عادي

عذب الكلام

22:59 مساء
قراءة 3 دقائق
1

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

مِنْ فُنونِ البلاغَةِ في الشّعرِ، ردُّ العَجُزِ على الصَّدْرِ، وهو أنْ يكونَ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ في آخِرِ البَيْتِ والآخرُ في أوَّلِ الصَّدْرِ، أو وَسَطِهِ أو آخِرِه أو في أَوّلِ العَجُزِ، ومنه قولُ الشاعر:

ذَوائِبُ سُودٌ كالعَناقيدِ أُرسِلَتْ

فمِن أجْلِها منَّا النُّفوسُ ذَوائِبُ

«ذَوائِب» الأولى: ضَفائِرُ الشَّعْرِ، واحِدتُها: ذُؤابَةٌ. والثانية جمْعُ ذَائِبةٍ: تَذوبُ مِن جَمالِ تلك الضَّفائِرِ السُّودِ.

وقولُ الآخر:

ولَمْ يَحفَظْ مُضاعَ المجْدِ شيءٌ

مِنَ الأشْياءِ كالمالِ المُضاعِ

«مُضاع» الأولى والثَّانية، بالمَعْنى واللَّفظِ نفْسيهما.وقولُ الشاعر:

مُذْ أفْلحَ الجُهَّالُ أعلَمُ أنَّني

أنا المِيمُ والأيَّامُ أفْلَحُ أعْلَمُ

«أعْلَم» الأُولى مِنَ العِلْمِ، والأعْلَمُ الثانية: الَّذي قُطِعتْ شَفتُه العُليا فلا يَسْتطيعُ نُطْقَ حرْفِ المِيمِ.

دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر

قفي ودّعينا

ليزيدَ بنِ الصمّة

(من الطويل)

قِفي ودِّعينا يا مَليحُ بِنَظْرَةٍ

فقَدْ حانَ مِنّا يا مَليحُ رَحيلُ

تَقَيّظُ أكْنافُ الحِمى ويُظِلُّها

بِنَعْمانَ من وادي الأراكِ مَقيلُ

أليسَ قليلاً نَظْرةٌ إنْ نَظَرْتُها

إلَيْكِ وكُلّاً لَيْسَ مِنْكِ قليلُ

فيا جَنّةَ الدُّنْيا ويا مُنْتَهى المُنى

ويا نورَ عَيْني هَلْ إلَيْكِ سَبيلُ

فَدَيْتُكِ أَعْدائي كَثيرٌ وشُقّتي

بَعيدٌ وأشْياعي لَدَيْكِ قَليلُ

وكُنْتُ إذا ما جِئْتُ جِئْتُ بِعلّةٍ

فأَفْنَيْتُ عِلّاتي فَكَيْفَ أقولُ؟

فما كُلَّ يَوْمٍ لي بأرْضِكِ حاجَةٌ

ولا كُلَّ يَوْمٍ لي إلَيْكِ رَسولُ

صحائفُ عِنْدي لِلْعتابِ طَوَيْتُها

سَتُنْشَرُ يَوْماً والعِتابُ طويلُ

فلا تَحْمِلي ذَنْبي وأنتِ ضَعيفةٌ

فَحَمْلُ دَمي يَوْمَ الحِسابِ ثقيل

من أسرار العربية

في الفروق اللغوية بَيْن: الجَائزةُ والعَطِيّةُ، أنّ الجائزةَ تكونُ إكراماً من الأعلى إلى الأدنى، أما العَطِيّةُ فعامّة بَيْن الجميع. السَّخاء والجُود، السَّخاءُ: أنْ يلينَ الإنسانُ، عندَ السُّؤال. والجُودُ: كثرة العَطاءِ منْ غَيْر ِسؤالٍ، لذلك يقال عن الله تعالى «الجَواد»، لكثرة عطائه. ونقول: جادتِ السَّماءُ بالمَطر. بينَ «التسديد» و«التقويم»؛ التسديد: التوجيه إلى الصواب، تقول «سدّد السَّهم»، و«سدّد فلاناً إلى الحقّ». قال لسان الدين بن الخطيب:

سدَّدَ السّهْمَ فأصْمى إذْ رَمى

بفؤادي نَبْلَةَ المُفْتَرِسِ

أما التقويم، فهو إزالة الاعوجاج. كتقويم الرّمح، ثم استُعير في معانٍ أخرى، كالقول «قَوّم عملَ ابنه». بَيْن «الفَوْزِ» و«الظّفَرِ»، الفَوْزَ: الخلاصُ من المَكْروه، مع الوصول إلى المُبْتغى. والظّفَرَ: العُلوّ على المناوئ. يُقال «ظفِر ببُغْيَتِهِ»، وقد يُستعمل في موضعِ الفَوْز، لكنّ الفوزَ لا يُستعملُ في موضع الظّفر. فلا يُقال «فازَ بِعَدوّه»؛ قال العُجَيْر السَلوليُّ يمدح رجلاً:

هو الظَّفِرُ المَيْمونُ إنْ راحَ أو غدا

بِهِ الرَّكْبُ والتِلْعابَةُ المُتَحَجِّبُ

هفوة وتصويب

يقولُ بعضُهم «وقد أَجْهَشَ فلانٌ بالبِكاء»، بمعنى انخرط في البكاء، لكن«أجْهَشَ»، معناها تَهَيّأَ. والصواب «بَكى». ويقال «أَخْمَدَ النّارَ»، أي أطفأها، لكنّ الإخْمادَ، هو إسْكانُ اللّهيب، والصوابُ «أطْفأَ النّارَ».

تردُ كثيراً مِثْلُ هذهِ الجملةِ «وحَيْثُ أنّ اللّيْلَ أقبلَ، فَعَلَيْنا الرَّحيلُ» والخَطأ في فَتْحِ هَمْزةِ أنَّ، والصّوابُ كسرُها «حَيْثُ إنّ»؛ لأنَّ «حَيْثُ»، حَرْفٌ مَبنيٌّ على الضَّمّ، وما بَعْدَهُ صِلَةٌ لَهُ، يَرتَفِعُ الاسمُ بَعْدَهُ على الابْتداءِ، كقولك: جَلَسْتُ حَيثُ الهُدوءُ، والهُدوء: مُبتدأٌ مَرفوعٌ، ولذا تُكْسَرُ هَمْزة إنّ، بعدها، لأنّها في بَدْءِ الكَلام.

من حكم العرب

والمَرْءُ يُذْكَرُ بِالجَمائِلِ بَعْدَهُ

فَارفَعْ لِذِكرِكَ بِالجَميلِ بِناءَ

واعلَم بِأَنَّكَ سَوْفَ تُذكَرُ مَرَّةً

فَيُقالُ أَحْسَنَ أَو يُقالُ أَساءَ

البيتان لأحمد شوقي، يقول إنّ ما يبقى هو العمل الطيّب، فاعمل أيُّها الإنسان، ليكون ذكركَ مميّزاً بجميل صنائعك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc5tantz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"