عادي

تونس.. أزمة ثلاثية الأبعاد مع أوروبا

22:11 مساء
قراءة 4 دقائق
قارب في البحر الأبيض المتوسط يقل مهاجرين غير شرعيين

د. محمد عزالعرب*

لا تزال هناك أزمة مستحكمة في العلاقات التونسية الأوروبية على الرغم من مذكرة التفاهم التي تم التوصل إليها بين الجانبين في 16 يوليو/تموز الماضي، والتي عكست السعي إلى إرساء شراكة استراتيجية وشاملة في التنمية الاقتصادية والطاقة المتجددة ومكافحة الهجرة غير النظامية لمواجهة زيادة عدد المهاجرين واللاجئين الذين يتدفقون من البلدان الإفريقية إلى الأراضي الأوروبية انطلاقاً من السواحل التونسية.

غير أن التفاعلات الجارية تشير إلى أبعاد ثلاثة عاكسة لتلك الأزمة وهي رفض تونس أن تكون حارس بوابة للحدود الأوروبية الجنوبية بالتصدي لطوفان الهجرة، ومعارضة نهج فرض الوصاية الغربية على الشؤون الداخلية التونسية فيما يخص الملاحظات بشأن ركائز المشروع السياسي للجمهورية الجديدة، وإعلان عدم ملاءمة شروط صندوق النقد الدولي للاقتصاد الوطني.

البعد الأول هو رفض تونس القيام بدور حارس بوابة الحدود الأوروبية: نظراً لأن تونس صارت معبراً للعديد من المهاجرين غير النظاميين الراغبين في الوصول إلى السواحل الأوروبية، اهتمت الدول الأوروبية بتوثيق العلاقات معها على أصعدة مختلفة، لاسيما على الصعيد المالي لوقف تدفق المهاجرين إلى أراضيها. فقد أعلنت المفوضية الأوروبية يوم 22 سبتمبر/أيلول الماضي، تقديم دعم بقيمة 127 مليون يورو (135 مليون دولار) لتونس، بواقع 60 مليون يورو لموازنة الدولة، إضافة إلى حزمة مساعدات لمكافحة الهجرة غير الشرعية بقيمة نحو 67 مليون يورو في إطار اتفاق مع الاتحاد الأوروبي.

وأعلنت المفوضية في بيان: «يلتزم الاتحاد الأوروبي وتونس بالتقدم بسرعة في تنفيذ مذكرة التفاهم، مع إعطاء الأولوية للإجراءات في مجال الهجرة والتعاون للقضاء على شبكات التهريب، والمساعدة على بناء قدرات سلطات إنفاذ القانون التونسية، وكذلك دعم العودة الطوعية وإعادة إدماج المهاجرين في بلدانهم الأصلية، مع الاحترام الكامل للقانون الدولي». غير أن الرئيس التونسي رفض تلقي هذه الأموال لأنها زهيدة بدرجة رئيسية ولا تعالج أوضاعاً غير مستقرة، وقد تؤثر في إمكانات تونس لتفكيك الشبكات الإجرامية التي تتاجر بالبشر.

لا نقبل الصَدَقة

وفي هذا السياق، قال الرئيس التونسي قيس سعيّد في تصريحات بتاريخ 3 أكتوبر الجاري إن بلاده ترفض ما أعلنه الاتحاد الأوروبي مؤخراً بشأن دعم ميزانية بلاده ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وإن تونس «تقبل بالتعاون ولا تقبل بما يشبه المنّة أو الصدقة». وقد جاء ذلك خلال استقباله لوزير الخارجية نبيل عمار، وأضاف: «بلادنا وشعبنا لا يريد التعاطف؛ بل لا يقبل به إذا كان بدون احترام. وترتيباً على ذلك، فإن تونس ترفض ما تم الإعلان عنه في الأيام القليلة الماضية من قبل الاتحاد الأوروبي».

وأوضح سعيّد، وفقاً لبيان الرئاسة، أن الرفض يأتي «لا لزهد المبلغ؛ فخزائن الدنيا كلها لا تساوي عند شعبنا ذرة واحدة من سيادتنا؛ بل لأن هذا المقترح يتعارض مع مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في تونس، ومع الروح التي سادت أثناء مؤتمر روما في يوليو/تموز الماضي والذي انعقد بمبادرة تونسية إيطالية». ووفقاً لرؤية الرئيس سعيد، فإن أموال المساعدات المخصصة لتونس غير كافية لكي تذهب في جزء منها لإعادة تأهيل زوارق خفر السواحل التونسيين، وللتعاون مع المنظمات الدولية، سواء من أجل «حماية المهاجرين»، أو لتنظيم رحلات لإعادتهم من تونس إلى بلدانهم الأصلية. ولذا، تتهم تونس مؤخراً الاتحاد الأوروبي بعدم احترام اتفاقية الدعم المالي.

تدويل الداخل

في حين يتصل البعد الثاني بمحاولة فرض الوصاية الغربية على الشؤون الداخلية التونسية: منذ إطلاق الرئيس قيس سعيّد مشروعه الإصلاحي لتدشين الجمهورية الجديدة في 25 يوليو/تموز 2021، ويقوم عدد من الدول الأوروبية والمفوضية الأوروبية في فترات مختلفة بتوجيه انتقادات لسلوكيات وتوجهات وقرارات للرئيس التونسي. ولذا، يمكن للاتحاد الأوروبي ممارسة الابتزاز مع الدولة التونسية للرضوخ والمقايضة بين بعض الملفات الخلافية في ظل توتر العلاقة بين الرئيس سعيّد وقوى المعارضة المدنية والإسلامية، وتقليص نشاط المعارضة إلى أدنى حد ممكن، وكان آخرها احتجاز رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسى.

وعلى الرغم من الصمت النسبي الأوروبي عما يجري على الساحة السياسية التونسية، في الآونة الأخيرة، فإن ذلك لا يعد نهجاً مستمراً؛ بل تدعو بعض المنظمات الدولية المعنية بأوضاع حقوق الإنسان بضرورة تحرك القوى الدولية وممارسة ضغوطها على الحكومة التونسية.

رفض شروط البنك الدولي

أما البعد الثالث للخلاف يتصل بعدم ملاءمة قرض صندوق النقد الدولي للاقتصاد الوطني؛ إذ ترفض تونس شروط صندوق النقد الدولي للإقراض بخصوص برنامج قرض قيمته 1.9 مليار دولار، وهو ما يتزامن مع أوضاع اقتصادية داخلية ضاغطة؛ إذ تراجعت معدلات النمو الاقتصادي وتفاقم عجز الموازنة التونسية بسبب جائحة فيروس كورونا، وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، وانخفض التصنيف الائتماني للبلاد، وكذلك تعاني تونس ديوناً تبلغ نحو 80% من إجمالي ناتج دخلها الإجمالي، ولم تعد قادرة على الاقتراض من الخارج. ويمثل الاتفاق الموقع بين تونس والاتحاد الأوروبي السابق الإشارة إليه أعلى محاولة من الاتحاد الأوروبي لمساعدة الاقتصاد التونسي المنهك وإنقاذ المالية العامة للدولة.

ووفقاً لرؤية سعيد، فإن «الإملاءات» التي وضعها صندوق النقد الدولي غير مقبولة، ولا يمكن القبول بمنهج «تداخل الملفات» أي الهجرة والقرض.

أزمة متجددة

خلاصة القول إن الخلافات التونسية الأوروبية تعود من جديد، وخاصة حول ملف الهجرة غير الشرعية وتصاعد موجات المهاجرين نحو أوروبا عبر مياه البحر المتوسط، دون المضي في تطبيق جميع بنود اتفاق الشراكة الاستراتيجية، والتي تشمل ملف التعاون في مجال الطاقة، وغيرها، مع الأخذ في الاعتبار وجود قوى معارضة قوية داخل الاتحاد الأوروبي للاتفاق مع تونس حول الهجرة؛ إذ يستغل تيار اليمين المتطرف، التباطؤ في تطبيق الاتفاق بين الطرفين، لحشد قطاعات واسعة من الرأي العام قبل أشهر من الانتخابات الأوروبية.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc4xd8pm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"