ثورة إفريقيا المناخية

21:22 مساء
قراءة 3 دقائق

على مدى القرنين الماضيين، ارتبط ازدهار الإنسان بحقيقة عالمية واضحة هي الطاقة المولدة من حرق الوقود الأحفوري. ومن هذا المنطلق، تعتبر أوروبا وأمريكا الشمالية، وهما الأكثر ثراءً على هذا الكوكب، الأعلى نصيباً للفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

أما إفريقيا فتتمتع بأدنى مستويات طاقة مستخدمة للفرد في العالم، إذ يستهلك المواطن الإفريقي العادي كمية من الكهرباء أقل من استهلاك الثلاجة، ويعيش حوالي 600 مليون شخص دون كهرباء. وبالتالي يُفترض أنها القارة الأكثر خضرة بين نظيراتها، لكنها مع الأسف الأشد فقراً، مع ما يقرب من نصف مليار إفريقي يعيشون في فقر مدقع.

وتجدر الإشارة إلى أن القارة السمراء محرومة من الطاقة التي تحتاجها لتحقيق التنمية الاقتصادية أكثر من أي مورد آخر، وهذا بالطبع ليس لنقص الثروات الطبيعية. فالمنطقة تمتلك احتياطيات هائلة من الفحم والنفط والغاز الطبيعي، ولكن استخراجها واستخدامها لخدمتها وخدمة شعوبها يتطلبان المال الكافي والبنية الأساسية والخبرة والقدرة المؤسساتية، وهي أمور تفتقر إليها للأسف الدول الأكثر فقراً هناك، خاصة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى. وعليه تم الاستعانة بشركات الطاقة الأجنبية، ومعظمها أوروبية وأمريكية، ما يعني أن الكثير من مكنونات الطاقة المستخرجة سيتم تصديرها بدلاً من استخدامها محلياً، وهو الحاصل اليوم.

وبعيداً عن المعوقات العملية، ظهرت في السنوات الأخيرة قوة أيديولوجية تعمل على إعاقة التنمية المحتملة للبلدان الإفريقية، وهي العقيدة السياسية العالمية المتمثلة في عبارة «صافي الصفر». فبينما ترتبط هذه العبارة بمستويات المعيشة الصعبة في الغرب، غداة الاعتياد على وفرة الوقود الأحفوري، فإن صافي الصفر في العالم النامي يهدد بحبس البلدان في ظلمة التخلف الدائم والبعيد عن التنمية.

وبالفعل بدأت بعض الدول الغربية السير نحو صافي الصفر، بالحد من استثمارات الوقود الأحفوري في الخارج، والاستثمار بشكل أساسي في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وغيرها من مشاريع الطاقة منخفضة الانبعاثات، فضلاً عن تعزيز تكنولوجيا الطاقة النظيفة.

وفي عام 2019، أعلن البنك الدولي أنه لن يدعم بعد هذا التاريخ النفط والغاز مالياً. وبدأت مجموعات تمويل دولية أخرى، مثل بنك الاستثمار الأوروبي، بربط التمويل بالتكيف مع المناخ، ما أدى إلى خفض أو إيقاف تمويلها لمشاريع الوقود الأحفوري، وحتى المشاريع القائمة على الطاقة النووية السلمية.

بعد ذلك أمرت إدارة بايدن بوقف الاستثمارات في مصادر الطاقة «ذات الكثافة الكربونية» والقائمة على الوقود الأحفوري على مستوى العالم، وعارضت كافة المشاريع الجديدة القائمة على الفحم والنفط، مع تقديم دعم محدود فقط لمشاريع الغاز الطبيعي.

وإفريقياً، بدأ المجمع الصناعي الغربي المنتشر في جميع أنحاء القارة بضخ مبالغ هائلة من الأموال في مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وكان هذا بمثابة تحذير واضح للدول الفقيرة هناك وفي مختلف أنحاء العالم، أنه إذا كانت راغبة في استمرار عجلة التنمية، فيتعين عليها أن تفعل ذلك بطريقة «خضراء ومستدامة».

وبدأ المناصرون وصناع السياسات في الترويج لفكرة مفادها أن هذا أمر ممكن تماماً، أي أن البلدان الفقيرة قادرة حقاً على توليد كل الطاقة التي تحتاجها من مصادر متجددة. أي بعبارة أخرى، يمكن لإفريقيا الوصول لهدف صافي الصفر وديمومة التصنيع في وقت واحد، لكنه يبقى ادعاءً واهماً وخطيراً.

فمن السذاجة بمكان توقع أن تقدر بعض أفقر دول العالم، وفي وقت قصير، على تحقيق ما عجزت عنه حتى أكثر البلدان تقدماً خلال عقد من الزمن. ورغم إنفاق تريليونات الدولارات على مشاريع الطاقة المتجددة، لا تزال الألواح الشمسية وتوربينات الرياح توفر ما يزيد قليلاً على 3% من حجم الطاقة العالمي اليوم، مقابل أكثر من 80% للوقود الأحفوري الذي يبقى الوسيلة الأسرع والأرخص لدفع عجلة النمو الاقتصادي، والمعجزة الصينية خلال العقود الثلاثة الماضية أكبر مثال على ذلك.

ورغم أن مصادر الطاقة المتجددة الخالية من الكربون تلعب دوراً مهماً في تنمية إفريقيا وغيرها من الجغرافيا الفقيرة، إلا أن العديد من البلدان الإفريقية لا تملك خياراً سوى الاعتماد على الوقود الأحفوري في السنوات المقبلة إذا ما أرادت رفع مستويات المعيشة لأفرادها. وعلى العكس من ذلك، فإن مطالب المدافعين عن المناخ وعن حقوق الإنسان، وصُناع السياسات في العالم الغني، بأن تمتنع البلدان النامية عن استخدام الوقود الأحفوري قد تؤدي إلى إطالة أمد الفقر المدقع الذي يضرب العديد من الشعوب.

الخطوة التالية تتلخص في ضمان توظيف موارد القارة لتعزيز تنمية بلدانها في المقام الأول، بدلاً من استمرار نهبها، سواء كان ذلك من الغرب أو أي جهة أخرى. وهذا ليس مجرد خطاب، فالتمرد الإفريقي ضد المطالب الاستغلالية قد اتخذ بالفعل شكلاً مادياً مع العديد من مشاريع الطاقة الجديدة التي تم إنشاؤها بدعم الغرب أو بدونه.

* موقع «أنهيرد» البريطاني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yr2pke4m

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"