الشريك المفضل للدول النامية

22:51 مساء
قراءة 4 دقائق

ريتشارد كولين*

تعتمد معظم التفسيرات الجيوسياسية للقوة الناعمة تقريباً على التحليل الأساسي الذي صاغه عالم السياسة جوزيف ناي عندما روج لهذا المصطلح في كتابه عام 1990 والذي حمل عنوان: «حتمية القيادة - الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية». مشيراً إلى أن القوة الناعمة هي قدرة دولة ما على الطلب من الآخرين فعل ما ترغب به اختيارياً لا قسرياً.

ويرى محللون أن هذه القوة تعتمد على القيم السياسية والاقتصادية والثقافية للدول، إضافة إلى أدواتها الخارجية لتحقيق التغيير الجيوسياسي من خلال القدوة والإقناع. وعندما أصدر ناي كتابه، كانت الولايات المتحدة في نظره نموذجاً لكيفية استخدام القوة الناعمة وتطويرها، والبطل الذي لا ينازعه أحد في ذلك الوقت، ومن المؤكد أنه كان محقاً بهذا الشأن.

لكن من المثير للاهتمام، أن تنشر مؤخراً إحدى وسائل الإعلام الأمريكية مقالاً للنائب الأمريكي رجا كريشنامورثي بعنوان: «الولايات المتحدة لا تستطيع تحمل خسارة سباق القوة الناعمة مع الصين». فهل الصين تمثل تهديداً للقوة الناعمة الأمريكية؟

حتى 10 سنوات خلت، لم يكن من السهل تصور أن يكتب أحد ما مثل هذا المقال في الولايات المتحدة. لكن يبدو، وعبر تراكمات الأربعين عاماً الماضية، أن الصين شهدت تقدماً لا لبس فيه، مما دفع عضو الكونغرس الأمريكي، وغيره من السياسيين والاقتصاديين إلى الحديث عن هذا الأمر وكتابة مثل هذه الكلمات الآن.

وبهذا الصدد، ورغم أن مبادرة الحزام والطريق، التي تحتفل الصين هذه الأيام بمرور الذكرى السنوية العاشرة لإطلاقها، لم تكن قصة نجاح مثالية بالمطلق، في ظل صعوبات وعقبات واجهتها ولا تزال، فإن إسهامات المبادرة الإيجابية، وجُلها في البنية الأساسية العامة، خاصة في إفريقيا، كانت فائقة إلى حد بعيد. ولأنه وكما يقال، «التقليد هو أصدق أشكال الثناء»، استجاب الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، للمبادرة الصينية بالحديث المستمر عن مقترحات مماثلة، مثل برنامج إعادة بناء عالم أفضل في عام 2021. لكن حتى الآن، مقارنة بالحزام والطريق، تستمر هذه المشاريع الغربية «المقلِّدة» في تذكيرنا بالمثل الأمريكي الشائع: «All hat — and no cattle»، أي «يتحدث بتبجح دون فعل شيء».

لنلقي الضوء قليلاً على زيارة نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس إلى زامبيا في وقت سابق من هذا العام. بعد فترة وجيزة، قالت أكيندي تشونداما، رئيسة الحزب الاشتراكي الزامبي: «لقد زارت الشخصية الثانية في الولايات المتحدة زامبيا عبر مطار شيدته الصين، وتجولت فيها على طرقات شيدتها الصين، وخاطبت السكان المحليين في منشأة أهدتهم إياها الصين أيضاً. ومع ذلك، تنصح نائب الرئيس الأمريكي الزامبيين بعدم التعاون مع الصين».

لقد جادل البروفيسور جوزيف ويلر منذ بضع سنوات بأن هناك ثلاثة أنواع من شرعية الحكم: شرعية العملية أو المدخلات (الديمقراطية)، وشرعية الأداء أو المخرجات، وشرعية الرؤية. ورغم تأكيد الولايات المتحدة المستمر على شرعيتها القائمة على الانتخابات، لكن من الواضح أنها تراجعت بشكل كبير عندما يتعلق الأمر بتقديم شرعية الأداء لسكانها.

واليوم يتمحور «الحلم الأمريكي» الوحيد الذي يضم الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول احتواء صعود الصين، وقد تأكدت هذه الرؤية السلبية المحبطة في مقال مطول كتبه وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت جيتس، يلخص فيه الخلل الوظيفي الكلي المستمر في الولايات المتحدة. ومؤخراً قال جون مينادو، مؤسس ورئيس تحرير مجلة «بيرلز أند إريتيشن» الأسترالية، إن المستقبل سيقرره النفوذ الاقتصادي، وليس الهيمنة العسكرية.

ويوضح تحليل مينادو الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة محقة في القلق بشأن تراجعها في سباق القوة الناعمة. ويشدد على أن الصين تفهم بشكل أفضل بكثير من الغرب أن التنمية الاقتصادية الحاسمة هي الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للجنوب العالمي، وأضاف أن استراتيجية الصين هي التفوق على أمريكا اقتصادياً وتكنولوجياً ودبلوماسياً من خلال جعلها الشريك المفضل لدول العالم الثالث. وذلك من خلال توفير البنية التحتية المناسبة لهم برعاية «مبادرة الحزام والطريق»، وتعزيز المنصات الرقمية والتقنية «طريق الحرير الرقمي»، وتنمية الأسواق عبر «الشراكات الاقتصادية الاستراتيجية». في حين تعرض أمريكا عليهم اتفاقيات عسكرية لردع الصين، وتميل إلى فرض المزيد من تدابير الحماية، بحيث لا تمنحهم حقوق التجارة الحرة، وإلى التفرد أكثر من اللازم لتشجيع الاستثمار الأمريكي وحده، بالإضافة إلى الامتناع عن تقديم المزيد من المساعدات لهذه الدول.

وفي مقال حديث آخر، قال البروفيسور جون ف. كوبر: «لقد خسرت الولايات المتحدة الحرب التكنولوجية مع الصين». ويشرح كوبر كيف تعمل الصين بجد بشكل استثنائي لتحسين قدرتها البحثية ورفع الخبرة التعليمية لجميع سكانها. في المقابل، تغرق الولايات المتحدة المولعة بالحرب في مستنقع الديون أكثر، وتتخلى رويداً رويداً عن التزامها بقضايا التعليم الشامل والبحوث المتقدمة.

في نهاية المطاف، تؤكد قدرات الصين المتنامية واستراتيجيتها الاقتصادية الفائقة، التي تغطي جهود التخفيف من حدة الفقر، وبناء السكك الحديدية، والمركبات الكهربائية، والتكنولوجيا الخضراء، والرقائق الذكية، وغير ذلك الكثير، الحالة الجيدة التي تتمتع بها أصول القوة الناعمة الصينية اليوم، وكيف باتت تروج لنفسها تدريجياً عبر الجنوب العالمي وخارجه.

*أستاذ مساعد في كلية الحقوق بجامعة هونغ كونغ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/24yzayjc

عن الكاتب

أستاذ مساعد في كلية الحقوق بجامعة هونغ كونغ

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"