قوّة منطق الأخطاء الشائعة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل صحيح أن الخطأ الشائع خيرٌ من الصحيح المهمل؟ سؤال ساذج كهذا يفتح دوّامات في الفلسفة والعلوم العصبية والاجتماعية وربما غيرها أيضاً. متاهات قد تكون الحكمة في عدم دخولها، فمن العبث محاولة البحث عن باب نجاة منها. لكن، طريفٌ أن يدرك العقل شدّة التعقيد في الأمور التي تلوح بسيطة. سنضرب مثلاً عربيّاً وآخر عالميّاً.
الجانب الفلسفيّ يتمثل في مسألة عويصة، وهي: كيف ينشأ الخطأ الشائع، ويتحوّل من استثناء إلى قاعدة؟ وما الذي يُكسبه القوة والقدرة على الاكتساح والتوسّع، في حين أن البنية هشة واهية؟ وأمّا عن العلوم العصبيّة فالمواضيع ذات العلاقة جديرة بالبحث من قبل خبراء الميدان وعلماء النفس: ما هي الآليات الدماغية في الخلايا العصبية وتشابكاتها، التي تجعل القوى الإدراكية والمعرفية سريعة الانزلاق إلى هذا المنحدر السحيق، الذي تهوي إليه شعوب وأمم، يغدو الخطأ لديها هو الصحيح المتفق عليه، فيجري على ألسنة العلماء والمثقفين، تماماً مثلما يردّده الأمّي والإنسان العادّي؟ يجب بحث هذه القضايا من قبل الاجتماعيين أيضاً.
طال البحث في النظري. لنأخذ نموذجاً عربيّاً. في العالم العربي عشرات ألوف المدارس، ونفوس العرب أربعمئة مليون، لكن الشعوب العربية تخطئ في النطق بأرقامها. لم يسأل التربويون: كيف نتمادى في قبول هذه الكوميديا. لا توجد شعوب، غير العرب، تنتقل من الآلاف إلى المئات ثم تقفز إلى الآحاد وتختم بالعشرات: في سنة ألف وتسعمئة وخمس وثمانين. لا نقول: سنة ألف وتسعمئة وثمانين وخمس، ولا سنة خمس وثمانين وتسعمئة وألف، مثلما كان يقول القدامى. لو قال أحد: مئة وسبعون وثلاثة لقهقه الناس قائلين: مسكين لا يعرف حتى كيف ينطق عدداً بسيطاً كهذا. قوة منطق الأخطاء الشائعة!
لنأخذ نموذجاً عالميّاً. كل بلدان العالم تتعامل بشهور السنة الميلاديّة، التي من بينها أربعة لا تطابق أسماءها، ولو حاولت دولة أو دول تصويب الخطأ لانهار الكثير من بنيان التأريخ. تأمّل: الشهور الأربعة المعنية مشتقة من أعداد لاتينية: سبتمبر من «سبت»، سبعة، بينما هو الشهر التاسع. أكتوبر من «أكتو»، ثمانية، بينما هو العاشر. نوفمبر من «نوفيه»، تسعة، وهو الحادي عشر. ديسمبر، من ديسي، عشرة، وهو الثاني عشر. محاولة التصحيح جنون، يتهدد التواريخ والتآريخ بالزلازل والطوفان. أبسط السخريات تغيير تاريخ ميلاد ثمانية مليارات إنسان. السبب يعود إلى تاريخ قديم كانت السنة فيه شمسية تماماً مثل الأبراج والسنة الإيرانية. أول برج الحمل هو الحادي والعشرون من مارس، مثل عيد النوروز. فيكون يناير هو الحادي عشر وفبراير هو الثاني عشر، ومارس هو أوّل السنة.
لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: قوة الأخطاء الشائعة هي أن على المنطق أن يخضع لعدم المنطق.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yrzseb36

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"