عادي

درنة.. في انتظار إعادة الإعمار

22:43 مساء
قراءة 4 دقائق
منظر جوي يظهر المباني والمنازل المدمرة في أعقاب العاصفة 'دانيال' التي ضربت درنة(رويترز)

د. محمد فراج أبو النور *

انعقاد مؤتمر إعادة إعمار درنة والمدن والمناطق المحيطة بها (1/2 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري) يمثل تطوراً إيجابياً في قضية إعمار المناطق المنكوبة جراء إعصار دانيال، خاصة بعد أن كانت الشكوك أحاطت بإمكانية انعقاد المؤتمر أصلاً بسبب الانقسامات السياسية في ليبيا من ناحية، وسوء الإعداد من ناحية أخرى.

كانت حكومة «الشرق» الليبي برئاسة أسامة حماد دعت يوم 22 سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى عقد المؤتمر في مطلع شهر أكتوبر/ تشين الأول الماضي، ثم تم تأجيله إلى بداية الشهر الجاري، لينعقد هذه المرة بتمثيل دولي معتبر، إذ توافد لحضوره ممثلون عن حكومات في مقدمتها أمريكا والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا والإمارات وتركيا، إضافة إلى ممثلي أكثر من سبعين شركة مقاولات وإنشاءات دولية.

وهكذا يمكن القول إن عجلة الجهود الدولية لإعادة إعمار درنة، والمدن والمناطق المحيطة بها، قد بدأت تتحرك لتدخل أولاً مرحلة الدراسات ووضع الخطط العامة لمشروع إعادة إعمار المنطقة، ثم تنتقل منها إلى المشروعات التفصيلية (التنفيذية)، وما يرتبط بها من عروض محددة فنية وتمويلية، مع إدماج الجهود الليبية المبذولة حالياً والمشروع الشامل لإعادة الإعمار. وهي جهود لا تزال في مراحلها الأولى من إزالة الأنقاض، وإعادة رصف الطرق، وتشغيل المرافق الضرورية الأكثر أساسية لاستئناف حياة من بقي من السكان في منطقة الكارثة.

مشكلات سياسية وتمويلية

المهمة ليست سهلة، إذ تواجهها مشكلات سياسية وتمويلية لا يمكن الاستهانة بها، ترجع بصفة أساسية إلى حالة الانقسام بين الشرق والغرب الليبيين، ومحاولة حكومة الدبيبة توظيف مشروع إعادة الإعمار سياسياً، لمصلحتها، ومعروف أن هذه الحكومة تسيطر على موارد البلاد المالية من خلال سيطرتها على المصرف المركزي، وفي أعقاب الكارثة أعلن الدبيبة عن تخصيص مليارَي دينار ليبي «نحو أربعمائة مليون دولار»، لإعادة إعمار درنة ومنطقتها، وهو مبلغ ضئيل للغاية، بالقياس إلى المهمة الضخمة المطلوب إنجازها.

من ناحية أخرى، فقد دعا الدبيبة، البنك الدولي للإشراف على مشروع إعادة الإعمار برمته، ولما كانت حكومته هي الحكومة المعترف بها دولياً، فإن معنى هذا هو إشراف حكومته على المشروع برمته، في حالة استجابة البنك الدولي للاقتراح، ما يتعارض مع الجهود الفعلية التي بدأت حكومة «الشرق» في تنفيذها، واستقطاب جهد دولي للمشاركة فيها عبر المؤتمر.

وفي مقابل ذلك، فإن مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح قد قرر اعتماد عشرة مليارات دينار ليبي (نحو مليارَي دولار) لمشروع إعادة الإعمار، لكن من المشكوك فيه كثيراً أن تتمكن حكومة «الشرق» من الحصول على هذا المبلغ، أو الجزء الأكبر منه، بحكم سيطرة الدبيبة على المصرف المركزي.

ومن ناحية أخرى، فإن الأطراف الليبية والدولية تتفق على ضرورة إنشاء «صندوق لإعادة إعمار درنة»، والمناطق المحيطة بها، تصب فيه الموارد المحلية والمساعدات والمنح الدولية، التي يمكن إتاحتها، والإنفاق من هذه الموارد كلها على مشروع إعادة الإعمار، لكن تجربة ليبيا مع الفساد، وانفلات الإنفاق الحكومي من الرقابة، تجعل هذه الأطراف الدولية حريصة على أن يتم الاتفاق تحت إشرافها، وأن تكون مشاركة الأطراف الليبية من خلال اتفاقها سياسياً، وتلحّ على سرعة إجراء الانتخابات، خاصة بعد صدور القوانين الضرورية ك«قاعدة دستورية» بالفعل عن البرلمان، وهو ما يرفضه الدبيبة، والمجلس الأعلى للدولة برئاسة محمد تكالة.

تركيا.. وساطة ومصالحة

وفي ظل انشغال الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى بالحرب في أوكرانيا، ثم في غزة، اتسع المجال أمام تركيا لتطرح قيامها بدور الوساطة في تسوية النزاع بين الشرق والغرب، ومعروف طبعاً علاقة تركيا بحكومة الدبيبة، لكن الجديد، خاصة خلال العام المنقضي، هو أن تركيا قد بدأت تمد جسوراً للمصالحة مع «الشرق»، وأن عقيلة صالح قد صرح برغبته في إعادة العلاقات مع تركيا إلى سابق عهدها، وتسهيل عودة الاستثمارات التركية، وتم بالفعل الاتفاق على عودة القنصلية التركية إلى بنغازي قريباً جداً، وإعادة تشغيل الخطوط الجوية والملاحية بين الطرفين، بعد توقف طويل.

وحضر أحمد يلدز، نائب وزير الخارجية التركية مؤتمر إعادة إعمار درنة، وأعلن استعداد الشركات التركية المساهمة في مشروع إعادة الإعمار، وبالنظر إلى التاريخ الطويل لهذه الشركات في العمل في ليبيا، وإلى الدعم القوي الذي تقدمه لها الحكومة، وإلى سيطرة حكومة الدبيبة على موارد المصرف المركزي- جهة التمويل الرئيسية-، فإن الأرجح هو أن تفوز الشركات التركية بنصيب الأسد من صفقة إعادة إعمار درنة، والمنطقة المحيطة بها، مع ترك أنصبة محدودة للأطراف الأخرى، ومع كل ما يترتب على ذلك من زيادة النفوذ التركي في شرق ليبيا، وبغض النظر عن الاتفاق بين بنغازي وطرابلس، أو إجراء الانتخابات قريباً من عدمه.

البعثة الأممية مستمرة

ومعروف أن مجلس الأمن الدولي قد وافق، يوم الاثنين الماضي، بالإجماع، على مد تفويض بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، برئاسة عبدالله باتيلي، لمدة عام كامل، وهو قرار كان متوقعاً. ويشير تمديد مهمة البعثة ورئيسها، إلى استمرار السعي لتذليل العقبات لجهة تنفيذ القرارات الدولية، خصوصاً انسحاب القوات الأجنبية(التركية)، والمرتزقة الأجانب من البلاد، وفقاً لاتفاقية جينيف (23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020)، إضافة إلى إجراء انتخابات رئاسية ونيابية وتحقيق المصالحة الوطنية وتوحيد القوى الأمنية.. فباتيلي لا يرى في وجود القوات الأجنبية ولا المرتزقة الأجانب ولا الميليشيات القبلية، عائقاً يحول دون إجراء الانتخابات، حتى مع استمرار وجود حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها، والتي يتخذ موقفاً مؤيداً لها على طول الخط، مع مهاجمة البرلمان والتشكيك في شرعيته في كل مناسبة، وهو يعود من وقت لآخر إلى الحديث عن مبادرته الداعية لتشكيل حكومة مصغرة من اختياره هو، وبعثته، لإجراء الانتخابات من دون الاتفاق مع الأطراف الليبية. ثم يعود إلى تجاهل «مبادرته» والحديث عن إمكانية إجراء الانتخابات في ظل الأوضاع الراهنة.

وواضح أنه هو أيضاً «يستهلك الوقت»، بالرغم من توجيهه أشد الانتقادات للسياسيين الليبيين لهذا السبب بالذات.

وخلاصة القول، أن تفويضه يخدم استمرار الأوضاع الحالية، وحالة الانسداد السياسي المسيطرة على المشهد الليبي.

* كاتب صحفي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrxsj7u8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"