوم المتحرّكة. المشكلة أيّها الأعزاء ليست في ديكور المائدة ولا في الصحون والشوكات والملاعق، المعضلة في الأطباق نفسها، فهي«تسدّ النفس» وتصدّ الهضم.

لنأخذ مثلاً، نائب الفاعل. في غوغل ويوتيوب مئات الحسابات، أضف إليها الكتب المدرسية في أنظمة التعليم العربية، فإذا رمت عناء الذهن وعذاب النفس، فزد عليها مؤلفات النحو القديمة. اطمئن، فلن ترى تطوراً يذكر في التناول والعرض والشرح. كوميديا نائب الفاعل سبق للقلم ذكرها قبل أمد، وهي معيبة حقّاً في ميزان العقل، وإلا فكيف نحكم على مدارك النحوي الذي يرى الخبز في «أُكِلَ الخبزُ» نائبَ الفاعل، أي الفاعل غير معروف أو هو منشغل بأكل شيء آخر، فيصيبنا الجنون فنقول إن الخبز أكل نفسه نيابةً عن الآكل؟ السبب هو أن جناب النحويّ لا يستطيع أن يتخيّل أن المفعول يكون حيناً منصوباً وحيناً مرفوعاً. قطعاً، يجب تغيير طريقة صياغة القواعد.

ما معنى أن ندوّخ دماغ مراهق في الصف السابع بعشر حالات لتغيير الفعل في نائب الفاعل؟ في حالات نائب الفاعل تَرد جملٌ كهذه: «قد يكون ضميراً بارزاً متصلاً، أُنشئْتُ على القراءة، التاء نائب فاعلٍ ضميرٌ بارزٌ متصل مرفوع». وهذا اللغز: «الشباب أُنشِئوا على القراءة»، الواو نائب فاعلٍ ضميرٌ بارزٌ متصلٌ مرفوع. وهذه الأعجوبة الحسابية: نائب الفاعل مع الفعل الماضي: «إذا كان يبدأ بتاء زائدة، يُضمّ الحرف الثاني مع الأول عند بنائه للمجهول، مثل: تُوُعِّد المهملُ، حيث ضُمّ الحرف الأول والثاني وكسر ما قبل الآخر». أليس أيسر تدريس المراهقين الفيزياء النووية؟

لزوم ما يلزم: النتيجة القياسية: لو كان نحو الإنجليزية على هذا المستوى من التعقيد، ما كانت تلك اللغة خطت شبراً خارج بريطانيا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc8n7pja

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"