الشركات لم تعد شركات

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل أغرقَتْك الضجةُ حول شرائح إيلون ماسك، في دوّامة من الحيرة؟ شركة «نورالينك» زرعت، منذ 2019، شرائح عدّة في أمخاخ قردة، وأوهمت الرأي العام بأن الوفيات الناجمة عن هذه التكنولوجيا الحيوية، كانت جرّاء علل مَرَضية سابقة في هذه الثدييات، ولم تكن نتيجة العمليات التي خضعت لها. الآن تتعالى صيحات الاعتراض.

في تلك الأصقاع أيضاً يعرفون الشجب والاستنكار، فما أروع الأفئدة الرحيمة لدى أهل أمريكا الشمالية. كأنّ أرواح الهنود الحمر أمست قصائد منسابة كأنهار الأحمر القاني. قلوب رومانسية، مُهج مرهفة كوريقات الورد يجرح النسيم وجناتها. لكن المقاييس الاستراتيجية عالم آخر، فلا تسرف في توقّع أن تتحرك شعرة في مفرق تلك الضمائر، إذا فَرَمت السياسة الواقعية مليون عراقي، إذا صارت كل سوريا أطلالاً باليةً، إذا باتت ليبيا عجينة لوبيا؟

قلت للقلم: لقد جاوزتَ حدّك حين قلت لي قبل الشروع في كتابة العمود، إن الحيوانات محظوظة قياساً على البشر، فحتى الساعة لم يفكّر مصلح أو فيلسوف أو حسناء مثل بريجيت باردو أيام مَيْعة شبابها، في تأسيس جمعية للرفق بالإنسان. لقد صامت البشرية آلاف السنين عن كفكفة دموع الشعوب المقهورة، ثم أفطرت على بصلة منظمة الغمم المنتحبة، لهذا عبراتها تنهمر.

عمليّاً، برهنت الإمبراطورية للعالم على صدق المثل: «واحدٌ كألْف، وألفٌ كأُف». المنظمة ذاتها غدت آلةً طيّعةً في قبضة القوة القابضة. القوة غنيّة عن المنطق والاستدلال والمبادئ والأخلاق. لديها أدوات سحرية، تستطيع أن تحوّل الكذبة الفاقعة إلى باقة قيم إنسانية، تكفي شمّة واحدة منها ليغرق العالم في سبات عميق، حتى إذا أفاق، صحا على الأمر الواقع، وأدرك أنه كان واقعاً في مصيدة. الكبرياء تمنعه من الاعتراف بالانخداع، لكن صاحب الألعوبة يعترف ويُقرّ ناثراً الملح على جرح انطلاء الحيلة.

شرائح إيلون ماسك تفتح مشارب لا تُعدّ. ما رأيك في هذه القفزات إلى المجهول، التي قد تنجم عنها طفرات غير محسوبة؟ يقول علماء الأحياء منذ عقود مديدة، إن الفوارق الحقيقية بين دماغ الإنسان ومخ الشامبانزي لا تتجاوز 10%. لا شك في أن هذه النسبة الضئيلة هي العُشُر الفارق الحاسم، ولكن الإخفاقات إلى حدّ الآن، لا تعني الكثير، إذا وضعنا في الحسبان تطوّر العلوم العصبية والقدرات التقانية مستقبلاً. في هذه الدروب تغدو العقود كالدقائق. في مقبل السنين ستصير التجارب بعشرات الألوف عالميّا. السؤال: ما الذي يمكن أن يحدث من طفرات إذا تقلّصت تلك النسبة بيولوجيّاً أو تقانيّاً أو بكليهما؟

لزوم ما يلزم: النتيجة التحفيزية: هل يدرك العرب الأبعاد الجديدة الخارقة التي صارت لمفهوم المال والأعمال؟ نورالينك وغوغل لم تعودا مجرّد شركتين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mtm68r63

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"